لم يعد تبجيل المعلم وتقديره، سمةً المدارس المصرية التى ملأت جدرانها كلمات الشاعر أحمد شوقى "قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا ... كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا "، وبعدما أقرت وزارة التربية والتعليم منذ أعوامٍ قليلة، منع "الضرب" فى المدارس، أصبح "إهانة" المعلم وتعنيفه، هو البديل لاحترامه وتبجيله، وانعكست الآية حتى أصبح شعار عدد كبير من المدارس "إهانة المعلم". وشهدت محافظة المنيا، منذ بداية إبريل الجارى، عددا من حالات تعدى الطلاب على المدرسين، أسفرت إحداها عن مقتل مدرس على يد طالب وشقيقه، والآخر يرقد بالعناية المركزة نتيجة اعتداء ولى أمر طالب عليه، وكأن الأمر أصبح ظاهرة مخيفة ودلالة جديدة على الانفلات الأخلاقى وعدم تطبيق أى قوانين داخل المدارس. وقُتل "أشرف أ ح"، مدرس لغة إنجليزية بمدرسة مرزوق الإعدادية بمركز مطاى، فى الأول من الشهر الجارى، بعد إصابته بطلق نارى عقب خروجه من المدرسة، على يد طالب بالصف الثانى الإعدادى "15 سنة" بنفس المدرسة، وشقيقه "16 سنة فلاح"، بسبب توجيه المدرس اللوم إلى الطالب فى اليوم السابق للحادث، نُقل على إثرها إلى مستشفى المنيا الجامعى ودخل غرفة العناية المركزة، ودخل فى غيبوبة لمدة أسبوع بعد استقرار المقذوف النارى بالمخ، الذى تهتكت أجزاء منه ولقى مصرعه، وتمكنت أجهزة البحث من ضبط المتهمين، وتم تحريز فرد الخرطوش المستخدم فى الواقعة. ولقى طالب بالثانوى الزراعى بمدينة ملوى مصرعه السبت 11 إبريل، بعد أن وجه له أحد زملائه طعنة قاتلة تسببت فى وفاته خلال مشاجرة بين الطلاب داخل المدرسة، حيث وصل "محروس أ م" 17 سنة، طالب بالصف الثانى الثانوى الزراعى، ومقيم بقرية الشيخ حسين بمركز ملوى جثة هامدة، متأثرا بنزيف حاد وهبوط بالدورة الدموية، إثر تلقيه طعنة نافذة أعلى أحد الفخذين، وأشارت التحريات الأولية لقطاع البحث الجنائى لوقوع مشاجرة بين الضحية وأحد أقرانه من قرية الشيخ عبادة داخل المدرسة قام أحد الطلبة على إثرها بطعنه طعنة قاتلة نقل على إثرها إلى المستشفى وفارق الحياة . وفى الرابع من الشهر الجارى، تعدّت والدة طالب بالصف الرابع الابتدائى، بمدرسة الناصرية الابتدائية بأبوهلال التابعة لقسم المنيا، على إحدى المدرسات داخل المدرسة، وذلك بعد توجهها إلى المدرسة مستفسرة عن سبب جلوس نجلها فى الصفوف الأخيرة بالفصل، وطلبت منها إدارة المدرسة الانتظار لحين كشف أسباب ذلك، وإذا بها تندفع إلى الدور العلوى بالمدرسة وتدخل الفصل وتأخذ نجلها وتضعه فى الصفوف الأمامية بالفصل، وسط وابل من الشتائم والألفاظ، وأثناء تحدث المدرسة معها، اعتدت عليها بالضرب. وأُصيب "م س ع"، 42 سنة، مدرس بمدرسة المنيا الإعدادية، فى الثامن من الشهر الحالى، باشتباه ما بعد الارتجاج فى المخ، إثر تعدى ولى أمر طالب عليه، بعد محاولة منع نجله من العبث بصاعق كهربائى داخل الفصل، وبإخطار مدير المدرسة بالواقعة، استدعى ولى أمر الطالب والذى اتهم المدرس المصاب بالتعدى على نجله، وعقب انتهاء اليوم الدراسى وأثناء خروج المدرس من المدرسة، قام ولى أمر الطالب بالتعدى عليه وإحداث إصابته. وأعلن فخرى أبو الحسن "محامى"، رفضه التام لما يحدث من أولياء الأمور والطلاب إزاء المدرسين، وطالب خالد عمر "مدرس"، وزير التربية والتعليم، بحماية المدرس بعد أن تم منع الضرب داخلها، ويدين أشرف خيرى، مهندس ونائب رئيس مجلس أمناء مدرسة المنيا الإعدادية بنين، الاعتداءات السافرة – حسب وصفه – من قبل الطلاب وأولياء الأمور على المعلمين الواجب احترامهم وتقديرهم لضمان نجاح العملية التعليمية. وأرجعت الدكتورة عايدة هانم، أستاذ علم الاجتماع بكلية الآداب جامعة المنيا، ظاهرة الاعتداء على المدرسين، إلى ضعف الرقابة الأسرية وافتقاد القدوة والمثل الأعلى داخل الأسرة، وانشغال الأب بالظروف الحياتية، مع ضعف دور الأسرة فى التنشئة الاجتماعية . ويرى محمد مدحت، وكيل وزارة التربية والتعليم بالمنيا، أن ما يحدث هو مؤشر خطير لانخفاض المستوى الأخلاقى فى المجتمع بشكل عام، والمدرسة كنسخة مصغرة للمجتمع الكبير والتى تعتبر مؤسسة تربوية فى المقام الأول قبل أن تكون تعليمية، معلنًا أنه سيقوم بعقد لقاء مع البرلمانات المدرسية بجميع الإدارات ومجالس الأمناء ونخبة من المعلمين، لوضع مقترحات للحد من ظاهرة العنف بالمدارس. ومع مؤشرات بدء الظاهرة، وفى محاولة لإفاقة "الغيبوبة المجتمعية" فى كل شىء، ندق ناقوس الخطر الذى امتلأ الحديث عنه، أن فساد التعليم، يعنى فساد المجتمع، ويجب على وزارة التربية والتعليم أن تقر إجراءات ولوائح جديدة، للوقوف أمام الظاهرة وتحجيمها قبل فوات الآوان.