عندما ماطل المجلس العسكري في تحديد جدول زمني للانتخابات هدد الإخوان المسلمون وحذر الدكتور أحمد أبو بركة، المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة، المجلس العسكري، من "ثورة شاملة" في حال تأجيل الانتخابات البرلمانية أو إقرار المبادئ فوق الدستورية، مشيرا في تصريحات ل"اليوم السابع" إلى أن عدم الإعلان عن موعد فتح باب الترشح لمجلس الشعب، يعد بمثابة "انقلاب دستوري" على إرادة الشعب التي أظهرتها نتائج الاستفتاء. وقال أبوبركة إن قيادات الحزب وجماعة الإخوان المسلمين لن يجلسوا مع المجلس العسكري أو أعضائه إذا صدر قرار بتأجيل الانتخابات أو التلاعب بمصلحة الناس، وتابع: "لن يتم التصعيد بمراحل"، وأن ما سيحدث سيكون ثورة شاملة بما في ذلك من اعتصام وإضراب وعصيان. لقد ضغط الإخوان المسلمون بكل قوتهم لسرعة إجراء الانتخابات وقطف ثمار مشاركتهم في الثورة، واستجاب المجلس العسكري وحدد الجدول الزمني للانتخابات التي قاتل من اجلها الإخوان وبدأت المرحلة الأولى لها. سيظل يوم 28 نوفمبر 2011 علامة فارقة في تاريخ مصر الحديث، حيث بدأت انتخابات المرحلة الأولى لأول انتخابات برلمانية بعد عام من تزوير انتخابات برلمان جمال مبارك واحمد عز وبعد رحيل مبارك. ورغم أن الإعلام يسميه أول برلمان للثورة وهو عكس الحقيقة. ورغم عناوين الصحف الصاخبة بالكذب مثل مانشيت جريدة الأهرام يوم 3 ديسمبر " أعلى نسبة مشاركة في الانتخابات منذ عهد الفراعنة". ولا نعرف كيف جاءت الجرأة لمسئولي التحرير في الأهرام لوضع هذا العنوان الكاذب. وهل كانت توجد انتخابات في عصر الفراعنة أم هي مبالغة تؤكد بقاء عصر مبارك وأكاذيبه الإعلامية. كما جاء مانشيت الشروق يوم 5 ديسمبر "هزيمة ساحقة للفلول في الجولة الأولى ل (برلمان الثورة)". وذلك أيضا مناف للحقيقة أولاً لأنه ليس برلمان الثورة وثانيا لأن الفلول حصدو أكثر من 6% من الأصوات في المرحلة الأولى. بينما كتب الأستاذ أسامة غريب في جريدة التحرير يوم 29 نوفمبر "الانتخابات ويوم غير سعيد" حيث قال "ووصلنا إلى الانتخابات البرلمانية، التي حلم بها من قاموا بالثورة، ومع هذا فإن أحدا لا يضحك! لأن الناس غير سعداء. وسبب تعاسة شعب مصر أن المجلس العسكري الحاكم الذي ائتمنه الشعب على الثورة أوصلهم إلى هذا اليوم عائمين في نهر من دماء أبنائهم، بعدما صار القتل بالرصاص والخنق بغاز الأعصاب والفرم بالمدرعات يتم ببساطة شراء علبة سجاير، وبعد أن أصبح منظر العيون المفقوءة لشباب في عمر الزهور لا يثير التفات الناس، وبعد أن أصبح مشوار زيارة المشرحة مشوارا روتينيا معتادا. ليس هذا فقط، وإنما قبل هذا سعى المجلس الحاكم جاهدا إلى أن ينهك المرشحين والناخبين من خلال تغيير الدوائر بصورة عبثية، أشار بها على المجلس أحد شياطين الإنس، الذين يستعين بهم طوال الوقت". تتضارب التقديرات حول عدد من يحق لهم التصويت في المرحلة الأولى كما نشرت الأهرام في 4 ديسمبر، حيث أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن إجمالي من لهم حق التصويت في المرحلة الأولى 13 مليون و614 ألفا و625 ناخبا وان نسبة المشاركة بلغت 62% . بينما يقدر مركز معلومات مجلس الوزراء عدد من لهم حق التصويت بحوالي 17 مليون ناخب. بعد أن أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أن نسبة المشاركة 62% عادت لتقول أنها 52% ثم جاء بيان المستشار عبدالمعز إبراهيم رئيس اللجنة العليا للانتخابات ليقول إنها 60%. ومنذ ساعات الصباح الأولى توالت البلاغات عن التجاوزات التي أدت لوقف نتائج الدائرة الخامسة فردي بالقاهرة، ثم إلغاء