الأخطر من قضية ولاية العهد في المملكة العربية السعودية، والتي يتوقع أن تحسم لصالح الأمير نايف خلال اجتماع ستعقده هيئة البيعة المكلفة بذلك رسميا، هو إشكال المستقبل الذي ينتظر العلاقة بين أحفاد الملك عبدالعزيز، الذين صاروا – بحكم الأمر الواقع – من بين المتنافسين على قيادة المملكة في وقت قريب. و يمنح نظام هيئة البيعة التي تأسست عام 2006، أحفاد الملك المؤسس الحق في تولي الملك، لكن تقاليد العائلة تجعل من ذلك مستحيلا، سيما في ظل حالات التداخل بينهم بعلاقات النسب التي تزيد الأمر تعقيدا. و يتصدر أربعة أحفاد، مشهد الخلافة في السعودية، ولكل منهم رصيده الخاص سواء على صعيد الوضع داخل العائلة أو لما يمتلكه من مؤيدين مؤثرين في قطاعات مؤثرة في حياة المجتمع. و يأتي في مقدمة الأحفاد الأقوياء الأمير محمد بن نايف، الذي يشغل حاليا موقع مساعد وزير الداخلية للشئون الأمنية، ففضلا عن دوره المؤثر في مواجهة الجماعات المتطرفة، التي حاولت اغتياله أكثر من مرة، يعرف عن الرجل علاقاته المتينة مع كبرى القبائل، و نفوذه الواسع في مناطق الدولة الأربع. و لا يقل الامير محمد بن فهد في الأهمية، فخلال حكم والده، تولى إمارة المنطقة الشرقية التي تحتل مكانة خاصة في الجغرافيا الاقتصادية و الديمجرافية السعودية كونها تضم منابع البترول، وأكبر عدد من السكان الشيعة. و تمثل تجربة الأمير محمد بن فهد للشارع السعودي، دليلا على قدراته السياسية، التي تبدت على نحو خاص خلال احتجاجات للشيعة الربيع الماضي، علما بأنه يلقى قبولا كبيرا على المستوى الخليجي لاعتبارات تتعلق بالتداخل السكاني. أما الأمير الثالث في معادلات المستقبل السعودي، فهو الأمير خالد الفيصل أمير مكةالمكرمة، و هو يحظى بدعم طرفين في غاية الأهمية، هما جماعة المثقفين بسبب دعمه للعديد من الأنشطة المهمة، مثل سوق عكاظ السنوي، و منتدى الفكر العربي، فضلا عن صحيفة "الوطن" التي تصنف كمعبر عن التيار العلماني داخل المملكة. و بعد 25 عاما من توليه المسئولية في إمارة عسيرجنوب السعودية، ولاه الملك عبدالله إمارة مكةالمكرمة، فيما اعتبره كثيرون تزكية مستقبلية له، باعتبار أن رعاية المناطق المقدسة هي المصدر المعنوي لشرعية نظام الحكم السعودي. و من بين أبناء ولي العهد الراحل الامير سلطان بن عبد العزيز، تتوزع فرص التأثير في المستقبل بين الأمير بندر رئيس جهاز الأمن القومي وسفير الرياض الشهير بواشنطن، وهو يستمد قوته من دوره المؤثر في السياسة الخارجية السعودية، لكنه بلا شعبية حقيقية داخل الشارع السعودي، والأمير خالد بن سلطان، الذي يملك سجلا عسكريا حافلا، أهله لشغل منصب مساعد وزير الدفاع، ومن ثم قيادة عمليات صد ما سمي الهجوم الحوثي على الأراضي السعودية في عام 2009. و تمثل مناسبة اختيار وليا جديدا للعهد، أول اختبار حقيقي لهيئة البيعة، حيث كان السائد في الماضي أن يجري تحديد من يصبح وليا للعهد سرا بواسطة الملك ومجموعة صغيرة من الامراء ذوي النفوذ، وبموجب القواعد الجديدة فان هيئة البيعة التي تمثل كل فرع من فروع عائلة ال سعود يجب أن تجري تصويتا على من اختاره الملك عبد الله وليا للعهد. وللهيئة ممثل عن كل فرع من أفرع ال سعود من أبناء الملك عبد العزيز بن سعود مؤسس المملكة، والى جانب من ما زالوا على قيد الحياة من أبنائه فان هذا يشمل أيضا الاحفاد الذين يمثلون الملوك والامراء الذين توفوا بالفعل أو حالاتهم الصحية ليست جيدة بشكل يسمح بمشاركتهم. و يشترط نظام الهيئة تعيين وليا للعهد خلال 30 يوما من تولي الملك الجديد العرش، ويرشح الملك اسما أو اثنين أو ثلاثة ليصبح وليا للعهد وتصوت هيئة البيعة لموافقة على اختياره أو تختار أحد مرشحيه، اذا لم تجد الهيئة أيا من مرشحيه مناسبا فيمكنها أن تختار مرشحا من أحد أبناء أو أحفاد بن سعود، وفي ابتعاد عما كان متبعا سابقا فان للهيئة القول الفصل في الخلافة بدلا من الملك. و في حالة مرض الملك يمكن للهيئة أن تشكل لجنة طبية لإعلان عدم قدرته على الحكم ونقل السلطة مؤقتا الى ولي العهد، وبعد أن أصيب الملك فهد بجلطة عام 1995 فان قدرة الملك عبد الله على الحكم باعتباره وليا للعهد كانت مقيدة لانه كان مجرد وصي على العرش دون توليه المنصب رسميا. واذا أظهر تقرير طبي اخر أن الملك غير قادر على استئناف مهامه فيمكن لهيئة البيعة أن تولي ولي العهد العرش بدلا منه، واذا كان كل من الملك وولي العهد مريضين يمكن لهيئة البيعة تشكيل سلطة انتقالية من خمسة أمراء لتولي المسؤولية الى حين تعافي أي من الاثنين. و اذا أظهر تقرير طبي أنهما لن يتعافيا لابد أن تختار الهيئة ملكا جديدا خلال أسبوع من بين أبناء أو أحفاد مؤسس المملكة. و قديما، كانت الخلافة في السعودية تولى لاحد أبناء الملك عبد العزيز مؤسس المملكة الذي توفي عام 1953، وحتى الان أصبح خمسة أخوة ملوكا ونحو 20 ما زالوا على قيد الحياة والكثير منهم تجاوزوا الثمانين عاما. وإذا كانت عملية انتقال الخلافة من الملك الراحل فهد الى الملك عبد الله عام 2005 قد تمت في سهولة ويسر الا ان التاريخ يشهد أزمات في فترات سابقة، فقد خلعت أسرة ال سعود ثاني ملوك السعودية الملك سعود عام 1964 عندما اعتبرته غير كفء بعد صراع على السلطة مع أخيه غير الشقيق فيصل، وقتل أحد أبناء الاخوة الملك فيصل والذي أعلن لاحقا رسميا أنه مختل.