أسعار الأسماك مساء السبت 21 يونيو 2025    جهود مشتركة بين وزارة المالية وجهاز تنمية المشروعات لدعم أصحاب المشروعات الصغيرة    «التخطيط»: 7.3 مليار جنيه استثمارات موجهة لمحافظة دمياط خلال 2024-2025    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    التخطيط: 7.3 مليار جنيه استثمارات عامة موجهة لمحافظة دمياط بخطة 24/2025    وزير خارجية الكويت: نواصل إجلاء مواطنينا من إيران وآخر رحلة عبر تركمانستان يوم غد    الأمم المتحدة: حرب إيران وإسرائيل يجب ألا تؤدي إلى أزمة لاجئين جديدة    كأس العالم للأندية| مران مغلق للأهلي اليوم    انفجار أسطوانة غاز.. السيطرة على حريق داخل محل في فيصل    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية ورفع الكفاءة والتطوير    نقابة المحامين توضح إرشادات يجب اتباعها خلال استطلاع الرأي بشأن رسوم التقاضي    بعد الزيادة.. مصروفات المدارس الحكومية والتجريبية لغات بالعام الدراسي الجديد 2025- 2026 (لكل الصفوف)    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    بايرن ميونخ يعادل برشلونة ويلاحق إنجاز الريال فى كأس العالم للأندية    اجرام الصهاينة ليس مع الفلسطنيين فقط…كبار السن دروع بشرية فى مواجهة الصواريخ الايرانية    الناشط الفلسطيني محمود خليل حرًا بعد احتجاز 3 شهور في الولايات المتحدة    وزارة التضامن تقرر إضفاء صفة النفع العام على 3 جمعيات    محمود عاشور حكمًا لتقنية ال "VAR" في مباراة مانشستر سيتي والعين بكأس العالم للأندية    إمام عاشور يغادر معسكر الأهلي المغلق في نيوجيرسي    البرازيل تتقدم بطلب رسمي لاستضافة كأس العالم للأندية    نائب محافظ سوهاج يفتتح أول مؤتمر للذكاء الاصطناعي بمشاركة 1000 شاب    مباحث الأقصر تضبط عنصر إجرامي تخصص في الاتجار بالمخدرات بمنطقة المريس    دون وقوع إصابات بشرية.. انقلاب سيارة محمله بأدوية بطريق الفيوم الصحراوي    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    جنايات شبرا تصدر حكما بالمؤبد ل3 متهمين لإتجارهم بالمخدرات    وكيل الأزهر يطمئن طلاب الثانوية بشأن امتحان الفيزياء: «تتم دراسة ملاحظاتكم» (صور)    خبير: إيران تستعيد توازنها وتلجأ لاستراتيجية استنزاف طويلة ضد إسرائيل    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    حسام حبيب يطرح نسخة معدلة من "سيبتك"    شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر إيذانًا ببداية فصل الصيف    البحوث الزراعية: استخدام المخلفات الزراعية يوفر العديد من فرص العمل و يخفض التلوث    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    موسكو: ألمانيا وقعت في مأزق اقتصادي نتيجة ابتعادها عن السوق الروسية    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    لتجنب الشعور بالألم.. كيف يعيش مرضى الضغط والسكري صيفا آمنا؟    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    البابا لاوُن الرابع عشر: حرية الصحافة هي خير عام لا يمكن التخلّي عنه    «قصور الثقافة» تنظم أنشطة فنية وثقافية للأطفال احتفالاً ببداية الإجازة الصيفية    تفاصيل الكشف الأثري الجديد بتل الفرعون في محافظة الشرقية    بكين تعلن إجلاء 330 صينيا من إيران و400 من إسرائيل    جامعة كفر الشيخ الخامسة محليا في تصنيف التايمز البريطاني    رسميًا.. اليوم بداية فصل الصيف في مصر (تفاصيل)    "سينما 30" و"الإسكافي ملكا" الليلة بروض الفرج والسامر ضمن فعاليات مهرجان فرق الأقاليم المسرحية    وائل جسار يُقبل عَلَم المغرب في حفله ب مهرجان موازين    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    الصحة: عيادات البعثة الطبية المصرية استقبلت 56 ألفا و700 حاج مصرى    