عباش شراقي يكشف تفاصيل فيضانات السودان    التأمين الصحي والمعاشات.. تفاصيل اجتماع مجلس نقابة المحامين    موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 في مصر للقطاعين العام والخاص والمدارس    وزير العدل يُكرم رؤساء مصلحة الطب الشرعي السابقين.. ويتسلم دِرع المؤتمر الدولي السادس    معهد التخطيط القومي يستقبل الممثلة الجديدة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مصر    موعد صرف مرتبات أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2025 للمعلمين.. أماكن الصرف    البنك الزراعي المصري يحمي بيانات بطاقات الدفع من الاختراق بمعايير عالمية    أكسيوس: مصر وقطر وتركيا تدعو حماس إلى قبول خطة ترامب بشأن غزة    الإنتر ضد سلافيا براغ.. النيراتزوري يحسم الشوط الأول بثنائية "فيديو"    «الأوروبي للدراسات»: أوروبا وروسيا على حافة مواجهة مباشرة مع تصاعد الخروقات    وزير الحرب الأمريكي: لن نقبل تعيين جنرالات يعانون من السمنة (فيديو)    «عدنا أمة غنية».. ترامب: عدم حصولي على نوبل إهانة للولايات المتحدة (تفاصيل)    صدمة لجماهير الأهلي بشأن حسين الشحات بعد مباراة القمة    بينتانكور يقترب من تجديد عقده مع توتنهام    مصرع وإصابة 14 شخصاً في حادث انقلاب ميني باص بنفق سعد الدين الشاذلي    جمارك مطار الإسكندرية الدولي تضبط تهريب هواتف محمولة مستعمله    مصطفى غريب يلفت الأنظار في العرض الخاص لفيلمه «فيها إيه يعني»    وفاء حامد: أسعار النفط إلى قفزة كبيرة... وأحداث غامضة تربك العالم    خبير سياسي ل"كلمة أخيرة": خطة ترامب لغزة "اختراع إسرائيلي".. ونتنياهو لن يلتزم بها    أول ظهور إعلامي.. داليا الخطيب تستضيف بطل «ضي»    هل يجوز للمرأة اتباع الجنازة حتى المقابر؟.. أمين الفتوى يجيب    دينا أبو الخير: تربية البنات طريق إلى الجنة ووقاية من النار    أمين الفتوى: احترام كبار السن أصل من أصول العقيدة وواجب شرعي    وكيل صحة سيناء يحيل المتغيبين بالمخزن الإقليمي للأدوية إلى التحقيق    «الرعاية الصحية» تطلق 6 جلسات علمية لأحدث التدخلات القلبية وبروتوكولات علاج قصور القلب    الصحة تكشف أعراض فيروس «اليد والقدم والفم» وطرق الوقاية منه    ولي العهد يتسلم أوراق اعتماد سفراء عدد من الدول الشقيقة والصديقة المعينين لدى المملكة    "أنا حاربت إسرائيل".. الموسم الثالث على شاشة "الوثائقية"    بلاغ ضد فنانة شهيرة لجمعها تبرعات للراحل إبراهيم شيكا خارج الإطار القانوني    محافظ قنا يسلم عقود تعيين 733 معلمًا مساعدًا ضمن مسابقة 30 ألف معلم    وزير الإسكان يُعلن بدء تسليم وحدات مشروع "ڤالي تاورز إيست" بالعبور الجديدة ضمن مبادرة "بيتك في مصر"    أيمن عبدالعزيز: الزمالك لعب أمام الأهلي 80 دقيقة بلا مدرب    اليوم.. البابا تواضروس يبدأ زيارته الرعوية لمحافظة أسيوط    زينة أشرف عبد الباقى: أشعر بتوتر كبير فى العمل مع والدى    المبعوث الصينى بالأمم المتحدة يدعو لتسريع الجهود الرامية لحل القضية الفلسطينية    «العمل» تجري اختبارات جديدة للمرشحين لوظائف بالأردن بمصنع طوب    "زراعة الفيوم" تنظم ندوة إرشادية حول محصول الكانولا كأحد المحاصيل الزيتية الواعدة    اعرف مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-9-2025 في بني سويف    وزير التربية والتعليم يصدر قرارًا وزاريًا بشأن حافز التفوق الرياضي    الأمم المتحدة: لم نشارك في وضع خطة ترامب بشأن غزة    انتشال جثمان ضحية جديدة من أسفل أنقاض مصنع البشبيشي بالمحلة    برج القاهرة يتزين ب لوجو واسم مستشفى الناس احتفالًا ب«يوم القلب العالمي»    تعليم مطروح تتفقد عدة مدارس لمتابعة انتظام الدراسة    اتحاد الكرة يعتمد حزمة دعم شاملة للأندية    «الداخلية»: تحرير 979 مخالفة لعدم ارتداء الخوذة ورفع 34 سيارة متروكة بالشوارع    عرض «حصاد» و «صائد الدبابات» بمركز الثقافة السينمائية في ذكرى نصر أكتوبر    الملتقى الفقهي بالجامع الأزهر يحدد ضوابط التعامل مع وسائل التواصل ويحذر من انتحال الشخصية ومخاطر "الترند"    قافلة طبية وتنموية شاملة من جامعة قناة السويس إلى حي الجناين تحت مظلة "حياة كريمة"    مصرع 7 عناصر إجرامية شديدة الخطورة في تبادل لإطلاق النار مع الشرطة بالبحيرة    صلاح أساسيا في تشكيل ليفربول المتوقع أمام جالاتا سراي    انكماش نشاط قناة السويس بنحو 52% خلال العام المالي 2024-2025 متأثرا بالتوترات الجيوسياسيّة في المنطقة    مانشستر يونايتد يجهز «الخطة ب» تحسبا لإقالة أموريم    التحقيق مع شخصين حاولا غسل 200 مليون جنيه حصيلة قرصنة القنوات الفضائية    ضبط 5 ملايين جنيه في قضايا اتجار بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    منتخب مصر بالأحمر والأبيض ونيوزيلندا بالأسود فى مباراة اليوم بكأس العالم    مهن المستقبل.. جدارات متجددة    الأهلي يصرف مكافآت الفوز على الزمالك في القمة للاعبين    "حياة كريمة" و100 مليون صحة.. السيسي يستعرض أبرز المبادرات الوطنية لتحقيق التنمية الشاملة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السخرية في قصص "سعادة السوبر ماركت"
نشر في المشهد يوم 15 - 10 - 2011

تدور الدلالة المعجمية لكلمة "سخرية" بشكل عام حول دلالات التهكم، الاستهزاء، الضحك، الاستعلاء، التعجب، الحط من القدر، ووضع الأمر في غير مكانه: "أتضعني فيما لا أراه من حقي، وكأنها صورة السخرية"، كما جاء في " لسان العرب".
وعلى المستوى المفاهيمي، تعني السخريةُ المفارقةَ الناتجة عن التعارض بين ما يمكن أن يتوقع وما يحدث فعلا، وتتخذ هذه المفارقة أشكالا عدة، بدءًا من السخرية اللفظية، المعارضة على مستوى اللفظ، والسخرية الظرفية، المفارقة الناتجة عن مخالفة النتائج للمقدمات، والسخرية القدرية، التفاوت بين رغبات الإنسان وطموحاته ومشيئة القدر وأياديه، والسخرية الدرامية، والسخرية السوداء..... إلخ.
وفي "سعادة السوبر ماركت" المجموعة القصصية الثانية للقاصة ضحى عاصي، تعتمد الذوات الساردة السخريةَ آليةً من آليات القص، ومسارًا من مسارات رحلة الوصول إلى غاية الكتابة، وهي التطهير على المستويات النفسية، الاجتماعية، والسسيوثقافية، ولذا تعددت مسارات السخرية ذاتها في نصوص المجموعة، وتنوعت أشكالها من لفظية، ظرفية، قدرية، سوداء، وسخرية مجانية أيضا، وامتدت هذه الأنواع إلى مواضعات متنوعة في المجموعة، ابتداءً من العناوين، لغة السرد، لغة الشخوص، انتهاءً بالدلالة الكلية للقصة.
