فور أن تنزل الي مطار دمشق الدولي في العاصمة السورية تفاجئك صور عديدة للرئيس بشار الاسد ببنطلون جينز, وبيادة عسكرية سوداء, وهو يزرع شتلة خضراء. إنها نفس البيادة العسكرية تقريبا التي تواجه المتظاهرين في حمص وأدلب ودرعا ومناطق أخري في سوريا , وتلك هي المشكلة فالبيادة كما علمنا الفلاح المصري لاتصلح للزراعة, وهي بالتأكيد لاتصلح للسياسة أيضا. والأحداث المشتعلة في سوريا يجب ان تواجه بحلول سياسية كتعديل الدستور الذي تقول مادته الثانية إن حزب البعث هو الحزب الوحيد الذي يقود البلاد, وكذلك الانتقال بالبلاد الي حياة ديمقراطية حقيقية فيها برلمان منتخب وصحافة حرة وقضاء مستقل. هذه الحقيقة التي تظهر حاليا لمن يقترب من الملف السوري أو يري الاحداث علي الارض, تبدو حلا سحريا للاوضاع المتفجرة وتحقن دماء السوريين. لكن المراقب للاحداث وتصريحات المسئولين سرعان ما يكتشف أن الأمر ليس بهذه البساطة, في وطن علي حافة الاشتعال. لانك ستكتشف سريعا أنه لا احد يريد ان يطفئ النار, فمن يملك القوة علي الارض يزيد النار ضراما.. بالاستخدام المفرط لهذه القوة فهو لايريد لهذه الحلول أن تري النور لانها قد تودي به خلف القضبان, أما من يملك العزم والنية علي الاصلاح السياسي فليست لديه القدرة علي تنفيذ ما يريد علي الارض وتلك هي المعضلة. في نظام تحكم فيه الاجهزة الامنية قبضتها علي كل شيء بدءا من الصحافة, ثلاث صحف حكومية( الثورة تشرين) وصحيفة واحدة مستقلة لكنها موالية للنظام( الوطن), مرورا بالقنوات التليفزيونية, ولكنها تابعة للنظام باستثناء قناة واحدة مستقلة( الدنيا) وهي تابعة لراي مخلوف ابن خالة الرئيس بشار, وانتهاء برجل الشارع الذي لايستطيع ان يتكلم في السياسة ناهيك عن ان ينتقد النظام. القبضة الأمنية: القبضة الأمنية محكمة تماما, وهي تحاول ان تستفيد مما جري في مصر وتونس وليبيا. ولكنها ترتكب نفس الأخطاء الكبري التي ادت الي سقوط هذه الانظمة. فقد نجحت حتي الآن في منع إقامة منطقة عازلة في ادلب علي الحدود التركية تكون قاعدة لمقاومة النظام كما حدث في بنغازي بليبيا. كما أنها نجحت حتي هذه اللحظة في منع المتظاهرين من الوصول الي أي من الميادين الكبري.. حتي لايصبح هناك ميدان تحرير آخر.. فدمشق تبدو هادئة تماما, لايوجد بها اثر لمظاهرات أو إضرابات مناوئة للنظام, كما أن حركة التجارة والعربات وكل وسائل الحياة تسير بشكل عادي. وبرغم ذلك فالاجهزة الامنية تراقب جيدا, كل الميادين هناك مثل ميدان الساحة الأموية والساحة العباسية وهما أكبر الساحات كما تراقب الساحات الاصغر كساحة الشهبندر والسبع بحرات وباب مصلي وساحة المحافظة وباب توما.. الخ ولايمكن ان تخرج أي مظاهرة إلا إذا كانت مؤيدة للنظام.. مما جعل النظام يبدو متماسكا بشكل كبير في الداخل والاوضاع علي الارض مازالت في صالحه. كم من الوقت يستطيع النظام ان يحافظ علي الوضع هكذا. هذا هو السؤال الذي يقودنا الي الخطأ الكبير الذي يرتكبه النظام في تعامله السياسي الضعيف مع الاحداث الجسام التي تمر بها سوريا, مما قد يظهر معه ان الحل العسكري هو الأصل بينما تبدو الحلول السياسية كنوع من المسكنات أو الاجراءات الشكلية لاكتساب الوقت ليس إلا. يتضح ذلك من خلال تصريحات المسئولين السوريين الذين يعزفون لحنا واحدا. لكنه متغير النغمات يكشف علي ان من يمسك بخيوط اللعبة داخل سوريا غير من يتصدرون المشهد. فالمؤامرة الدولية كانت أبرز ما جاء في حديث دكتور نجاح العطار نائب رئيس الجمهورية, هذه المؤامرة التي قالت