رسالة أمل.. المعهد القومي ينظم فعالية في اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    ديمبلي يزف بشرى سارة لباريس سان جيرمان قبل مواجهة سياتل ساوندرز    «خلوا عندكم جرأة زي بن شرقي».. رسائل من وليد صلاح الدين ل مهاجمي الأهلي    جامعة القاهرة تطلق من المعهد القومي للأورام رسالة أمل فى اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    منى الشاذلي تتصدر تريند جوجل بعد استضافتها نجل حسن الأسمر: "كتاب حياتي" يُعيد الجمهور إلى زمن الأغنية الشعبية الذهبية    الرئيس الأمريكى يعلن توقيع إتفاق سلام بين رواندا والكونغو    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    مؤمن سليمان يقود الشرطة للفوز بالدوري العراقي    عيار 21 الآن وأسعار الذهب اليوم في مستهل تعاملات السبت 21 يونيو 2025    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملابس جديدة للسحل
نشر في المشهد يوم 20 - 12 - 2011

على الرغم من شعور عميق بالحزن والغضب ورغبة حقيقية فى مشاهدة الموقف عبر مسافات، وعلى الرغم من لون الدم الذى لازال يغطى الأرض، وعلى الرغم من صور الدخان والتاريخ المحترق والمعروض بقاياه على الأرض، وعلى الرغم من خطاب إهانة العقل والتبرير بالطرف الثالث الخفى الذى لا يتواجد الا فى الأحاديث المرسلة كونه كائن هلامى غير قابل للقبض عليه، وعلى الرغم من كل تلك الصور المؤلمة والمحزنة فإن صورة من الصور استوقفتنى بأكثر من كل تلك الصور ليس فقط لطبيعة الفعل ولكن لبشاعة التناول الخاص بها والذى يوضح حجم المشكلة أو الكارثة التى تواجهنا أن أردنا المصارحة.
وبالطبع وكما يتضح من العنوان فإن الحديث عن صورة الفتاة المصرية التى تم سحلها وتعريتها من قبل جنود الجيش أثناء أحداث مجلس الوزراء، وعلى الرغم من حجم ما عبرت عنه الصورة وما اختزلته من معان عميقة للاهانة ولما حدث من شرخ فى العلاقة بين الشعب والجيش فإن توقفى أمام الحدث يرتبط بالتعامل معه حيث تفرغ البعض لتوجيه سهام النقد للفتاة التى تم سحلها بدلا من التركيز على إدانة فعل التعدى والسحل نفسه.
أتذكر كلمات قيلت يوما فى قاعة المحاضرات بأن القضية ليست الظلم، فوجود الظلم لا يحرك أحدا، القضية فى الشعور بالظلم وهى تلخص الكثير من الحقيقة. المسألة الأساسية هى تحريك مشاعر المظلوم فالشعوب لا تنتفض لوجود ظلم فالظلم حالة ممتدة، ولكنها تنتفض أو ينتفض الأفراد لشعورهم بظلم واقع عليهم فالفارق كبير بين وجود الشئ وأدراكه. وإن كان الظلم قاتلا فإن استمراره وتحويله لحالة ظلم ممتد أمر أكثر إيلاما على النفس، وإن كان فعل السحل والتعرية قاسيا فإن التعامل معه بتلك الطريقة لا يقل بشاعة عما حدث

ومن خلال النظر لحديث البعض عن الحدث نجد أن قضيتهم الأساسية تحولت إلى التساؤل حول الملابس التى ترتديها أو لا ترتديها الضحية متناسين طبعا واقع أنها ضحية بالأساس، ووصل الأمر بأحد المتحدثين للتساؤل حول ثمن الملابس التى ظهرت بعد تعريتها وعن سبب أرتدائها لعباءة كما قيل يسهل فتحها!! مع حديث آخر هنا وهناك عن الشتاء البارد وعدم أرتداء ملابس تتناسب مع البرد، أو كما قال البعض عدم أرتداء ملابس تتناسب مع التواجد أمام مجلس الوزراء وميدان التحرير.... تناسى هؤلاء جميعا أن تلك الأماكن هى شوارع وميادين فى مصر وليست فى منطقة حرب أو منطقة معركة، وتناسوا أيضا أن هؤلاء القائمين بعملية التأمين المفترضة هم رجال جيشنا المصرى العظيم، وتناسوا أننا نتحدث عن مصر ما بعد الثورة التى تصورناها مصر أخرى فكانت بالفعل مصر أخرى حيث تحول العنف والاعتداء والانتهاك فيها من عنف وانتهاك يمارس داخل مبان وعلى نطاق ضيق التغطية والتسجيل إلى خارج المبانى وعلى الأرصفة وأمام عدسة الكاميرات لتصبح العلنية سيدة الحال وعلى نطاق عالمى .

