بعد عشر سنوات من القتال الدامي الذي شنته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها على جماعة طالبان في الأراضي الأفغانية يفاجأ العالم بأن الولاياتالمتحدة باتت تطالب وبإلحاح الدخول في حوار مع هذه الجماعة التي كانت قد قررت استئصال شأفتها لا من أفغانستان فقط وإنما من على وجه الأرض . واللافت أن واشنطن تتوسل الحوار رغم كل ما يترتب عليه من الاعتراف بالهزيمة التي لا تخصها وحدها بل وتخص جميع المشاركين لها إثباتاً لولائهم من جهة للإمبراطورية القديمة والجديدة إمبراطورية “الحرية وحقوق الإنسان”، وبحثاً عن فتات الغنائم الموهومة حتى في بلاد فقيرة وتعيسة كأفغانستان . وما يضاعف من حرج الولاياتالمتحدة أن العالم يتساءل عن تأخر الحوار إلى هذا الوقت، وماذا لو كان قد بدأ قبل عشر سنوات، وقبل أن يتصاعد الرصيد الهائل من أجساد الضحايا الأبرياء وتتكاثر المجازر من الطرفين، فضلاً عما سيتركه الاحتلال من رصيد ثقافة الكراهية والحقد في نفوس جميع الأفغانيين من دون استثناء، يضاف إلى التساؤل آخر هو: لماذا لا يأتي الحوار في قاموس السياسة الأمريكية إلا متأخراً، وبعد رحلة دم وحشية، وهو ما يخالف طبائع السياسات، حيث يكون الحوار أولاً، أما بعد أن تكون الدماء قد عطّلت كل الطرق المؤدية إليه فما قيمته ومن سوف يستجيب له؟ لكن ما لم يكن متوقعاً أن الطرف الأضعف وهو طالبان قد حاولت مراراً وتكراراً رفض الحوار مع المعتدي الذي ألقى إلى أفغانستان بكل هذه الحشود الدولية، وهو ما اضطر البيت الأبيض إلى استجداء الوسطاء والبدء في الحوار مهما حمل من علامات الهزيمة والانكسار . والآن لم يعد أعداء الولاياتالمتحدة ومنافسوها هم الذين يقولون إن التكالب على الحوار يجعل القوات المقاتلة في ذلك البلد الغريب والشجاع تنسحب من حرب خاسرة وهي تحتفظ ببقية من ماء الوجه، فالأصدقاء يقولون ذلك أيضاً وهم يشيرون كذلك إلى ما سبق أن فعلته الولاياتالمتحدة في العراق، حيث تلاحقها خيبة الأمل وتكشف للجن والإنس أن نشر الديمقراطية عن طريق جنود المارينز مرفوضة حتى من هؤلاء الجنود أنفسهم، وأن العدوان على الشعوب تحت أي مبرر قد يخدع بسطاء الناس لفترة قصيرة ثم تنكشف لهم الحقيقة عارية ولا تنفع معها الرتوش الإعلامية المضللة والتي ما تلبث هي نفسها أن تنقلب وتبدأ في طرح تحليلات صادمة، ومؤكدة أن القوة وحدها لا تجدي في احتلال الشعوب وأن عظمة البشر المقاومين لا تكمن في أسلحة الدمار ولا في الأموال وإنما في الإيمان والاستعداد للتضحية، وذلك ما كانت الولاياتالمتحدة قد جربته في فيتنام لكنها نسيت أو تناسب دروسه البليغة . لقد ظهرت عبر التاريخ امبراطوريات حاولت أن تحكم العالم ونجحت بعض الوقت ثم سقطت، لكن المثير للتأمل والاستغراب أن تلك الإمبراطوريات القديم منها والحديث لم تسقط بمثل هذه السرعة التي سقطت بها إمبراطورية المارينز، وكان واضحاً منذ بداية ظهور هذه الإمبراطورية الأحدث أنها تحمل بذور فنائها في ذاتها لمجموعة من العوامل والأسباب أهمها أن زمن الإمبراطوريات قد ولّى ولن يعود تحت أي شكل من الأشكال، وأن الزمن الراهن بمتغيراته وثقافاته يجعل من الصعوبة بمكان على الدول العظمى أن تحلم بفسحة من الوقت ولو قصيرة تجرب معها فرض وجودها كإمبراطورية على عالم متغير تربطه كل هذه الشبكات من آليات التواصل والتوصيل ويتحكم فيه شعور عام بأهمية الحرية ومعنى السيادة وتأصل فكرة المقاومة، إضافة إلى وجود استهجان عالمي لأساليب الغزو والاحتلال تحت أي شعار أو ذريعة الخليج الإماراتية