فى تلك الحجرة المنعزلة، أطفأت الأنوار لتنير هى حياتى بلقطات متقطعة على حائط الوهم. أدرت " البروجيكتور" القابع بجوارى، ذلك الشاهد الصامت والخل الوفى الذى لا ينطق ولا يصدر صوتا سوى نكات متفرقة غير منتظمة. لكم أحبه رغم قدمه، بل وأفضله على تلك الأفلام السينمائية وشرائط الفيديو والقنوات الفضائية والأفلام "الأونلاين" و"التورنت" وكل تلك المظاهر العصرية التى تحمل بطياتها إيقاع العصر المجنون. أحيانا يختلط علىّ الأمر فلا أدرى هل أحبه من أجلها أم أننى أحبه بالفعل، وأن المزايا التى أراها فيه هل هى حقيقية أم أننى أخلعها عليه؟ هو ليس كالسينما يعرض لك فيلما كاملا بحلوه ومره، بل يعرض لك شرائح تضعها دون أن يزعجك بأزيز الشريط الدائر كما تفعل ماكينة عرض الفيلم السينمائى. لقطات متقطعة هى أبدع ما قمت بالتقاطه لها وهى تضحك أو تزيح خصلة من شعرها، أو تشير بإصبعها فى إنذار ضاحك ألا ألتقط لها صورة وهى تلعق آخر نقطة آيس كريم بقعر الكأس مستعينة بنفس الإصبع المذكور. يمكنك أن تتوقف ما شئت من الوقت عند كل لقطة، وأن تملأ عينيك منها حتى تشبع روحك، يمكنك أن تتجاهل فواصل الصور الباكية والغاضبة رغم تزاحمها فى ذهنك، وأن تسرح مثلى فى خيال لذيذ مع تلك اللقطات المثالية، وترتشف ما شئت من حلاوة الذكرى. ليت حياتى كانت مجرد " بروجيكتور" أضع فيه ما شئت من الشرائح التى تجمعنا، وأنفى كل تلك اللقطات الواقعية المؤلمة. فأمسح من ذاكرتى لحظة فراقها، ويوم زفافها، وأن أنسى يوم وفاتها، يوم أن بكيت سرا كى لا يعلم أحد كم كنت أحبها فيجرح سيرة ينبغى أن تظل عطرة. انتهت الشرائح ولم تنته الذكرى، ولمست بيدى " البروجيكتور" فوجدته ساخنا فأشفقت عليه وأطفأته، لأغرق لثوان كالدهر فى الظلام وأدير مفتاح النور الزائف، بعد أن غاب نور حياتى وظلاله بغياب آخر لمحة منها.