من المتفق عليه، أن البلدان التي تعرف ثورات في تاريخها لا بد ان تدفع في البدء ضريبة ذلك فيغيب النظام و ينهك الاقتصاد و تظهر طبقة متبرجزة، ثرية ثراء فاحشا و غير مشروع وطبقة اجتماعية مفقرة و مهمشة و بروز حركات سياسية جديدة و اشكال شتى من المحامل الثقافية و الخلايا النائمة ...وهذا هو حال البلدان العربية التي ثارت شعوبها ضد الديكتاتوريات و رفضت زمن المركز و حكم الحزب الواحد. الهدف واحد لكل هذه الثورات وهواسقاط الدكتاتوريات و القطع النهائي مع الماضي، مع الاتوقراطية (الرئاسة مدى الحياة) ،اقصاء الجهاز الاعلامي القمعي الذي يمارس الدعاية للحزب الحاكم في مواجهة المجتمع المدني ووضع حد لنهب خيرات البلدان من قبل النخبة الحاكمة ...والعمل على جعل الامن امنا جمهوريا يحفظ مصلحة البلاد و العباد لا امنا رئاسويا...و لئن كان الهدف واحدا، فان الوسائل الموصلة الى تأسيس الديمقراطية اختلفت من بلد الى اخر . لكن اجمالا فقد سنت هذه البلدان دساتير توافقية بعيدا على استمرار المحافظة على نزعة الاحتكار الاعمى للسلطة مع وجوب الاستعانة بجهود قوى المعارضة الاصلاحية ومشاركة الحركة الاسلامية المعتدلة .و لئن بدا واضحا توحد الرؤى و المقاصد لثورتي تونس و مصر واختلاف التوجه لإرساء دولة ديمقراطية مدنية ،فان شريان الامل لدى الشعب المصري لن ينقطع ،فإرادة هذا الشعب لن تقهر وسيقف ضد كل ممارسات التطرف ،ممارسات المفلسين فكريا و لن تخرج من دستور مصر نسخة متخلفة عن كل الدساتير ترتد بالشعب المصري الى الوراء و تطمس كل معالم الحضارة و التقدم لمصر كما يريد هؤلاء . إن الشعب المصري الذي رفض الدكتاتورية و قام بثورته ضد الحكم الاستبدادي وخبر فترة حكم مرسي و اكتشف ظاهرها و باطنها ، سيقف بالمرصاد لكل دكتاتورية ناشئة جديدة و سيقتلع الارهاب من جذوره و اصوله. ان الشعب المصري واع تمام الوعي بمصيره فلن ينطلي عليه مكر الماكرين و لا اصولية الاصوليين بل هو ماض في نحت الديمقراطية المزكاة بدماء شهداء الوطن، شهداء الحرية و الكرامة. ان جماعة ال2خوان مدعوة اليوم و اكثر من اي وقت مضى الى الالتحاق بإرادة الشعب المصري والسير ضمن قافلته وهي مدعوة الى ان تكون اكثر وسطية واعتدالا وان تساهم من موقعها في ان استتباب الامن وبث الطمأنينة لدى الشعب في كل شبر من ارض مصر،و تعين على قطع اذرع الارهاب واستئصال التطرف الفكري بنشر ثقافة التسامح و التحابب و رفض الافكار المنادية بالتكفير و التحجير و رفض الاخر. ان شعب مصر لا وصاية عليه لا من الداخل ولا من الخارج فهو سيد نفسه و كفيل بتقدير مصلحته من عدمها . و رسالته واضحة ،فمستقبلا لن تكفٌن الديمقراطية بلحاف الارهاب والإرهابيين و لن تو1د الحرية بأسلحة المأجورين و المتاجرين بالدين ولن تكمم الافواه المنادية بالكرامة بأيدي عصابات التكفيريين الملطخة ايديهم بدماء المصريين. ان التفاف الشعب المصري حول المؤسسة العسكرية ليس نتاجا جديدا فمنذ عهد الراحل جمال عبد الناصر الذي عرفت في عهده مصر اوج عظمتها و قوتها على جميع المستويات ،زد على ذلك ففي ذلك العهد بني الكيان العربي الموحد و نشأت قوة عربية موحدة كادت 1ن تقضي على الكيان الاسرائيلي لولا تدخل الحلفاء لقلب موازين القوى. انه من الوهم ان تطمس هذه الحقبة التاريخية المشعة في تاريخ مصر والعالم العربي،الى حين قيام الثورة المصرية في 25 جانفي 2011 فقد تداول على مصر قيادات مدنية ذات مرجعية عسكرية .فلا سبيل للمزايدة او للتقديرات الغير مسؤولة اذ التف الشعب المصري من جديد حول السيسي و عرض عليها امانة كبرى وهي قيادة الوطن خاصة بعد ان تبين له انه الوحيد القادر في هذه المرحلة الفارقة من تاريخ مصر على الوصول بمصر الى شاطىء الامان و المؤتمن على شعب مصر و تطبيق شعارات الثورة المصرية. فهل يتعاطف مرسي مع شعبه ويخلع عنه الزي العسكري و يرتدي بدلة مدنية و يتسلح بثقافة مدنية و يستجيب لإرادة ألجماهير فتسترجع الدولة هيبتها و تعود للقانون استقلاليته و يحظى الفرد بمواطنته ويمنع اي حزب واحد او مجموعة بمفردها من احتقار الحقيقة السياسية( اي طي صفحة حكم الفرد الواحد) و يوضع حدا لزمن الحزب الرئاسي المهيمن و يقاضى السجين السياسي على افعاله وليس على افكاره و يصبح المجتمع المدني والمعارضة جزءا من الحل لا جزءا من المشكل . فتتعافى السياسة من ركودها او موتها و تتخلص من ازمتها السياسية و الايديولوجية و الثقافية العميقة .