الانتخابات في الدائرة الأولى قوائم بالقاهرة وإعادتها وإلغاء ثلاث دوائر في أسيوط لما شابها من تجاوزات. جاءت نتائج المرحلة الأولى من الانتخابات التي تمت في 9 محافظات و16 دائرة انتخابية بنظام القوائم الحزبية. وقد خاض هذه المرحلة 28 حزبا وائتلافا انتخابيا أهمها: - التحالف الديمقراطي (إسلامي) الذي ضم جماعة الأخوان المسلمين وحزب الكرامة الناصري. - الكتلة المصرية (الليبرالية) التي ضمت ثلاثة أحزاب هي حزب المصريين الأحرار، والحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي. - الائتلاف الثالث فهو الثورة مستمرة (يساري) وضم عدة أحزاب يقودها حزب التحالف الشعبي الاشتراكي وحزب مصر الحرية وحزب المساواة والتنمية وحزب التحالف المصري وحزب التيار المصري والحزب الاشتراكي المصري إضافة إلي ائتلاف شباب الثورة. لم تأخذ معظم الأحزاب الجديدة فرصتها الكافية من الدعاية لتعرفها الجماهير ، كما أن نظام الانتخاب الذي يجمع بين القوائم والفردي أربك الآلاف من الناخبين وأدى لبطلان أكثر من نصف مليون صوت. رؤية أولية لنتائج المرحلة الأولي -1 أما اعلى الدوائر من حيث عدد الأصوات الباطلة فهي الدائرة التاسعة في القاهرة والتي تشمل المعادي وطره والبساتين وحلوان والتبين وهي أهم دائرة عمالية في القاهرة 46.2 ألف صوت باطل، الدائرة الثانية في الإسكندرية الرمل وسيدي جابر 38.2 ألف صوت باطل والدائرة الثالثة في الفيوم والتي تشمل سنورس وابشواي ويوسف الصديق 38.1 ألف صوت باطل. 29 % من الأحزاب والائتلافات التي خاضت الانتخابات وجدت قبل 25 يناير ومنها الوفد ، العربي الناصري ، الدستوري الاجتماعي الحر ، السلام الديمقراطي الغد ، المحافظين ، الجبهة الديمقراطية. إضافة إلي حزب التجمع الذي خاض الانتخابات مع ائتلاف الكتلة المصرية. أما باقي الأحزاب فقد تشكلت بعد ثورة 25 يناير. حققت قوي الإسلام السياسي أفضل النتائج خلال هذه المرحلة وبنسبة تصل إلي 66% من عدد الأصوات الصحيحة يليها القوي الليبرالية 25% وفلول الحزب الوطني 6% بينما حصل ائتلاف الثورة مستمرة اليساري الاجتماعي علي 3% فقط من الأصوات وخرجت القوي القومية التي لم تنضم إلي التحالف الديمقراطي والتي تشمل الحزب العربي الناصري و الحزب الدستوري الاجتماعي الحر بحوالي 42.3 ألف صوت فقط . القوى السياسية في المرحلة الأولى القوى الإسلامية بمتابعة نتائج انتخابات القوائم الحزبية نجد أن حزب الحرية والعدالة خرج الرابح الأكبر بنصيب 37% من الأصوات يضاف إليهم من فازوا في الإعادة علي المقاعد الفردية. وقد شهدت الإعادة مواجهات قوية بين الإخوان والنور السلفي كان من ابرز نتائجها نجاح المستشار محمود الخضيري المدعوم من الحرية والعدالة في الإسكندرية أمام طارق طلعت مصطفي فلول وطني. وهزيمة عبد المنعم الشحات أحد أبرز قيادات الدعوة السلفية في الإسكندرية وفي مصر ورمز للتطرف الإسلامي الوهابي أمام حسني دويدار مرشح الحرية والعدالة. وهزيمة الدكتور محمد يسري أمام الدكتور مصطفى النجار في مدينة نصر. كان الشحات قد صرح لبعض الفضائيات بأن الديمقراطية كفر، كما هاجم أدب نجيب محفوظ واتهمه بالدعارة والمخدرات ونشر الرذيلة ورغم ذلك صوت له أكثر من 169 ألف في دائرة المنتزه وهزم مقابل 198 ألف لمرشح الإخوان وهو ما يعكس رواج أفكار الشحات وجماعته رغم الهزيمة. لقد اهتزت أوروبا كلها عندما حصل حزب جان ماري لوبان اليميني على 11% من أصوات البرلمان الفرنسي أو عندما حصل حزب فلاديمير جيرينوفسكي على 7% من الأصوات في روسيا. بينما حصل حزب النور السلفي والذي يمثل اليمين الإسلامي الوهابي المدعوم من دول