من السهل أن تمنع الاختلاط في المدارس لكن الصعب أن تبني منظومة تعليمية قوية لعبة قوانين سوزان تذكرني بلعبة قوانين جيهان عقب اغتيال السادات المساواة المطلقة في الانتخابات التشريعية كلمة حق يراد بها باطل نهاد أبو القمصان رئيسة المركز المصري لحقوق المرأة، نموذج حقيقي للمرأة التي يمكننا ان نطلق عليها "مناضلة ثورية"، لكنها تقدم نموذجا عمليا للنضال، فهي لا ترفع شعارات نسوية تدعو فيها إلى حرية ومساواة المرأة دون أن تطبقها على الأرض، ولأنها امرأة قانون فهي تعرف الحقائق القانونية التي تغيب عن أغلبنا، ولا تتشدق بكلمات لا سند قانوني لها. عندما اجتمعنا بها، واجهناها بما تروج له التيارات السياسية الإسلامية في مصر، بأن الحقوق التي حصلت عليها المرأة أثناء حكم مبارك من كوتة نسائية في البرلمان وقانون الخلع وقانون منح المصرية لأبناء المصريات..إلخ، هي قوانين فاسدة حتى أنهم أطلقوا عليها قوانين سوزان مبارك قالت: إن ما تتعرض له المرأة الآن مشابه لما تعرضت له من قبل بعد مقتل الرئيس محمد أنور السادات عندما حاول أن يُقوي التيارات الدينية على حساب التيارات الأخرى في محاولة منه لضرب التيار الناصري وقال "أنا اللي طلعت العفريت وأنا اللي أقدر أصرفه" إلا أن العفريت قتل السادات وكانت المرأة كبش الفداء وظل المجتمع يكرر إن القوانين التي كانت تدافع عن المرأة من صنع جيهان السادات وينبغي رفضها وهذا ما يحدث الآن حيث يُقال إن ما حصلت عليه المرأة هو بفضل سوزان مبارك وهذا ليس صحيحا، إنهم يقولون الآن إن المرأة حصلت على ما حصلت عليه بفضل وجود سوزان مبارك ولأنها ضمن النظام السابق فيجب أن تسقط معها هذه المكتسبات، إلا أن هذا تحايل وأمر عارٍ من الصحة فالمرأة تحاول طوال السنوات الماضية أن تحصل على جزء من حقوقها التي أعطاها لها الإسلام وليس لأحد فضل عليها. - ولم يتم التركيز دائما على المرأة عند الإسلاميين؟ المرأة جزء من الأيديولوجية عند الإسلاميين السياسيين، وجزء من هويتهم الفكرية فمن وجهة نظرهم يقتصر دورها على الإنجاب كأم وكمتعة للرجل كونها زوجة له، ومن ثم فهم يرون أنها يجب أن تكون تابعة بل خاضعة له في كل شيء مستخدمين في ذلك مفاهيمهم المتخبطة للآيات القرآنية، فهذه المفاهيم سلاح ذو حدين فقد تجعل المرأة تقود دولة مثل باكستان وأندونسيا وبنجلادش وهي دول إسلامية، في الوقت الذي تمنعها من قيادة السيارة في السعودية. فمن مهازل المهازل أن تحاسب المرأة في أفغانستان على تعرية بطن يدها وهي تتسول دون النظر في لماذا فكرت في التسول من الأساس؟ وفي أن تُجلد لأنها ترتدي صدرية بدعوى أنها بذلك تخدع الرجال في شكل صدرها الحقيقي، في حين يحكمون عليها بتغططية وجهها، فالتيارات السياسية الإسلامية لا تعمل سوى على فكرة المرأة، لأنها تقدم لهم الشكل الذي يوازي لديهم رفع العلم لأي مستعمر على أي بلد يحتلها، وذلك لأنهم عاجزون في الوقت الحالي عن عمل شيء آخر نظرا لأنهم يريدون الظهور بسرعة فلا يستطيعون في الوقت الحالي أن يضعوا خطة لإصلاح التعليم فذلك يحتاج إلى وقت طويل وخطط وميزانيات، بينما فصل البنات عن الأولاد في المدارس لن يأخذ وقتا، كذلك لن يبحثوا عن فرص عمل جدية للشباب بل الأسهل أن يجعلوا المرأة تجلس في المنزل حتى يشغل الرجال أماكنها في العمل، ولذلك فهذه هي طريقتهم في الظهور بسرعة وجزء من إطارهم الفكري الذي يعتمد على الشكل.
