بينما يُثبت النظام السوري قدرته على المناورة بشكل يزعج المناوئين له، لم يفلح حلف المعارضين وبوارجهم الإعلامية في إقناع العالم بوجود شارع عام في سوريا يتبنى الثورة ويدعمها. نعم، قد ينجح المسعي نحو تدويل الملف السوري دبلوماسياً، ولكنه، كما يبدو يسير نحو الفشل في محاولة عسكرة التدويل. بيد أن التدويل الدبلوماسي، سيحقق، بلا شك، إصابات بالغة نسبياً لسوريا، ولكنها رغم ذلك، باستمرارها في الحياة سترفع من أسهم وقوة حلف الممانعة في المنطقة، وهو الأمر الذي حاول أعداء سورية عدم الوقوع فيه. يعرف العالم، لاسيما قادة الدول العربية، وكل من تعامل معهم، قدرة النظام في دمشق على المناورة، فبعد استنفاده الوقت في السجال حول تفاصيل بروتوكول الجامعة العربية والتوقيع عليها، حيث لعب قبلها على محاولات اختراق المعارضة في الداخل والخارج، وقد نجح في بعضها وفشل في أخرى، واستقبل الدفعات الأولى من المراقبين العرب مع سحب الجيش من المدن الرئيسية، بعدها أبدى مرونته تجاه عملهم، بل وأفسح المجال للإعلام الخارجي باستثناء قناتي الجزيرة والعربية وقناة الفرنسية24. أثارت هذه القدرة المناوئين وأزعجتهم، لأن بقاء النظام أمسى أمراً محسوماً حتى اللحظة. البوارج الإعلامية المسخَّرة للمعارضة السورية لم تفلح في إقناع المحافل الدولية بوجود شارع سوري عام ضد النظام . الفرق بين الربيع التونسي والمصري والليبي من جهة والربيع السوري من جهة أخرى يكمن في حجم «الشارع المتحرك» أو «شارع الثورة»، فلا يمكن القول بتطابق الصورتين. نعم هناك شارع عام في مصر هز الأرض من تحت هيكل النظام السابق وأعوانه. كذلك الحال في تونس، ولولا خطة التدويل لم ينجح الشارع المتحرك في المدن الليبية من إسقاط القذافي بمعول حلف الناتو. أما في سوريا فلا يوجد شارع عام متحرك ضد النظام بالمعنى الحرفي للكلمة. نعم هناك شارع متحرك في حمص لا يمكن نكرانه، وهناك شارع متحرك في درعا متوقف عن الحركة الفعلية منذ أن سيطر النظام على درعا التي انطلقت منها شرارة الانتفاضة السورية كما يحب أن يسمي الرئيس السوري بشار الأسد حراك الشارع. تمكن النظام من السيطرة على الشارع في حماة أيضاً. لذا يبقى الشارع في مدينة حمص فقط. لم اعتمد في توصيف حراك الشارع السوري على الإعلام المناوئ أو الموالي للنظام، لأنهما مصدران غير محايدين، وإنما على مجموعة تقارير لمسافرين غير سوريين إلى المدن السورية من دمشق إلى حلب واللاذقية وحماة وحمص ودرعا وادلب. وهكذا فشلت المعارضة السورية في كسب الأوراق اللازمة والمهمة لتدويل وعسكرة الحل في سوريا. فلا الشارع العام يتحرك عندهم، ولا مصداقية في قدرتهم على تحريك شوارع المدن كما وعدوا خلال يومي الجمعة السابق والأسبق، ولا قدرة عندهم على لملمة صفوف المعارضة في الداخل والخارج، وإنما على العكس من ذلك، اكتشفوا اختراقات في صفوفهم من قبل النظام. بإرادة المعارضة وبعض حلفائها العرب والأجانب سيحصل بعض التدويل الدبلوماسي والسياسي ويراد منه الحصول على مكاسب تُضعف من قوة النظام الإقليمية، حيث ان التدويل العسكري أصبح غير وارد. لذا فإن المثير اليوم هو أن بقاء النظام السوري له معان لا تقل في خطورتها عن زواله، لأن في بقائه أو سقوطه تغييراً كليا على مستوى المنطقة. ومن معانيه: رؤية سورية جديدة للتعامل مع ملفات المنطقة في المرحلة المقبلة، وبحضور أقوى في حلف الممانعة والمقاومة الذي سيتعزز وجوده، خاصة مع الدخول الواضح فيه لطرف سيكون له دور قادم في المنطقة وهو العراق، لأن النظام السوري، هنا، لا يخرج من نفق أزمة كبيرة، بل يولد النظام من جديد حيث يخرج من زلزال كاد أن يغير الوجه السياسي للمنطقة. ---------------------------------- عن صحيفة " الدار" الكويتية