السؤال: قبل فترة سمعت أنا وإخوتي أن شابًا سعوديًا كسر صنمًا لبوذا في اليابان، فقام إخوتي بالضحك على غبائه وتشدده، فقمت بالبحث في موقعكم عن حكم كسر الأوثان والأصنام، فظهر لي أنها واجبة متى ما استطاع المسلم كسرها، وأطلعتهم على الفتوى، فقاموا هداهم الله بازدراء الفتوى، ووصفها بالمتشددة، والضحك عليّ، ودائمًا هذا وضعهم عندما أريهم فتوى من هذا الموقع، ولدي الآن سؤالان: ما حكم ما فعله إخوتي من ازدراء هذه الفتوى؟ وكيف نخرج من شبهة وجوب كسر الأوثان مع احترام الأديان الأخرى في الإسلام؟ فكما تعرفون هنالك الكثير من الأديان الوثنية، وليس بينها وبين الإسلام والمسلمين عداء، مثل: البوذية، والشنتو، وغيرها، فكيف يوجب الإسلام كسر أوثانهم، وهم ليسوا معادين لنا، أليس هذا سيرجع سلبًا على الإسلام -جزاكم الله خيرًا-؟ الفتوى: الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد: فبداية نود أن نقرر أن الإسلام يعادي الشرك والوثنية، ويأمر بإزالة مظاهرها عند القدرة على ذلك، وقد سبق أن ذكرنا طرفًا من الأدلة الشرعية على وجوب إزالة الأصنام، وذلك في الفتوى رقم: 7458. وهكذا ملة التوحيد من فجر التاريخ وهي قائمة على نبذ الشرك ومظاهره! ومن أشهر وأهم الشواهد على ذلك ما فعله أبو الأنبياء، وإمام الحنفاء الخليل إبراهيم -عليه السلام- من تحطيمه لأصنام قومه، وقصته في ذلك مشهورة ومذكورة في سورة الأنبياء، وسورة الصافات، وهذا لا يمكن لمؤمن أن يستهزئ به، أو يزدري عقل فاعله عليه السلام بل هو في ذلك مضرب المثل في القيام بدين الله تعالى، والوفاء بحقه، ومثل هذا لا يصح أن يكون محل خلاف من حيث الجملة، ويبقى النظر في تطبيق ذلك، والتأسي به من حيث التفصيل، ومراعاة اختلاف الأحوال، وتباين الآثار والعواقب! ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة، فقد بقي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة سنة في مكة والأصنام تعبد حول الكعبة، ثم هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وفيها بقايا من المشركين لهم أصنام يعبدونها، ثم اعتمر صلى الله عليه وسلم في العام السابع من الهجرة عمرة القضية وطاف حول الكعبة، والأصنام على حالها، وفي العام التالي فتح الله عليه مكة، ومكَّن له فيها، فكسر الأصنام، وأزال مظاهر الشرك، ففي الصحيحين عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول البيت ستون وثلاث مائة نُصُب فجعل يطعنها بعود في يده ويقول: جاء الحق وزهق الباطل، جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد. قال الدكتور راغب السرجاني في دروسه في السيرة النبوية في فتح مكة: أول ما دخل صلى الله عليه وسلم الكعبة المكرمة أمر بتكسير الأصنام.. فقد كان حول الكعبة 360 صنمًا غير هبل أعظم آلهتهم، فالرسول عليه الصلاة والسلام أمر الصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين- بتكسير كل هذه الأصنام، وشاركهم في ذلك، وهذا الأمر كان بعد صبر دام 21 سنة كاملة، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة مدة 13 سنة متتالية أي: الفترة المكية ولم يفكر مرة واحدة في كسر صنم واحد، وطاف في عمرة القضاء قبل الفتح بعام واحد، ولم يفكر لحظة واحدة في كسر صنم واحد من هذه الأصنام، وهذه المفارقة وهذه المقارنة بين الموقفين تحتاج منا إلى وقفة... هذا ما أسميه ب: فقه الموازنات، وفقه الواقع، وفقه دفع أكبر