سقط نظام القذافي، وسقط نظام مبارك، وذهب نظام بن علي الى غير رجعة، وقبلهم اختفى نظام صدام حسين، جميعها أخبار أثلجت صدور الشعوب، وحتمًا ليس هذه الحكومات هي الأخيرة، بل ستقسط أنظمة أخرى مستبدة في دولنا العربية، فقد بدأ الريبع العربي، ولن يتوقف. وحلم الربيع العربي يراود العديد من شعوب عالمنا، وفتحت ثورتا مصر وتونس سبق الماراثون العربي نحو الحرية، لتمتد الى بلدان أخرى، جهرا وصمتا، وبدى الحديث عن التغيير أو الإصلاح لاستباق التغيير أمرا يعرفه القاصي والداني، وحديثا ممتدا، ينتهي إما بتظاهرات، وإما بقرارات نحو إصلاح يحد أو يمتص من غضب الشعوب المقهورة. كل شيء هذا جميل وحق لا يختلف عليه اثنان، ولكن يبقى السؤال الأساسي، هل التغيير يتم دمويا، أم سلمياً، هل ينهي الثوريون ثوراتهم بشكل دموي، السؤال يبقى ملحاً في حالة الثورة الليبية، فبعد أن هدأت الأمور نسبياً، يصبح من حقنا أن نسأل من قتل القذافي، وهو أسير؟ أعلم أن هناك تحقيقا وبحثا في هذا الشأن يقوم به المجلس الوطني الليبي، ولكن السؤال ليس عن التحقيق، بل حول خطورة هذا النهج في تعامل الثوريين مع عدوهم الأسير. كنت لا أرغب في الكتابة عن هذا الموضوع، ولست بحاجة لتوضيح موقفي من نظام القذافي الذي كان محكوما برجل بنصف عقل لأربعين عاما بدعم من أنظمة عربية كان يهمها أن يبقى الوضع على حاله، ولكن ما دفعني للكتابة ما طرحه علي صديق غير عربي، في أسئلة ضمن استبيان حول الثورات العربية بين الدموية والسلمية، وتعامل الثوريين مع أسراهم، وسؤال على معنى قتل الأسرى عمدا؟ وغيرها من التساؤلات. استأذنت الصديق صاحب الاستبيان في أن أنقل اجاباتي في هذه الكلمات، وقلت إن الثورات العربية بدأت سلمية وانتهت سلمية في مصر وتونس، لأن دور الأطراف الخارجية فيها لم يكن له مكان، وظلت سلمية حتى سقط النظامان في كلا البلدين، بالرغم من وقوع شهداء من الثوريين، وقتلى من الأطراف الأخرى، وهذا في حد ذاته ثمن الثورات. أما في حالة ليبيا فقلت إن غباء النظام في ليبيا، وعلى رأسه القذافي، أخطأ خطأ جسيما عندما تعامل مع الثوريين كأعداء، واستخدم الطائرات في قمع الثوار، ومن هنا بدأت الثورة تتحول من السلمية الى الدموية، إلا أن الدم سال بصورة أكبر وملأ الشوارع وفي الصحراء عندما تدخل الغرب "الناتو" في دعم الثورة، ورغم أن هذا كان مطلوباً، فإن تدخله أسال الكثير والأكثر من الدماء، وأخذت الثورة تنحو بقوة الى الدموية وبسرعة لتنتهي دموية. في الحالتين اليمينة والسورية، قلت في إجاباتي إن كرسي السلطة، والمحيطين به السبب في سيل الدماء، وأيضا بسبب الصمت العربي، وقصره على الدور الخليجي في حالة اليمن، والتأخر في الحالة السورية كما أنهما يدفعان الطريق نحو أنهار من الدماء، وان كان التسلح الشعبي، وضيق الأفق لدى النظام في اليمن هما الباب المفتوح للدخول في نفق الدموية، بينما يبقى النظام السوري، والعسكر منه بشكل خاص هو المتهم الأول في إدخال شعب ثورة سوريا في طريق الدم. وأشرت في إجاباتي إلى الحالة البحرينية، بالقول إن سرعة قمع ثورتها من منطلق طائفي، أضاع تفاصيل الصورة، بين السلمية والدموية، وان كانت الأبواب تظل مفتوحة لحين اجراء إصلاح شامل يقبل به كل الأطراف دون تدخّل من أطراف خارجية، لها حساباتها ومصالحها. وتبقى إجاباتي حول سؤال الاستبيان بشأن تعامل الثوريين مع أسراهم، فقلت إنها محصورة في الحالة الليبية، فقط، لأنها النموذج الدموي حتى الآن، عندما تعامل القذافي مع الثوريين على أنهم خونة فخاض حرباً، من طرف واحد، لتتحول مع الوقت الى حرب بكل معانيها، وبدعم غربي، ولكن يبقى أسوأ ما في نهاية الثورة ونجاحها، إنهاء حياة القذافي "الأسير" الى قتيل بيد مجهول حتى الآن، وسيبقى هذا مسيئا للثورة الليبية. وليس هذا دفاعًا عن القذافي، الذي كان يستحق محاكمة، ربما كانت ستكشف عن الكثير من التفاصيل التي تعري أنظمة عربية وغربية، ودورها في ابقائه في السلطة 42 عاما، قلت إن قاتل القذافي، هو من أراد أن يدفن معلومات، قد تفتح النيران على أنظمة قائمة، وقلت أنا مع من يقول إن ما حدث شيء به الكثير من الاشمئزاز، بالرغم من فرحتي بنهاية نظام قمعي.