تناسى هؤلاء أن الأساس هو أن فعل السحل أنتج حالة التعرى وأن ما يختار الشخص لبسه أمر لا يعنى أحدا ما دام لم يعتدى على حق المجتمع، فكود الملابس الأخلاقى لا يلزم أحدا بأن يختار ثقل ملابسه أو طبيعة ملابسه الداخلية وفقا للمجتمع. ولكن ما فعلته تلك الفتاة المصرية للآسف انها لم تفكر على ما يبدو فى ارتداء ملابس خاصة للسحل والتعرية تلتصق بالجسم وغير قابلة للتمزيق وبناء عليه فإن المرحلة القادمة ستكون مرحلة بيوت الأزياء المخصصة فى ملابس النزول للشوارع والميادين التى يتم تأمينها فى مصر لأن تلك الشوارع أماكن غير آمنة، ومن يمشى فيها معرض للسحل والتعرى.
سيكون على من يسير فى الشارع أن يراعى فرق التوقيت فى مصر ما قبل الثورة وما بعدها، وفرق الرؤية التى نحملها عن قوات الأمن فى مصر ما قبل وما بعد الثورة. وسيكون على من يسير فى الشارع أن يبرر سبب ارتداء ملابسه الثقيلة أو الخفيفة وأن يوضح سعر ملابسه الداخلية ومصدر تمويلها فالملابس الداخلية دخلت فى نطاق التمويل الخارجى. وسيكون على من يسير فى الشارع أن يحصل على موافقة عائلية تمكنه من تبرير الملابس التى يرتديها ليس فقط الظاهرة للعيان ولكن التى ستظهر للعين بعد فعل السحل والتعرية. وسيكون عليه أيضا أن يراعى عند السحل الا يستسلم لمن يسحله بالجلوس تحت قدميه التى تركله لفترة طويلة حتى لا يقال بأنه ارتضى وأراد أن يتم تصويره وأن يستخدم لإدانة القوات التى سحلته. وسيكون على كل فتاة أن تقول لماذا نزلت إلى الشارع فالشارع مكان خطر وغير آمن وعندما تنتهك فى تلك الأماكن الخطرة ستصبح هى المذنبة لا المجني عليها. وسيكون علينا أن نؤسس مفاهيم جديدة للجلاد والضحية، فعندما تكون الضحية امراة تنتفى عنها صفة الضحية كون بقائها فى منزلها هو القاعدة ونزولها للشارع هو الضرورة التى لا تعمم.

أعادنى النقاش المريض حول ملابس الفتاة وارتضائها للبقاء تحت أرجل الجندى عارية حتى تلتقط صورها ويتم إدانة الجيش لنقاش طويل لا ينتهى أو بالأصح لمواقف عقيمة تظهر دوما للسطح فى تلك المواقف حيث المرأة هى أصل الشرور التى تدان دوما دون أن يتم التعامل مع الحدث.
وفى ظل تلك الحملة التى تمت ضد الضحية جاء الرد فى نفس السياق حيث ظهرت تعليقات على وسائل التواصل الاجتماعى عمن تعرف نفسها بصديقة مقربة للضحية أو لشقيقة الضحية معبرة عن حالتها النفسية السيئة لما يقال عنها ومؤكدة على ارتدائها لجاكت أو بلوفر فوق العباءة وأنه تمزق بفعل السحل. بالطبع لم تعلن مصادر الدخل التى مكنتها من شراء تلك الملابس التى تحدث عنها البعض لكنها أكدت أنها من أسرة ممتازة وأنها تعمل عملا جيدا وخلافه..