إن دولا عربية تشارك فيها ورددت القول من بيت ابي اقرب مشيرة الي ان الجامعة العربية ضليعة في هذه المؤامرة, كان ذلك قبل قبول المبادرة العربية والتوقيع عليها من الجانب السوري وان بعض الحكام العرب يسيرون في الطريق الذي رسمته لهم الدول الاستعمارية. وأشارت نائب الرئيس التي إلتقيناها في القصر الذي كان ينزل به الرئيس عبدالناصر إلي ان المعارضة لاتريد الاصلاح وأنهم فقط يريدون اسقاط النظام لمصلحة الفتنة والعصابات المسلحة التي تتفق مع الاستعمار وتفسيرها لكل ذلك ان سوريا نظام مقاوم لم يتخل عن فكرة العروبة وثوابت الأمة منذ بدايات القرن الماضي لذا يجب تركيعه الدستور الجديد لن تكون به مواد لايريدها الناس. هكذا أضافت في إشارة الي المادة الثامنة التي تجعل حزب البعث هوالوحيد الذي يحكم, كما ان قانون الاحزاب سيعدل, ولم تنس ان تقول ان قيام المعارضة يعقد مؤتمرات في فرنسا والسويد وتركيا وبلجيكا دليل علي حجم التمويل الضخم الذي تتلقاه من بعض الدول. إصلاحات ولكن: رفع حالة الطوارئ وإقرار قانون حق التظاهر السلمي وقانون جديد للاحزاب وتكليف لجنة بكتابة دستور جديد.. كل ذلك قامت به القيادة السورية استجابة لمطالب الحراك الاجتماعي.. هكذا بدأ وزير الاعلام السوري د. عدنان محمود كلامه لكنه سريعا ما عاد الي النغمة المتفق عليها قائلا: إن الأشهر التي تلت عملية الحراك تم استغلالها من قبل مجموعات مسلحة كغطاء لقتل وترويع الشعب السوري. ولأنه وزير اعلام فكان من الطبيعي ان يشكك في المظاهرات التي تظهر في الفضائيات واصفا إياها بالمحدودة, وان المشاركين فيها بضعة آلاف يتم تصويرهم لمدة دقائق ثم تنقضي المظاهرة ولكنها تظل علي قناة الجزيرة طوال اليوم. ربما كان رجال وزارة الخارجية هم الاقدر علي توصيف الوضع الداخلي والخارجي ايضا لتشعب علاقاتهم بالاجهزة والقيادات المختلفة بالدولة ولكن هذا ايضا يمنحهم مساحة اكبر للهروب من الاسئلة الحرجة الي مسارات واحداث دولية فالبطء في اتخاذ اجراءات سياسية تهدئ الشارع السوري أرجعه نائب وزير الخارجية فيصل المقداد الذي وقع الوثيقة أخيرا في القاهرة الي الاحداث الدولية التي مرت بالمنطقة, ففكرة التغيير علي حد قوله ظهرت للنور عام0002 ولكن غزو العراق ومقتل الحريري وحرب لبنان, عوامل اعاقت هذا التغيير.. وعلي العموم لقد بدأنا باصلاحات عديدة مثل قوانين الاحزاب والانتخابات والصحافة والدستور الجديد. ثم أن الرجل دخل منطقة شائكة حين قال إن قيادات حزب البعث لن تعود لانها مسئولة عن ممارسات الفساد, وأنها لم تحافظ علي صمام الأمان للحزب بعد ان فقد مزاياه منذ دخل السلطة عام.3691 مشيرا الي ان تداول السلطة هو الحقيقة وصندوق الانتخابات سيقول من الذي يحكم, لانه عندما يتم تعديل الدستور سيتم تعديل كل شيء, وتداول السلطة سيشمل الجميع والحزب الذي سيفوز سيقود الوطن, والرئيس الذي ينجح هو الذي سيحكم. المعارضة السورية: المعارضة السورية اطياف عديدة..هناك معارضة داخلية معترف بها من الدولة ومعارضة غير معترف بها ومعارضة خارجية مرفوضة من أغلب المعارضة الداخلية ومن النظام ايضا لرفضهم جميعا التدخل الاجنبي علي غرار ما حدث في ليبيا ومن المعارضة المعترف بها المجلس المركزي للجبهة الشعبية للتغيير والذي يضم ثلاثة احزاب, منها الحزب القومي الاجتماعي السوري وحزب الارادة والحزب الشيوعي ويري اعضاء هذه الجبهة ان الخروج من الازمة السورية يحتاج حكومة وحدة وطنية ذات صلاحيات واسعة تكون مهمتها الاساسية تعبئة قوي المجتمع النظيفة. في المولاة