حلمت ولو مرة واحدة أن يكون للعرب أصدقاء بدون مصلحة فخاب أملي طويلا .. ترى ماذا يساوي العرب بدون وجود نفط على سبيل المثال؟ وما نظرة أصدقاء اليوم إلى العام الذي ينتهي فيه النفط ويصبح باطن الأرض بدون خزينها النفطي وغيره من الخامات. حاولت كثيرا التفتيش عن صديق للعرب فما وجدت غير الرهان على مصلحة أساسها الموقع أو المخزون الأرضي. لكن المشكلة أن من تهواه الولاياتالمتحدة لهذه المصلحة أو تلك تدلله إلى الحين الذي تنهي فيها عصر احتياجها، ثم تلفظه. لم أفهم معنى "أصدقاء سوريا" إلا من خلال اللفيف حوله. أكثر من ثمانين دولة تتزعمهم الولاياتالمتحدة تحولوا إلى "صداقة مجانية"، مارسوا قبلها المقاييس ذاتها مع ليبيا إذا بهم جنود كاسرة نتفت ليبيا ومزقتها وأكل كل من جبنتها الدسمة لترمى بعدها عظمة. نحب الصداقة القائمة على الفروسية وعلى الإيثار .. الصداقة بين الأفراد ليست ناجحة بمقاييس المطلوب من مفاهيمها الحقيقية، فكيف هي بين الدول التي لا يؤمن لها أن صادقت أو اتخذت العداوة. كنا دائما نتلهى بمفهوم الصداقة على أساس أن "صديقك من صدقك لا من صدَّقك"، فهل يرتب أصدقاء سوريا المعلنون في اللائحة التي ستجتمع غدا باعتبارهم من مهتمي أمور سوريا التي يلف الحزن وجهها وترى في الصداقة الحقيقية من يعين على إنهاء أزمتها لا من يصب الزيت فوق النار. لم أعثر على أصدقاء إلا في قراءاتي حتى بات الكتاب هو الصديق كما يقول أحمد شوقي "أنا من بدل بالكتب الصحابا/ لم أجد لي وافيا إلا الكتاب". أفل نجم الصداقة ولم يبق منها سوى تلك الدعوة القائلة "اللهم احمني من أصدقائي، أما أعدائي فأنا كفيل بهم". هو الواقع الذي يسجل أعلى درجات التفسير لمفهوم نطل عليه اليوم من باب الانتماء لواقع بلد يريدون "صداقته" بالقوة، أو يفرضونه عليه فرضا .. ما أخشن الحال حين يراد "الصداقة" من جانب واحد وهي ليست مكرسة لوطن وبلد بقدر ما تحمي مصالح خصومه، أو تلك التي من وراء المتراس. إنه فعل الأعاجيب في زمن المزج بين المحبة بالقوة والمحبة بالإكراه. يحتاج السوريون في ظروفهم الحالية إلى الكثير من الأصدقاء والإعانات الخالية من أي موقف مسبق. كما يحتاجون إلى ضمير بتأمل في معاركهم المصيرية التي تلتهب من أجل أن يظل لهم وطن بمقياس قامتهم الموحدة. من المؤسف أن تصبح الصداقة دعامة لتاريخ مسروق من حقائقه.