الزمان..الأربعاء الثالث من أغسطس 2011.. المكان.. مبني أكاديمية الشرطة بالقاهرة الجديدة والتي كان اسمها »أكاديمية مبارك للامن«.. الحدث.. مصر تضع رئيسها المخلوع في قفص الإتهام وتحاكمه في نفس القاعة التي ألقي فيها آخر خطاب له بإعتباره »الفرعون الإله« الاحد 7/8 ص61 رؤية مصرية، وفي سابقة لم تحدث في تاريخها!!.. إنه يوم مشهود من أيام مصر التاريخية.. بل عيد للعدالة علي أرض الكنانة قالت فيه مصر كلمتها وأكدت ريادتها "الحقيقية" عندما أدخلت فرعونها القفص بإسم الشعب مصدر كل السُلطات.. إنها المرة الاولي التي يجد فيها حسني مبارك مَن يضطره الي أن يجيب من وراء القضبان »أفندم.. أنا موجود«، بعد أن كان الجميع في بر مصر يخاطبونه بقولهم »أفندم«!!.. هذا فتح عظيم وانتصار جديد باهر ورائع لثورة 25 يناير.. مصر أسقطت عن الفرعون الإله القداسة والحصانة وأعادت كتابة التاريخ وصنع الحضارة لتقدم الدروس والعبر لكل رؤوسائها اللاحقين ولكل الطغاة في المنطقة العربية والعالم .. الدولة في مصر تنتقل بالفعل ولاول مرة من طور القبيلة، التي تحصن الكبار والزعماء وتضفي عليهم قداسة باطلة وغير مبررة حتي لو كانوا قتلة وخونة ولصوصا للاوطان، الي دولة القانون التي تسودها المساواة ولا تفرق بين مواطنيها علي اي أساس..عاد العالم كله ليتحدث بإحترام وإنبهار عن مصر التي بدأت تتعافي من الآم مخاض الثورة وتستأنف رسالتها في إلهام البشرية معانٍ جديدة للعدالة والضمير.. ولكن ما تم إنجازه حتي الآن من اهداف الثورة الاعظم في تاريخ البشرية قليل من كثير.. صحيح أن الثورة حققت إنتصارها الثاني في الثالث من أغسطس بمثول الفرعون امام القضاء، وذلك بعد إنتصارها الاول الذي تمثل في إسقاطه في 11 فبراير ..ولكننا لا نزال ننتظر المزيد من الخطوات لتحقيق أهداف الثورة كاملة بلا نقصان.. نتطلع الي إعادة تكييف التهم الموجهة الي الرئيس المخلوع ونجليه وكبار المسئولين في نظامه .. فلا يمكن أن يُحال جمال وعلاء مبارك الي المحاكمة بتهمة استغلال النفوذ لحصولهما علي اربع فيلات من حسين سالم بأقل من قيمتها الحقيقية !!.. ذلك هزل في موضع الجِد..ولو كنا جادين حقا في محاكمة زعماء العصابة التي حكمتنا وتحكمت فينا لمدة 30 عاما، لبادرنا بفتح ملف "إمارة" شرم الشيخ التي أقتطعها حسني مبارك لصديقه حسين سالم ليتصرف فيها كإقطاعية خاصة به.. وعلينا أيضا محاكمة جمال مبارك واخيه ورءوس العصابة التي كانت تدير البلد بإسم والده، عن تورطهم في تخريب مصر ونهبها وإفساد الحياة السياسية فيها، فضلا عن قتل شعبها بالمبيدات المسرطنة والاغذية الفاسدة في جرائم إبادة جماعية مكتملة الاركان..وأقل تهمة توجه اليهم هي "الخيانة العظمي".. ويكفي هنا التورط في بيع الغاز للعدو الاسرائيلي بثمن بخس ..كذلك إعتراف مبارك نفسه في حديث منشور مع رئيس مجلة المصور مكرم محمد أحمد في عدد المجلة الصادر في 24 - 9- 1993 بأن ابنه جمال تربح من الاقتصاد المصري، مستغلا نفوذ والده بطبيعة الحال، عن طريق المشاركة في صفقات لشراء ديون مصر من الاجانب ثم إعادة بيعها للبلاد مرة اخري، وذلك مخالفة صريحة لنص الدستور المصري الذي كان ساريا إذ تنص المادة 81 منه علي أنه " لا يجوز لرئيس الجمهورية أثناء مدة رئاسته أن يزاول مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو أن يشتري أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله أو أن يقايضها عليه".. ومن نافلة القول إنه لا يجوز الإلتفاف علي هذه المادة من خلال الابناء أو الزوجات او الاقارب.. وانا اُطالب أيضا بمحاكمة سوزان ثابت زوجة الديكتاتور المخلوع علي الكثير من الجرائم التي ارتكبتها مستغلة منصب زوجها دون أن يكون لها أي وضع دستوري.. فقد ترأست العديد من الهيئات وامرت بصرف المليارات علي انشطة داخلية وخارجية دون أي وجه حق.. وعندما اقنعها بعض المنافقين من رجالها في وزارات الثقافة والاعلام والآثار بإمكان الحصول علي جائزة نوبل أنشأت منظمة دولية تحمل اسمها للترويج لهذا المسعي وانفقت عليه المليارات من أموال الشعب المصري الذي لم يكن كثير من أفراده يملكون قوت يومهم ناهيك عن تكاليف العلاج والتعليم والسكن!!.. الآن.. بدأت محاكمة الفرعون وكانت بردا وسلاما علي قلوب أمهات واهالي شهداء الثورة ومصابيها، واطمأن المصريون الي أن رؤوس العصابة التي حكمت مصر باتوا بين يدي العدالة، ولكن مسيرة الثورة لا تزال طويلة جدا، وعلينا حشد كل الطاقات والجهود لمحاكمة كل المجرمين الذين اساءوا الي هذا البلد وتورطوا في سرقة ثرواته ونهب امواله.. وحشد كبار المحامين الشرفاء للدفاع عن حق شهداء ومصابي الثورة لأن حق هؤلاء هو حق الوطن والشعب.. ولأن عددا كبيرا من الاسماء اللامعة في عالم المحاماة اختارت الدفاع عن مبارك وعصابته طمعا في المليارات التي نهبوها من أموالنا.. وأخيرا" فإنني أرجو أن يهدأ هؤلاء المتباكون علي المخلوع وعصابته ويعودوا الي رشدهم لأن »سادتهم« صاروا بين يدي العدالة وأي مظاهرة أو إحتجاج سيكون موجها لقضاء مصر العادل أي سيكون خروجا علي القانون يجب مواجهته بحزم وصرامة لأن الزمن لا يمكن أن يعود الي الوراء.. أما شهداء الثورة ومصابوها فأقول لهم "طوبي لكم " فقد بذلتم ارواحكم ودماءكم من أجل أن يكون هذا الوطن افضل واجمل واكثر تقدما.. ولولا تضحياتكم الغالية لما كانت ثورتنا العظيمة قد نجحت ولما كان الفرعون الاخير قد دخل القفص كمتهم تطارده لعنات شعبه وسجلات التاريخ.