يُخيّم السكون في منتصف النهار على قرية "بهنموه" التي اختارها أحدث تقرير لصندوق حكومي للتنمية أفقر قرية في مصر. لا سيارات تتحرك ولا سلع يتبادلها الناس الذين جلس بعضهم أمام بيوت من الطوب اللبن المتهالك. واعتبرت خريطة الفقر التي نشرها الصندوق الاجتماعي للتنمية في وقت سابق هذا العام "بهنموه" التي يسكنها آلاف المصريين أفقر قرية في البلاد لتفشي البطالة فيها وانخفاض نسبة التعليم وإصابة كثيرين من سكانها بالأمراض واعتماد دخول أغلبهم على العمل اليدوي الموسمي في مجال الزراعة وتراكم الديون الحكومية على كثيرين منهم. وليس بين سكان "بهنموه" من يعمل قاضياً أو ضابط شرطة أو ضابط جيش أو طبيباً أو مهندساً أو مدرساً جامعياً. وليس في القرية التي تبعد نحو 135 كيلومتراً جنوبي القاهرة طبيب مقيم أو سيارة إسعاف أو سيارة إطفاء. ويعيش نحو 25 مليوناً من سكان مصر تحت خط الفقر،واختيرت "بهنموه" التي يصعب مرور سيارة في بعض أزقتها المتربة وخمس قرى تجاورها أو قريبة منها في 2006 ضمن مشروع لتطوير القرى الأكثر فقراً تبناه جمال مبارك العضو القيادي في الحزب الوطني الديمقراطي الذي حكم مصر قبل ثورة 2011 التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك والد جمال. وأثمر مشروع التطوير مدرسة ابتدائية وأخرى إعدادية ووحدة صحية وصرفاً صحياً ومبنى سكنياً في "بهنموه". لكن المدرسة الإعدادية في القرية تقبل أيضا تلاميذ يتمون تعليمهم في المدرسة الابتدائية بقرية "منهرة" المجاورة التي يصل عدد سكانها إلى نحو سبعة آلاف نسمة. واختيرت بهنموه وخمس قرى تجاورها أو قريبة منها في 2006 ضمن مشروع لتطوير القرى الأكثر فقر. وقال سعد أحمد الذي يعمل موجها بوزارة التربية والتعليم وهو أحد نحو عشرة موظفين حكوميين من سكان بهنموه "بعد رحيل مبارك لا شيء تحقق. لا يوجد أي مشروع تنمية ممكن يوفر وظيفة لأحد من العاطلين. دخول الناس هنا بسيطة لأنّها موسمية ومعظمهم يعتمدون على العمل في الأرض الزراعية ومساحتها محدودة". وتزيد مساحة الأرض الزراعية في "بهنموه" على 300 فدان تملك أسرة واحدة نسبة كبيرة منها وتتقاسم باقي الأسر ملكية حقول صغيرة المساحة في حين لا تمتلك بعض الأسر أي حقول. وقال أحمد "لا يوجد سوى مخبز واحد يحصل على كمية لا تكفي من الطحين الذي تدعم الحكومة سعره. الفرد قد لا يحصل على ثلاثة أرغفة صغيرة في اليوم لا تسد جوعه. ومن وقت ثورة يناير لا يوجد نواب في البرلمان عن الدائرة يلجأ إليهم الناس". فيما أضاف أحمد يحيى (32 عاماً) وهو متزوج وله طفلان "نريد من الرئيس القادم (اللي هو السيسي) ينظر للصعيد والتدهور الحاصل فيه". وأضاف "المياه التي نشربها ملوثة وأصابت ناس كثيرة في "بهنموه" بالفشل الكلوي. عندنا عدداً كبيراً من السكان مصابون بالتهاب الكبد الوبائي". وقال أحمد سعد الذي حصل هو الآخر على شهادة جامعية لكن يعمل في أرض زراعية تملكها أسرته "حتى البريد نذهب بأنفسنا لنحضره من "إهناسيا"، وهي مدينة قريبة من القرية التي لا يوجد بها مكتب بريد. كثيرون من سكان "بهنموه" مدينون لبنك التنمية والائتمان الزراعي بجانب فقرهم. قال يحيى "اضطر فلاحون كثيرون للاقتراض بفوائد عالية من البنك بسبب ارتفاع تكاليف زراعة المحاصيل واحتياجهم للإنفاق على أسرهم ولما فشلوا تراكمت عليهم الديون". وقال عبد المجيد عبد العليم وهو فلاح يلاقي نفس المعاناة "كلنا نخشى المشكلات تستمر بعد انتخاب الرئيس".