الضررين، وجلب أكبر المنفعتين، لو كان الرسول عليه الصلاة والسلام كسر هذه الأصنام في فترة مكةالمكرمة لقامت الدنيا ولم تقعد، ولا استئصل المسلمون بكاملهم من مكةالمكرمة، أما الآن وبعد أن صار صلى الله عليه وسلم حاكماً لمكةالمكرمة، بل ولأجزاء كبيرة جداً من الجزيرة العربية، وصار في هذه القوة فإنه لا يصبر على وجود مثل هذا المنكر الشنيع من صنم يعبد من دون الله عز وجل، فكسر كل الأصنام، وكسرها وهو يقول: جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً.. اه. http://audio.islamweb.net/audio/Fulltxt.php?audioid=208209 وذلك لأن المنكر تجب إزالته عند القدرة، فحين قدر النبي صلى الله عليه وسلم على إزالة المنكر بادر بالفعل فكسر تلك الأصنام كلها حين فتح مكة عام ثمان من الهجرة، ولم تكن الأصنام الموجودة حول البيت مانعة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه من الطواف به في عمرة القضية عام سبع، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 120874. وقد سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 109123، على أن مشروعية إنكار المنكر باليد تكون لمن أمن حصول ضرر أعظم، ويؤيد هذا تحطيم إبراهيم -عليه السلام- لأصنام قومه. كما سبق أن نبهنا في الفتوى رقم: 211738، على أن تقدير إنكار المنكر في هذه الحال محل اجتهاد، قد يستحب في بعض المواضع، وقد يحرم في بعضها، مثل أن يتعدى الضرر غير المنكِر. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين: الفعل أو القول المفضي إلى المفسدة قسمان: أحدهما: أن يكون وضعه للإفضاء إليها كشرب المسكر المفضي إلى مفسدة السكر. والثاني: أن تكون موضوعة للإفضاء إلى أمر جائز أو مستحب، فيتخذ وسيلة إلى المحرم إما بقصده، أو بغير قصد منه، فالأول كمن يعقد النكاح قاصدًا به التحليل.. والثاني كمن يسب أرباب المشركين بين أظهرهم. اه. ثم ذكر الأدلة على المنع من فعل ما يؤدي إلى الحرام ولو كان جائزًا في نفسه، فقال: الدلالة على المنع من وجوه: الوجه الأول: قوله تعالى: ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم {الأنعام: 108} فحرم الله تعالى سب آلهة المشركين مع كون السب غيظًا وحمية لله، وإهانة لآلهتهم لكونه ذريعة إلى سبهم الله تعالى، وكانت مصلحة ترك مسبته تعالى أرجح من مصلحة سبنا لآلهتهم، وهذا كالتنبيه، بل كالتصريح على المنع من الجائز، لئلا يكون سببًا في فعل ما لا يجوز... اه. وإذا تقرر ما سبق، اتضح أنه لا بد من اعتبار القدرة والعجز، وميزان المصالح والمفاسد، وهذا الباب إذا كان أثره متعديًا، أو متعلقًا بعموم الأمة لم يجز أن يحكم فيه إلا الراسخون من أهل العلم، قال الله عز وجل: وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ {النساء:83}. قال السعدي: في هذا دليل لقاعدة أدبية وهي أنه إذا حصل بحث في أمر من الأمور ينبغي أن يولَّى مَنْ هو أهل لذلك ويجعل إلى أهله، ولا يتقدم بين أيديهم، فإنه أقرب إلى الصواب وأحرى للسلامة من الخطأ. اه. وفي ما تقدم جواب مجمل للسؤال الثاني، بقدر ما يحتمله المقام. وأما السؤال الأول عن حكم إخوة السائل وازدرائهم للفتوى! فالأهم من حكمهم هو الوصية بالرفق بهم، فإن هذه المسائل في هذا العصر صارت من المشكلات والمتشابهات التي يكثر فيه الكلام بحق وبباطل، وتحتاج إلى بسط وتمهيد وبيان، ولا سيما مع اختلاف الفتاوى والأحوال. والله أعلم.