والمعارضة والحركة الشعبية للدفاع عن الوطن ضد كل من يتآمر عليه سواء كان مختبئا في النظام أو يعلن جهارا ارتباطه بالخارج. وطبقا لهذا المنطق يقول الدكتور قدري سعيد رئيس الحزب الشيوعي والمتحدث باسم الجبهة الشعبية اننا نطالب بتغيير جذري شامل سياسي واقتصادي لكننا ضد التدخل الأجنبي لأنه لايحل الأمور ولكنه يعقدها. هناك استحقاقات يجب مواجهتها عن طريق تغيير البيئة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وذلك عن طريق الشعب السوري. ولم ينف الرجل وجود مؤامرة لكنه قال مؤامرة أم لا.. السؤال الأهم.. لماذا تنجح المؤامرة؟ وهي تنجح حتي الآن لأن البنية ضعيفة والثغرات كبيرة ماحدث في مصر وتونس هو دافع الرجل لعدم إسقاط النظام, فما تم في هذين البلدين اسقاط رأس النظام مع بقاء النظام كما هو علي حد قول دكتور قدري. والنظام يتغير فعلا عندما يتغير نظام توزيع الثروة, فالنظام الاقتصادي الحالي هو الذي يهين كرامات الناس.. وتهكم الرجل علي معارضة الخارج قائلا إن برهان غليون يعيش في فرنسا منذ04 عاما ولا يعرف شيئا عن سوريا. الوطن في خطر نتيجة الأزمة الداخلية, والمؤامرة الخارجية التي تريد توظيف الأزمة لأغراضها. شباب حزبنا كانوا من أوائل المشاركين في المظاهرات التي خرجت من سوريا, هكذا تحدث الدكتور علي حيدر رئيس الحزب السوري الاجتماعي, مضيفا كانوا يحاولون أن يصححوا مسار الثورة التي انحرفت نحو النزاع المسلح, لكنهم كانوا مظلومين في التغطية الإعلامية, فالنظام يريد أن يقول إنه لاتوجد مظاهرات, ووسائل الإعلام المعارضة الأخري تريد أن توجه المظاهرات في طريق التدويل, فحرم شبابنا من التعبير عن وجهة نظره من الطرفين. عندما كنت شابا كان البرلمان السوري يمثل الشارع وكانت جامعة دمشق تقود مظاهرات الشارع ضد حلف بغداد ومؤمرات إيزنهاور الذي يتكلم الآن هو عادل نعيسة, سجنه؟ الرئيس حافظ الأسد(52 عاما) وهو عضو القيادة القطرية السابق وعضو رئاسة المجلس المركزي. وأستطاعت سوريا في ذلك الوقت وعدد سكانها خمسة ملايين اسقاط كل هذه المؤمرات بالمظاهرات فقط, ولكن عندما حلت بعدها الدبابة مكان الشعب وصلنا إلي الحالة التي لاتزال نعيشها إلي الآن. وأشار إلي أنه قال للرئيس بشار الأسد عليك أن تبحث عمن حول سوريا إلي حطب يابس يمكن لعود كبريت واحد أن يحرقها. مشيرا في نفس الوقت إلي ضرورة الدفاع عن الوحدة الوطنية ضد من يتآمر عليها سواء كان مختبئا في النظام أو يعلن ارتباطه بالخارج. رجل من الميدان ما سبق هو كلام النظام والمعارضة فماذا يقول رجل الشارع الثائر.. وهل ترضيه هذه الحلول.. وإلي متي سيدفع الثمن دم وأرواح شبابه؟ أحد وجهاء مدينة حمص من منطقة باب عمرو والذي طلب عدم ذكر اسمه قال لنا إن مدينته تشبه مصراته أو سرت بعد التحرير أي أنه تم تهديمها تماما وفي كل مكان توجه آثار القصف, فحمص اصبحت مدينة منكوبة بكل ما تعنيه هذه الكلمة. برغم أن المظاهرات سلمية من يقول غير ذلك لايقول الحقيقة.. ولكن نتيجة القهر والقمع أحدث مايسمي بالاحتقان وأصبح هناك ثأر بين بعض العشائر وقوات الأمن فالاعتقالات في حمص تفوق ال01 آلاف يتم إرسالهم إلي أماكن غير لائقة نهائيا, ونحن لانكاد ننام الليل من كثرة القذائف علي الأحياء السكنية, وأنا غيرت المنزل أكثر من مرة فالدبابات تضرب البيوت والأحياء السكنية في باب عمرو والرستق وتلبيسه. المشكلة الآن أن رجال الأمن لا يتم سؤالهم مهما أرتكبوا من جرائم, ولكن يتم سؤاله إذا لم يطلق النار!! وقال إن المظاهرات التي تحدث في حمص