لم أر في حياتى قط أشخاصا يتحكمون فى مشاعرهم وردود أفعالهم -على غير تكوينهم العقلى والجسماني المجهز للمعارك والحروب- مثلما رأيت وشاهدت ضباط وجنود الجيش المصرى على مدار العام الفائت، مما جعلنى أتوجس خيفة على مستقبل الثورة. عندما أصدر الرئيس السابق قرارًا بنزول الجيش المصري إلى الشارع للسيطرة على الوضع الذى فشلت فيه وزارة الداخلية يوم الثامن والعشرين من يناير الماضي، وصلت معدات الجيش وجنوده إلى ميدان عبد المنعم رياض فى نحو الساعة السادسة مساءً، وبمجرد مشاهدة الدبابات انطلقت شائعة بين الثور كالنار فى الهشيم، مفادها أن الجيش أتى بتعزيزات للداخلية لسحل الثوار، فحدث هجوم مباغت وغير متوقع من جميع من كانوا فى الميدان نحو الدبابات -التى كان عددها قليلا نسبيا- وفى دقائق معدودة أصبحت تحت سيطرة الثوار بعد فرار الجنود منها، وحرق منها من حرق، حتى وصل الأمر بأحد الشباب المتواجدين إلى قيادة إحدى الدبابات والسير بها يمينا ويسارا وكأنه فى نزهه خاصة. وبعد هذه الواقعة تساءل الناس فى الشوارع والبيوت فى القرى والنجوع، هل هذا هو الجيش المصرى؟ كيف تحرق معداته هكذا؟ لماذا لم يعتقل كل من فعل هذا؟ لماذا يقف مكتوف الإيدى. والغريب من وجهة نظرى أن الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل تمادى وتطور، حتى وصلت الإهانة إلى ضباط وجنود الجيش، وحتى قادته لم يسلموا من التجريح والشتائم، وانتقل الصراع والهجوم من الواقع الفعلى إلى شبكة الإنترنت "الافتراضية" التى أصبحت تزخر بلقطات الفيديو التى تسخر من الجيش ومجلسه العسكرى، والغريب أن هذه الفيديوهات وتعليقاتها التى تصل لدرجة "الإهانة العظمى" للقوات المسلحة يتم تداولها تحت مرأى ومسمع إدارة الشئون المعنوية للقوات المسلحة، التى يخيل لى أنها تتابع كل كبيرة وصغيرة تدورعلى الشبكة العنكبوتية، والدليل على ذلك "حرب الفيديوهات" الدائرة حاليا بين شباب الثورة والشئون المعنوية للسيطرة على الرأي العام فى الشارع، فكل فيديو من الشباب يقابله آخر من الجيش. أذكر أن الراحل طلعت السادات عندما شكك فى نصر أكتوبر على إحدى الفضائيات -وأعترف بعدها أنها ذلة لسان- تمت محاكمته عسكريا بثلاث سنوات سجن، لذلك احترت واحتار دليلي لمعرفة أسباب الصمت على إهانة القوات المسلحة على مدار العام الماضى، وأعترف أنني فشلت فى تفسير الثبات الإنفعالى الرهيب للجنود والضباط، حتى وصل الأمر إلى كونهم مفعولا به، لا يتحركون إلا لرد الفعل فقط، وكلنا يعلم أن العقيدة القتالية للجيش المصرى هى عدم توجيه السلاح إلا ضد العدو فقط، وعدم إطلاق النار على إخوانهم فى الوطن، ولكن هناك أساليب أخرى غير استخدام السلاح لوقف التعدى على الجيش وإهانته ومع ذلك لم تستخدم. وجلست أسترجع فى مخيلتى المشاهد التى إهين فيها الجيش وغض الطرف عن مرتكبيها، فوجدتها كثيرة، وساقتني ظنونى -وبعض الظن أثم- إلى أن هناك مؤامرة كبرى، إما للانقضاض على الثورة وتفشيلها، وضريبة ذلك هى تحمل الإهانة مهما كانت، أو تشويه صورة الجيش المصرى وظهوره بأنه ضعيف ومهلهل استعدادا لبيعه وتخصيصه، كما حدث فى القطاع العام أيام الرئيس السابق.