الزمان..الأربعاء الثالث من أغسطس 2011 ..المكان ..مبنى أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة والتي كان اسمها "أكاديمية مبارك للامن"..الحدث ..مصر تضع رئيسها المخلوعفي قفص الإتهام وتحاكمه في نفس القاعة التي ألقى فيها آخر خطاب له بإعتباره "الفرعون الإله" ، وفي سابقة لم تحدث في تاريخها!!..إنه يوم مشهود من أيام مصر التاريخية..بل عيد للعدالة على أرض الكنانة قالت فيه مصركلمتها وأكدت ريادتها "الحقيقية" عندما أدخلت فرعونها القفص بإسم الشعب مصدر كل السُلطات..إنها المرة الاولى التي يجد فيها حسني مبارك مَن يضطره الى أن يجيب من وراء القضبان "أفندم ..أنا موجود" ، بعد أن كان الجميع في بر مصر يخاطبونه بقولهم "أفندم"!!..هذا فتح عظيم وانتصار جديد باهر ورائع لثورة 25 يناير..مصر أسقطت عن الفرعون الإله القداسة والحصانة وأعادت كتابة التاريخ وصنع الحضارة لتقدم الدروس والعبر لكل رؤسائها اللاحقين ولكل الطغاة في المنطقة العربية والعالم ..الدولة في مصر تنتقل بالفعل ولاول مرة من طور القبيلة ، التي تحصن الكبار والزعماء وتضفي عليهم قداسة باطلة وغيرمبررة حتى لو كانوا قتلة وخونة ولصوصا للاوطان ، الى دولة القانون التي تسودها المساواة ولا تفرق بين مواطنيها على اي أساس..عاد العالم كله ليتحدث بإحترام وإنبهار عن مصر التي بدأت تتعافى من آلام مخاض الثورة وتستأنف رسالتها في إلهام البشرية معاني جديدة للعدالة والضمير.. ولكن ما تم إنجازه حتى الآن من اهداف الثورة الاعظم في تاريخ البشرية قليل من كثير..صحيح أن الثورة حققت إنتصارها الثاني في الثالث من أغسطس بمثول الفرعون امام القضاء ، وذلك بعد إنتصارها الاول الذي تمثل في إسقاطه في 11فبراير ..ولكننا لا نزال ننتظر المزيد من الخطوات لتحقيق أهداف الثورة كاملة بلا نقصان..نتطلع الى إعادة تكييف التهم الموجهة الى الرئيس المخلوع ونجليه وكبار المسئولين في نظامه ..فلا يمكن أن يُحال جمال وعلاء مبارك الى المحاكمة بتهمة استغلال النفوذ لحصولهما على اربع فيلات من حسين سالم بأقل من قيمتها الحقيقية !!..ذلك هزل في موضع الجِد..ولو كنا جادين حقا في محاكمة زعماء العصابة التي حكمتنا وتحكمت فينا لمدة 30 عاما ، لبادرنا بفتح ملف "إمارة" شرم الشيخ التي أقطعها حسني مبارك لصديقه حسين سالم ليتصرف فيها كإقطاعية خاصة به..وعلينا أيضا محاكمة جمال مبارك واخيه ورءوس العصابة التي كانت تدير البلد بإسم والده ، عن تورطهم في تخريب مصر ونهبها وإفساد الحياة السياسية فيها ، فضلا عن قتل شعبها بالمبيدات المسرطنة والاغذية الفاسدة في جرائم إبادة جماعية مكتملة الاركان..وأقل تهمة توجه اليهم هى"الخيانة العظمى"..ويكفي هنا التورط في بيع الغاز للعدو الاسرائيلي بثمنبخس ..كذلك إعترف مبارك نفسه في حديث منشور مع رئيس تحرير مجلة المصور مكرم محمد أحمد في عدد المجلة الصادر في 24 - 9- 1993 بأن ابنه جمال تربح من الاقتصادالمصري ، مستغلا نفوذ والده بطبيعة الحال، عن طريق المشاركة في صفقات لشراء ديون مصر من الاجانب ثم إعادة بيعها للبلاد مرة اخرى ، وذلك مخالفة صريحة لنص الدستور المصري الذي كان ساريا إذ تنص المادة 81 منه على أنه" لا يجوز لرئيس الجمهورية أثناء مدة رئاسته أن يزاول مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أوأن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقايضها عليه"..ومن نافلة القول إنه لا يجوز الإلتفاف على هذه المادة من خلال الابناء أو الزوجات اوالاقارب.. وانا اُطالب أيضا بمحاكمة سوزان ثابت زوجة الديكتاتور المخلوع على الكثير من الجرائم التي ارتكبتها مستغلة منصب زوجها دون أن يكون لها أي وضع دستوري..فقد ترأست العديد من الهيئات وامرت بصرف المليارات على انشطة داخلية وخارجية دون أي وجه حق ..وعندما اقنعها بعض المنافقين من رجالها في وزارات الثقافة والاعلام والآثار بإمكان الحصول على جائزة نوبل أنشأت منظمة دولية تحمل اسمها للترويج لهذا المسعى وانفقت عليه المليارات من أموال الشعب المصري الذي لم يكن كثير من أفراده يملكون قوت يومهم ناهيك عن تكاليف العلاج والتعليم والسكن!!.. الآن..بدأت محاكمة الفرعون وكانت بردا وسلاما على قلوب أمهات واهالي شهداء الثورة ومصابيها ، واطمأن المصريون الى أن رؤوس العصابة التي حكمت مصر باتوا بين يدي العدالة ، ولكن مسيرة الثورة لا تزال طويلة جدا ، وعلينا حشد كل الطاقات والجهود لمحاكمة كل المجرمين الذين اساءوا الى هذا البلد وتورطوافي سرقة ثرواته ونهب امواله ..وحشد كبار المحامين الشرفاء للدفاع عن حق شهداء ومصابي الثورة لأن حق هؤلاء هو حق الوطن والشعب..ولأن عددا كبيرا من الاسماء اللامعة في عالم المحاماة اختارت الدفاع عن مبارك وعصابته طمعا في المليارات التي نهبوها من أموالنا..وأخيرا" فإنني أرجو أن يهدأ هؤلاء المتباكين على المخلوع وعصابته ويعودوا الى رشدهم لأن "سادتهم" صاروا بين يدي العدالة وأي مظاهرة أو إحتجاج سيكون موجها لقضاء مصر العادل أي سيكون خروجا على القانون يجب مواجهته بحزم وصرامة لأن الزمن لا يمكن أن يعود الى الوراء.. أما شهداء الثورة ومصابوها فأقول لهم "طوبى لكم " فقد بذلتم ارواحكم ودماءكم من أجل أن يكون هذا الوطن افضل واجمل واكثر تقدما ..ولولا تضحياتكم الغالية لما كانت ثورتنا العظيمة قد نجحت ولما كان الفرعون الاخير قد دخل القفص كمتهم تطارده لعنات شعبه وسجلات التاريخ.. [email protected]