يقوم الجيش الحر بحمايتها مشيرا إلي أن طريق الاتصال بين المتظاهرين يكون طريق الفيس بوك أو التليفون المحمول كما أن مظاهرات يوم الجمعة صارت فرضا كالصلاة. وأشار إلي أنه لايوجد مجال للحوار لأن الفساد من أعلي الهرم إلي أدناه.. ولايوجد حل إلا باسقاط النظام. فأول شخص يحتاج إلي إصلاح هو رأس النظام الذي قمع أهل دمشق فلا يتظاهر منهم أحد لأنهم سوف يذهبون إلي سجن لايعرفه أحد, وقد يعود جثة هامدة في أقرب فرصة. وقد يفسر ذلك حدوث المظاهرات في الريف بسبب الوجود الأمني الضعيف. وأوضح أن الشعب كله ضد الطائفية وهو يتعايش تعايشا سلميا لاتعرف فيه العلوي من السفلي. هذا علي الرغم من أن العلويين أقلية نحو51% لكنهم يحصلون علي09% من مناصب الدولة بما يمثل طائفية, علي حين أن السنة37% لايحصلون علي أي مناصب بينما الباقي خليط من الشيعة والمسيحين والدروز. وأضاف أن001% من المسجونين سنة و89% من السجانين علويين ولايوجد حل إلا أن يعترفوا بالمجازر ويتركوا الحكم, في هذه الحالة قد لاتتم محاكمتهم, علي عكس الصورة السابقة يتحدث علي الأحمد أمين غرفة صناعة حمص.. الصورة المعروضة عن حمص لاتطابق الواقع, فحمص تعيش حياة ليست طبيعية001% لكنها تعيش بشكل معقول, المحلات تعمل والشوارع مزدحمة بالسيارات.. هناك دخول للعناصر المسلحة وعند إطلاق النار يهرب الناس لمنازلهم. أطراف الدينة مأزومة وخاصة بعض الأحياء كباب عمرو وتلبيسة, وأقل منهما دير بعلبه أما باقي الأحياء فهناك وجل وخوف أكثر منها حياة غير طبيعية. ومنذ اللحظة الأولي للحراك دخل مسلحون مدينة حمص بالذات, ووقفوا خلف المظاهرات السلمية وقاموا بعمليات إطلاق نار علي الأجهزة الأمنية حتي تكون هناك ردة فعل ويشعلوا الموقف, وأهالي الأحياء لم يتعرفوا علي هؤلاء المسلحين, وحتي الأمن كنا نسمع منه أن هناك أشخاصا غرباء لم يتعرف عليهم, قد يكونون من خارج الحي أو من خارج سوريا. وحمص تتميز بالتوزيع الطائفي الممتاز بين العلويين والسنة والمسيحين ولذلك فهي مدينة وديعة جدا وولادة للمثقفين, ومن هنا تم إستهدافها بشكل خاص, وإن كنا لانستطيع أن ننكر وجود ممارسات خاطئة للأجهزة الأمنية لأن الحدث أكثر من إمكانياتها فهي لم تدرك حجم الحظر وبدأ الدم يسيل.. وهنا مكمن الخطر.. ولمواجهة الطائفية في حمص قال إنه تم عمل لقاء بين وجهاء العشائر القبائل في مدينة حمص لدرء الفتنة الطائفية التي يحاول فريق ثالث غير معروف إشعالها. وتعهدنا بتشكيل مجموعة عمل من الأهالي تكون مسئولة عن أمن الأحياء, وعدم السماح للأفراد والمجموعات المسلحة من الدخول.. وعدم السماح بأي اعمال خطف أو سرقة ممتلكات, وهذه اللجان ستقوم بالتنسيق مع الوحدات العسكرية من أجل إنجاح هذه المهمة, وسوف تقوم بالمساعدة علي تسوية أوضاع المسلحين العشائريين الذين تورطوا مؤخرا في أعمال خارجة عن القانون بدون قصد, وكانت بهدف الدفاع عن النفس, أما المسلح فيتم ملاحقته من قبل الدولة. وقال علي الحمص أنا معارضة تاريخية لا أقبل استدعاء الخارج ولا أقبل أن أرفع علم الاستقلال وإستدعي فرنسا مرة أخري مشيرا إلي أن فاتورة الصمود أقل001 مرة من فاتورة الانهيار فبعد9 شهور هناك قدرة واضحة للنظام علي حشد مسيرات التأييد له, إضافة لقوة الجيش والكادر الإداري والدبلوماسي حيث لم ينشق سفير أو قنصل حتي الآن عكس ماحدث في ليبيا كما أنه لم يحدث انشقاق لقطعة عسكرية علي الإطلاق.. وأشار إلي أن06% من الشعب السوري تري الحل من خلال النظام عن طريق إصلاحه و02% تريد اسقاطه و02% غير مبالين بما يحدث.