أشارت وأشار البعض إلى أنها محجبة أو منتقبة ورد البعض الآخر بأن تلك الملابس لا ترتديها المنتقبات ولكن هل يفترض أن نفرع الحديث لتلك الجزئيات؟! هل الأساس أنها محجبة أم لا؟ وهل لو لم تكن محجبة كان يبرر سحلها وتعريتها؟! وهل إن كانت من محدودى الدخل -عموم الشعب المصرى هل كان يبرر انتهاك حقها الانسانى بهذا الشكل؟!

أعادنى الكلام إلى جدل آخر دار منذ سنوات طويلة أتذكره رغم بعده الزمنى لأنه لم يغادر المجتمع ويستغله البعض للآسف لتمرير أجنداتهم. فالحدث الذى عرف بحادث فتاة العتبة أو حادث الاعتداء على فتاة العتبة كان فى وقته محدثا لضجة كبيرة فى الشارع المصرى، كانت الضجة بحكم مكان الحدث وتوقيته وبناء عليه تركز النقاش فى جزء منه حول ملابس الفتاة وتساءلت مدرسة الفصل مع الطالبات فى اليوم التالى هل كانت الفتاة ترتدى حجابا أم لا؟ هل كانت محجبة أم سافرة تستحق ما حدث لها؟!!! وأعادنى حادث فتاة أحداث مجلس الوزراء لنفس الحديث مع اختلاف التفاصيل والأسباب.
أثناء أحداث العتبة كان الحدث فى سياقه العام، فى مناقشة المجتمع نفسه مع نفسه حول مفهومه للتحشم ومفهومه لمبررات التحرش أو الاعتداء، فالضحية دوما مدانة عندما تتعلق الأمور بالشرف والمجتمع يرغب دوما فى إراحة ضميره وتحميل المسئولية للطرف الأضعف وهو المرأة المعتدى عليها، يرغب فى تحميل المسئولية لأحد فجاءت فكرة الملابس لتحل القضية ولو جزئيا لأن القول بأن الفتاة محجبة من عدمه سيثير تساؤلات أخرى حول الموقف إن كانت الفتاة مطابقة لمواصفات الاحتشام الشكلى، وسيبدأ فى البحث عن مواصفات الاحتشام السلوكى وسيستمر فى مسلسل إراحة الضمير والدفاع عن الفضيلة الشكلية دون محاسبة أصل القضية. الفارق مع أحداث العتبة أن هناك استغلالا سياسيا للحدث فى الصورة الحالية، نعم هناك استخدام لنفس الآليات فإن كانت الفتاة محجبة وينطبق عليها شكلا ملامح الاحترام التى ارتضاها المجتمع يتم التركيز على ما تحت الملابس الظاهرة وعلى السلوك الذى جعلها تتواجد فى الاعتصام وتخرج من منزلها وغيرها من التساؤلات التى تثير البلبلة وتفرع القضية وتوجه النظر بعيدا عن الفاعل بل والأكثر من ذلك أنها تبرئ الجانى الذى تم وفقا لهم الإيقاع به فى فخ التعرية رغم أن التعرية تبقى نتاجا للسحل وليس فعلا منفصلا عنه. جاء فعل السحل والتعرية صادما ونظرنا إليه للحظات بوصفه أسوأ ما يمكن فعله، فجاء النقاش حوله بمثابة استكمال حلقات المسلسل الساقط لتعرية الوطن .

أقترب من الموضوع بتساؤلات بعضها ساخر لأن حديث البعض عن ملابس من تعرت قهرا يتجاوز حقيقة أن هذا السلوك يعرى الوطن وعرضه، وأن أحاديثهم تعرى الكرامة والانسانية وأشياء أخرى كثيرة.
تبدو لقطات السحل والتعرية قاتلة وتبدو فعل ظلم ولكن الحديث الدائر عنها يعد ترسيخا لحالة الظلم واستمرارا لفعل السحل والانتهاك ولكنه فعل لا يسحل تلك الفتاة ولا يسحل قيمة الوطن ولكنه يسحل ويعرى تلك النفوس العارية أصلا، ويعرى كل من يقبل بالقشور ويتناسى جوهر الأشياء ويوضح حقيقة المشكلة التى نعاني منها فى مصر والتى جعلت الكثير من القيم الكبرى محلا للاستهلاك الشكلى دون التركيز على جوهرها كحب الوطن والكرامة والحق والعدل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.