-هل النظام السابق خدم المرأة حقا؟ غير صحيح، المرأة حصلت على ما حصلت عليه بمجهودها، ولو كان النظام السابق فعل لها شيئا فقد أورثها عقدة ذنب مازالت تعاني منها إلى الآن، فالمرأة وجدت نفسها تقوم بدور أسرة كاملة فهي تعمل وتعلم أولادها وتدير شئون منزلها مع أن عقد الزواج لا يوجد به بند خدمة وفقا للإسلام وبعد كل ذلك تأتي السينما والإعلام لتخبرها أن السبب الأكبر لحدوث الطلاق هو عزوفها عن بيتها وكأنها تعمل من أجل الرفاهية وهذا ظلم واضح لها وكلام غير صحيح، فالمرأة تحولت إلى خادمة في منزلها وتحملت وحدها انهيار الوضع الاقتصادي دون أن تشتكي فلا يمكن أن يدعي أحد أنها تخرج من بيتها متحملة مشاق وتعب المواصلات وكل هذا الإرهاق حتى ترفه عن نفسها بما تتقاضاه من راتب وتشتري به مساحيق للزينة وملابس وغيره. فهذا النظام هو الذي فتح النيران على ميرفت التلاوي وزيرة التأمينات الاجتماعية السابقة، عندما طالبت منذ عشر سنوات بأن يتم اقتطاع مبلغ لا يذكر "10 قروش" كل يوم من راتب الرجل من أجل أن يتم وضع تأمين للمرأة حتى تستطيع أن تمكث في منزلها لرعاية أسرتها إذا أرادت ذلك، وبالتالي لو تخلى عنها زوجها في سن متأخرة بعد أن تكون قد ربت أولادها ولم يعد لديها حقوق حضانة وغيره، لا تتعرض للتشرد بدون مأوى او مصدر رزق، وهذا النظام هو الذي سمح للإعلام الموجه أن يظلمها وينتج أعمالاً درامية تجعلها تعيش حياتها وهي تشعر بالذنب، فبرغم أنها تعمل لتساعد زوجها في الإنفاق على الأسرة وتراعي متطلبات بيتها وأولادها، إلا أن الإعلام يتهمها بأنها تركت أبنائها وحدهم في المنزل دون رعاية، وبعد أن تم حسم قضية عمل المرأة سابقا منذ فيلم "مراتي مدير عام" في الستينات نأتي لنشاهد فيلم "تيمور وشفيقة" في القرن الواحد والعشرين، الذي تتخلى فيه وزيرة عن منصبها كي تتزوج من رجل يعمل في ضابط بوليس لمجرد أن لديه عضلات ويحمل سلاحا.
- ما رأيك في موضوع إلغاء الكوتة النسائية في البرلمان بدعوى أنها تناقض فكرة المساواة بين الرجل والمرأة في الأساس؟ الحديث عن نظرية المساواة المطلقة كلمة حق يراد بها باطل ودجل سياسي غير مقبول وهذا نتيجة عدم وجود معلومات وعدم وجود رؤية واضحة، فالناس في مصر أصبحت تربط بين الكوتة وبين سوزان مبارك على الرغم من أن كوتة العمال والفلاحين مازالت موجودة وتطبق بنسبة 50%، فالكوتة هي إجراء يضمن مشاركة الفئات المهمشة، فالمرأة حصلت على حق المشاركة السياسية في عام 1956 وأول انتخابات برلمانية حصلت فيها على مقعدين في عام 1957 ومن ثم فهي خلال 55 سنة حصلت على 4 مقاعد فقط، ما يعني أن نزول المرأة للانتخابات التشريعية دون كوتة أثبتت فشلها، والشعب المصري يحتاج لأن يعتاد أولاً على فكرة وجود المرأة في مجلس الشعب والشورى ويراها وهي تعمل أمامه ليقتنع بعملها السياسي، وهذا الأمر يحتاج إلى كوتة تستمر لعشر سنوات على الأقل.