الخليج على 25% من أصوات المرحلة الأولى لتسود حالة من الذعر بين صفوف القوى الليبرالية والمسيحية. وفي مصر التي بها الكثير من المضحكات المبكيات، أعلن اللواء احمد زكي عابدين محافظ كفر الشيخ أنه أعطى صوته لحزب النور السلفي وقال "يجب أن يوجد الإسلاميون بأغلبية في مجلس الشعب طالما الشعب عايزهم" (جريدة الشروق – 4 ديسمبر – صفحة 3). بينما أعلن أشرف ثابت الفائز عن حزب النور على رأس قائمة الدائرة الثانية بالإسكندرية "سنمنع الاختلاط في العمل وسنلغي النظام الحالي للبنوك، سنشارك في إعداد دستور يؤكد الهوية الإسلامية " !!!( جريدة المصري اليوم – 5 ديسمبر – صفحة 8). أما حزب الوسط ثالث الأحزاب الإسلامية فقد حصل على 415 ألف صوت تمثل 4% من الأصوات وجاء في المركز الخامس للقوائم بالمرحلة الأولى، ويخوض المهندس أبوالعلا ماضي رئيس الحزب معركة شرسة في مسقط رأسه بمحافظة المنيا أمام الدكتور محمد سعد الكتاتني قطب حزب الحرية والعدالة. ومن ثم فإنه من المتوقع أن يحصد الحزب أصواتا أكثر في الجولات القادمة. وقد خاض الحزب الانتخابات في جميع دوائر المرحلة الأولى. معروف أن الدكتور محمد سليم العوا صاحب العلاقات المميزة بالمجلس العسكري هو أحد المصادر الفكرية والرعاة الرئيسيين للحزب، كما خاض الأستاذ عصام سلطان نائب رئيس الحزب معركة شرسة أمام الإخوان والسلفيين في دمياط وحصل على 14% من الأصوات بينما حصل الحرية والعدالة والنور السلفي على 70% من الأصوات في محافظة دمياط مركز صناعة الموبيليا والحلويات في مصر. وقد يعكس ذلك المزاج الإسلامي للطبقة الوسطى من موظفين وتجار وحرفيين ليعطوا 84% من الأصوات للقوى الإسلامية بينما لم تحصل الكتلة المصرية سوى على 3% فقط من الأصوات في دمياط والثورة مستمرة 1%. القوى الليبرالية حصدت القوى الليبرالية 25% من الأصوات في الجولة الأولى ويأتي على رأس هذه القوى قائمة الكتلة المصرية التي تشكلت من أحزاب المصريين الأحرار والمصري الديمقراطي الاجتماعي وهي أحزاب تأسست بعد الثورة وحزب التجمع الذي تآكل وجوده السياسي منذ مشاركته في انتخابات احمد عز. وحصدت الكتلة 13% من الأصوات وان كان يغلب على التصويت للكتلة الطابع الطائفي. وحصلت الكتلة على 54% من أصواتها في القاهرة ثم الإسكندريةوأسيوط بينما حققت نتائج متواضعة في باقي المحافظات بلغت 2% في بورسعيد والفيوم و1% في كل من البحر الأحمر ودمياطوكفر الشيخ. أما حزب الوفد أحد أقدم أحزاب الليبرالية المصرية والذي بدأ المعركة متحالفا مع الإخوان ثم خرج ليخوض الانتخابات منفردا ويحصد 690 ألف صوت ويأتي في المرتبة الرابعة. كانت هناك فرص سابقة أمام حزبي الغد الذي جاء في المرتبة 14 والجبهة الديمقراطية والذي جاء في المرتبة 18 فقد تغير الوضع بعد الثورة خاصة مع المشاكل المتكررة للدكتور أيمن نور وتصريحاته الداعمة للحرية والعدالة، وبعد خروج الدكتور أسامة الغزالي من رئاسة الجبهة وإعادة تنظيمه. بينما ظهر فرس ليبرالي جديد وحقق نتائج غير متوقعة وهو حزب الإصلاح والتنمية الذي يرأسه الأستاذ محمد أنور السادات. لقد تأسس الحزب قبل الثورة ودخل في نزاعات قضائية انتهت بحصوله علي الترخيص وانضم لعضويته رجل الأعمال العائد رامي لكح وحصل الحزب على 185 ألف صوت في المرحلة الأولى وجاء في المركز السابع. ويعد وضع الحزب ملتبسا لدى الكثيرين حيث يراه البعض من أحزاب الفلول بينما يراه آخرون حزبا ليبراليا مستقلا لأن أنور السادات ورامي لكح تم اضطهادهما في عهد مبارك. أما باقي الأحزاب الليبرالية فقد جاءت حصتهم متواضعة ليخرج التيار الليبرالي بحصة 25% من أصوات المرحلة