يقول الحق تبارك وتعالى: (ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب). ليس هذا فقط هو نصيب المتقين بل أن الملائكة تزفهم إلى الجنة على مراكب من نور كما قال تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) وان الله سبحانه وتعالى يجعل لهم نورًا يمشون به في ظلمات الدنيا وخرابها. هذا هو حال المتقين الذين يخشون ربهم في السر والعلانية فهم يعبدون الله كأنهم يرونه وهم ثابتون على طريق الحق. ومن هؤلاء المتقين الذين لم تقدر عليهم فتنة الدنيا وما فيها العابد جريج. وقصتنا اليوم تتعلق برجل عابد من بنى إسرائيل يسمى جريج عرف بورعه ومخافته لله عز وجل. ولم يكن له هما سوى أن يتعبد ليلا ونهارا في صومعته يريد وجه الله وكم حاول معه إبليس لعنة الله عليه أن يوقع به إلا أنه لم يفلح. وفى ذات يوم كان جريج قائمًا يصلى فى صومعته فنادته أمه . فأسقط في يده وقال يارب أمي وصلاتي .. لكنه واصل الصلاة وذهبت أمه ثم جاءت بعد قليل فنادته ثانية فقال ربى أمي وصلاتي فاختار أيضا الصلاة. وعندما عادت أمه مرة ثالثة اختار ان يواصل صلاته ولا يقطعها برده على أمه. في هذه اللحظة غضبت أمه فدعت عليه قائلة اللهم لا تميته حتى يرى وجوه البغايا. وهكذا حاول إبليس الدخول إليه مرة أخرى وعندما كان قائمًا على عبادة الله يتلو آياته إذ آتته إمرأة فاتنة الجمال تملك من الإغراء ما يهز مشاعر اعتى الرجال إلا قليلا هم المتقون.. وبمهارة الأنثى فى إغراء الرجال تزينت المرأة ووضعت أطيب الروائح وصعدت إليه تعرض نفسها علية صراحة إلا أن جريج أبى لأن الدنيا لم تكن همه بل الآخرة هي خير وأبقى، غير أن المرأة وسوس إليها الشيطان فعادت مرة أخرى بأزين مما كانت عليه إلا أن جريج أبى ثانية وعندما فشلت المرأة في محاولة إيقاعه في حبائلها ذهبت وأعطت نفسها لراعى غنم فحملت منه ولد وعندما اجتمع عليها الناس ليعرفوا ممن هذا الولد فأحبت أن ترد ما فعله جريج معها فقالت لهم انه ابن جريج .. وبذلك اتهمت الفتاة العابد بتهمة هو منها براء. ولأن الله يدافع عن الذين آمنوا. فبعد أن قام عليه القوم وهدموا عليه صومعته التي كان يتعبد فيها وهو مندهش لماذا يفعل الناس به ما يفعلون فيقول لهم ما لكم.. ما لكم؟ فأتى أمام قومه وألهمه الله سبحانه وتعالى أن يتوجه إلى الطفل الرضيع ويسأله من أبوك؟ فقال: أبى هذا الراعي! فأظهر الله براءة العابد على لسان هذا الطفل الرضيع فأراد القوم أن يكفروا عما فعلوه بالعابد ويطلبون منه أن يسامحهم ويرضى عنهم حتى أنهم أرادوا ان يبنوا له صومعة من الذهب محاولة منهم في استرضائه وتكفيرًا عما ارتكبوه من إثم في حقه إلا أن جريج اسقط منذ عرف الله سبحانه وتعالى الدنيا من حساباته فهي فانية والباقي هو الله فأبى أن تكون صومعته من ذهب وأرادها على ما كانت عليه وظل بها يتعبد إلى الله، حتى لقي ربه عز وجل .. ولم تفلح محاولات إبليس مع هذا العابد فالله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الحكيم (…إلا عبادك منهم المخلصين) هكذا لم يكن لإبليس سلطان على جريج لأنه أخلص لله سبحانه وتعالى وكان من المتقين ونجح العابد في الإفلات من كيد وفتنة المرأة الجميلة.. ولقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يستجيب لدعاء الأم مما يدل على تقدير الله عز وجل للأمهات وللوالدين وكذلك برأ الله جريح لأنه أبى الزنا وامتنع عن الفاحشة وانتصر على نفسه وعلى الشهوات بفضل من الله.