ثم إذا كانوا يريدون تطبيق نظرية المساواة المطلقة فنحن موافقات، ولكن ليطبقوها أولا في القضاء، وفي النيابة العامة، وفي تعيين المحافظين وفي التشكيل الوزاري الذي لا يضم سوى امرأة أو اثنتين وفي وزارات ليس لها أهمية، وفي العمل الدبلوماسي وفي مديرين البنوك...إلخ، لذلك قبل أن نتحدث عن المساواة المطلقة في الانتخابات التشريعية ونلغي الكوتة، يجب علينا إلغاء كوتة الفلاحين والعمال أيضا بدعوى المساواة، ويجب اتخاذ تدابير سياسية حقيقية نطبقها على مدار سنين طويلة حتى نصل إلى المساواة المطلقة.
- لكنهم يقولون أنه لا توجد كوتة نسائية في البرلمان في أي مكان في العالم..ما تعليقك؟ الذي لا يوجد في أي مكان في العالم هو الجمع بين القوائم والفردي في الانتخابات الواحدة، إن من يتحدث عن الكوتة كأنها أمر غريب ليس لديه معلومات ولا يعرف أنه يتم تطبيقها في 108 دول على مستوى العالم، ففلسطين لديها كوتة 30%، رواندا لديها كوتة بنسبة 50%، وماليزيا عندها كوتة، وتونس عملت كوتة على اللجنة التأسيسية، فالكوتة ليست اختراعا مصريا كما يدعي البعض.
- وما يدعو للعجب أيضا ان تختار المرأة التيارات الإسلامية وهي تعرف أنها ستعمل على تقييد حريتها، في حين لم تختر امرأة مثلها؟ ولم تتعجبين؟! المرأة في مصر "بنت ثقافتها" وتربت من صغرها على أنها ليست مصدرا للثقة ومن ثم كيف ستختار امرأة لتمثلها في مجلس الشعب وهي لا تثق فيها، والغريب أنه إلى الآن لا توجد في مصر دراسة لاتجاهات الناخبين رغم أن الناخب المصري ذكي جدا بدليل أنه أسقط رموز النظام السابق الممثلين في الحزب الوطني وكل الوجوه القديمة، إلا أن الاختيارات كانت محدودة والمرأة البسيطة "كفرانة في حياتها" وتعبانة ففكرت أن تلجأ للتيارات الإسلامية ربما ترتاح في مستقبلها وأضيفي إلى ذلك كله نسبة الأمية العالية والفقر، فبين كل ثلاث نساء في مصر يوجد امرأة أمية، يعني ثلث نساء مصر أميات.
-في نظرك- هل الفترة القادمة ستكون ضد المرأة بنسبة كبيرة؟ ليس كثيراً، فهناك 36% من الأسر تعولها امرأة ومن ثم فالمرأة البسيطة التي تربي أطفالها لن تسمح لأحد بأن يجبرها على العودة إلى المنزل، فضلاً عن أن الرجل نفسه لن يسمح بذلك في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور، فالمرأة التي خرجت في مسيرة تفوق العشرين ألف في التحرير منددة بما حدث مع الفتاة التي عراها الجيش لن تسمح لأحد بأن يعود بها إلى الوراء.
ونهاية أريد أن أقول إننا يمكن أن نغفر لمبارك سرقة أموالنا، أو نغفر له دماء الشهداء، ولكن ما لا نستطيع أن نغفره له تدمير الشخصية المصرية من خلال تدمير منظومة التعليم على مدار ثلاثين عاما.