الأولى قوائم. فلول الحزب الوطني ظل فلول الحزب الوطني يتعاملون بحذر خشية صدور قانون العزل السياسي وحرمانهم من المشاركة السياسية. لكن المجلس العسكري ماطل في إصدار القانون حتى بدأت الجولة الأولى واصدر قانون مشوه يعطي الفلول فرصة للمشاركة. وعندما أصدرت محكمة القضاء الإداري في الدقهلية حكم بمنعهم من المشاركة، أصدرت المحكمة الإدارية العليا حكم بإلغاء حكم الدقهلية والسماح لهم بدخول الانتخابات التي خاضوها من خلال 10 أحزاب. يتركز نفوذ حزب مصر القومي في محافظات القاهرةوالإسكندريةوكفر الشيخ أما حزب الحرية الذي يرأسه عبدالرحيم الغول أحد رموز الفساد في عصر مبارك وتركزه الأكبر في محافظات الصعيد الفيوموأسيوط والأقصر. أما حزب رجل الأعمال أكرم قرطام فتركزه الرئيسي في القاهرة. وحزب الاتحاد الذي يرأسه الدكتور حسام بدراوي فتركزه الرئيس في كفر الشيخوالإسكندريةوأسيوط. أحزاب الفلول التي نشأت من الحزب الوطني بعد 25 يناير أسم الحزب رئيس الحزب عدد الأصوات التي حصل عليها مصر القومي أ. طلعت السادات 153,429 الحرية أ. عبدالرحيم الغول 136,784 المحافظين أ. أكمل قرطام 76,743 المواطن المصري م. صلاح حسب الله 67,603 الاتحاد د. حسام بدراوي 39,527 الثورة المصرية أ. طارق زيدان 36,975 مصر الحديثة د. نبيل دعبس 27,006 مصر الثورة أ. محمود مهران 26,804 المستقلين الجدد أ. محمد عبدالكريم 10,792 حراس الثورة أ. مجدي الشريف 5,895
قوى اليسار تعد قوى اليسار أضعف القوى السياسية التي خاضت معركة مجلس الشعب حيث أن الأحزاب التي خاضت الانتخابات لازالت في مرحلة التأسيس ورغم ذلك استطاع تحالف الثورة مستمرة اليساري الحصول على 3% من الأصوات والحصول على أكثر من 335 ألف صوت ويأتي في المركز السادس. ويتركز نفوذ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي أكبر أحزاب ائتلاف الثورة مستمرة في محافظتي القاهرةوالإسكندرية التي كان النائب المخضرم أبو العز الحريري على رأس قوائمها. بينما لم تحصل القوى القومية سوى على 42.3 ألف صوت من بين 10 ملايين صوتوا في المرحلة الأولى وذلك للحزب العربي الناصري والدستوري الاجتماعي الحر. وتحتاج هذه النتائج للمزيد من التحليل الذي نعرض له في أجزاء تالية. أحزاب شباب الثورة رغم تأسيس عدد من أحزاب شباب الثورة مثل العدل والذي جاء في المركز العاشر بحوالي 76 ألف صوت وفاز رئيس الحزب الدكتور مصطفى النجار بمقعد فردي في مواجهة تحالف السلفيين والإخوان في مدينة نصر. وحزب الوعي الذي يرأسه الدكتور شادي الغزالي والذي جاء في الترتيب 27 وحصل على 3,1 ألف صوت وخاض الانتخابات في دائرة واحدة فقط. أما ائتلاف شباب الثورة وحزب التيار المصري وحزب صوت الحرية والتحالف المصري والتي خاضت الانتخابات ضمن قائمة الثورة مستمرة والتي حصلت على 3% من الأصوات فهي لا تعكس نفوذا حقيقيا وسط الكتلة الانتخابية رغم وجودها القوي في ميدان التحرير. وتعكس تلك النتائج وجود فجوة تصويتية بين الناخبين وشباب الثورة رغم نجاح مصطفى النجار على المقعد الفردي وزياد العليمي على قائمة الكتلة المصرية. وربما يرجع ذلك إلى الالتباس الذي وضع الانتخابات في مواجهة الميدان، وأحداث ما بعد جمعة 19 نوفمبر ومواجهات محمد محمود والتي حازت على اهتمامات الائتلافات الشبابية لأكثر من أسبوعين. يفضل عدم التسرع في الحكم على نتائج المرحلة الأولى وإخضاعها للبحث والدراسة واستكمالها بنتائج باقي الجولات. لنصل إلى رؤية أكثر وضوحا لحجم المشاركة ووضع القوى السياسية في برلمان 2011 ومدى انعكاس ذلك على تشكيلة الجمعية التأسيسية التي ستضع الدستور الجديد.