خطوة واحدة فركت عيوني وأنا أعيشها واقعاً ملموساً، نفضتني، نفضت الركام داخلي، وطردت الخوف وحسابات التوازن التي اعتدنا عليها عمرنا كله، هي ثورة 25 يناير 2011 ، كنت أراها تكبر يوماً وراء يوم على الفيس بوك.. ألف، فخمسة آلاف، فعشرة حتى وصلت أكثر من سبعين ألفاً، رغم أن المفترض أن يتم ترجمة هذه الأرقام إلى بشر في شوارع مصر ، لم أكن أتوقع خروج هذه الأعداد. كنت أحاضر في نخبة الأردن بمنتدى الدستور يوم 22 يناير، وسألوني عن المظاهرات المرتقبة، لم أشأ أن أتكلم كلاماً كبيراً، إنما سقت للحاضرين ذكريات أليمة عن مظاهرات مدجنة في مصر قادتها النخبة المصرية بترتيب مع أمن الدولة!! قصصت على الحاضرين تجربتي مع مظاهرات الغضب المنددة بالغزو الأمريكي المرتقب للعراق، توجهنا وقتها إلى قبالة جامعة القاهرة بجوار تمثال نهضة مصر، وجدت رموز الحركة الوطنية يتفرقون خلف كاميرات الفضائيات، ولما بدا أن الطلاب خارجون من داخل الجامعة بدأت قوات الأمن في ضرب قنابل الغاز والدخان، عندها التفت فلم أجد أحداً من الرموز، ومن ثم مضيت. وفي اليوم التالي تقريباً كنت أتوجه بسيارتي في شارع عبد الخالق ثروت فوجدت ضابطاً كبيراً من ضباط أمن الدولة يقف بجوار محل السلاح الشهير، فاستوقفني وسألني لماذا لم تذهب مع الأخوة في ميدان التحرير؟ وأكمل كلامه قائلاً: "ماتفوتكش اللقطة"، الحكاية مترتبة كويس معانا متخافش!! خابت ظنوني أو صدقت حسبما تمنيت، قمت من نومي ظهر الخامس والعشرين من يناير 2011 اتصلت بصديقي سمير عمر مراسل قناة الجزيرة بالقاهرة سألته: إيه الأخبار يا سمير؟ الحكاية تستاهل ولّا أكمل نومي؟ صاح صديقي: "انزل بسرعة.. مصر تولد من جديد.. يوجد نحو خمسة آلاف متظاهر!". بين الخامس والعشرين والثامن والعشرين عشت أياماً جميلة لم تزل راكزة في الذهن والضمير، استمتعت برؤية الشباب يقاومون يكافحون يملأون الدنيا ثورة وشموخاً وإباء، خلَّصونا من التوازنات والحسابات، بعدها برز أصدقاؤنا إياهم. النخبة !! أسرعوا للقاء عمر سليمان يفاوضونه!! كلمونا عن لجان للحكماء !! طالبونا أن نخلي الميدان!! أطلوا برؤوسهم الشاحبة وقلوبهم الخاوية يطلبون العودة لسياسات التهادن والتوازن وحسابات النص النص؛ لأننا ورثنا الاستبداد كابراً عن كابر. الآن يكلموننا عن الرئيس التوافقي، عن موظف بدرجة رئيس يقبل بالتعليمات من هنا أو هناك، من كوبري القبة أو المقطم، يقنعوننا برئيس التوافق، صرت أكره هذه الكلمة كراهيتي للمنافقين والمستبدين وفراعنة الحكم.. رئيس التوافق أكذوبة. نريد زعيماً يولد من رحم المعاناة، نريد رئيساً يعالج الأزمات حسبما نمر بها، قد لا يكون عبد الناصر ولا السادات، لكننا نريده بالانتخاب.