يطالعنا غلاف المجموعة بعنوان ساخر "سعادة السوبر ماركت"، وتحوي مفردة السعادة دلالتين هما دلالة الفخامة، والسيادة، ودلالة الفرح أو السرور، وفي كلتا الحالتين ثمة سخرية مفادها التهكم من سيطرة ثقافة الاستهلاك؛ فتفخيم السوبر ماركت وإكسابه السيادة يضعنا أمام عالم حيواني، لا يشغل بال أفراده سوى "حشو المصارين" بتعبير الفاجومي فؤاد نجم.
وإذا اعتبرنا - كما في قصة "تمثيلية" الواردة بها عبارة "سعادة السوبر ماركت"- أن الدلالة المقصودة هي الفرح أو السرور، السعادة نقيض الشقاء، فمن البديهي أن نتساءل عن نوعية السعادة التي يحققها السوق، والتنقل بين ردهاته بعنجهية لانتقاء اللانشون، والبسطرمة، والجبن دوبل كريم، ونتساءل عن الفرح الناتج عن خرفشة الأكياس التي توحي أن الغنائم كثيرة، كل هذه الأشياء تؤكد أننا في عالم تبحث شخوصه عن انتصار وهمي، وأن هذا العالم غدا حقا "بلاي استيشن."
وتعنون الساردة آخر قصص المجموعة بعنوان ساخر "حلوة يا بلدي"، الذي يكتسب دلالته الساخرة من أحداث القصة، وحسب مفهوم التعريض؛ المقصود خلاف المنطوق، المكتوب، فإن بلادنا ليست حلوة بالمرة، حيث يحتاج المرء فيها إلى قوة أمنية للحصول على حقوقه القانونية والمهدرة من قبل رجال الأمن أيضا، وربما تشير الساردة إلى أجزاء بلادها التي عجزت عن دخولها بشكل شرعي بسمات الجمال "والحلاوة"، أما المناطق التي تسكن فيها الساردة، فتصدر دائما الوجه العبوس، والطريف في الغرض، أن القاهرة - بكل ما فيها - أصابت الساردة بالملل، وحين بدأت في الرحيل عنها، بدت المدينة مشمسة، رقيقة، مريحة، على غير عادتها، وهي إشارة صعبة الوقع في نفوسنا.
السخرية من الذات
وتتسلل السخرية من العناوين إلى الذوات الساردة والشخوص القصصية، لتسخر كل شخصية من ذاتها، خاصة إذا كانت الذوات مأزومة، متناقضة، مترددة، تعاني القلق، التوتر، الكبت الجنسي، وكبت الآخرين، ففي قصة "ليلة مايسة" تتطلع الشخصية إلى جسد بشري ينام بجوارها، فقط ليشع حرارة إنسانية؛ حيث "إذا اشتكت إحدى صديقاتي من ضعف زوجها، أضحك في سري قائلة "دي حاجة تزهق ينام جنبي زي أختي" كنت أشعر بالغيرة والاستغراب، وأود أن أقول لها "لو مش عاجبك هاتيه" أو صديقة تشتكي من شخير زوجها، أضحك في سري قائلة "الشخير أحسن من صمت الجدران"، لكنها حينما تعتقد أنها حققت حلمها، عن طريق الزواج من رجل أرمل، وبينما هي غارقة في ذكرياتها سمعت صوتا لم تعهده من قبل، صوت شخير الزوج "نام وبيشخر"، فتسخر من ذاتها عندما تتضايق من ذلك، فتتذكر أن هذا الصوت كان يوما شيئا تتمناه، وفي رأينا، أن المفارقة الناتجة من الفشل في تحقيق الحلم بعدما تظن الشخوص الاقتراب من تحقيقه، أو الاعتقاد في تحقيقه فعلا، يؤدي إلى نوع من السخرية.
وفي قصة "أيها الملك العادل" تسخر الذات الساردة من نفسها؛ حيث نلاحظ أن كل الوسائل التي أشارت بها لسعادة المرأة وسائل مادية، أو بالأحرى استحالت الوسائل غير المادية "القيمية" عند الساردة إلى وسائل مادية محضة، مكالمة التليفون، هدية متواضعة، عدد 2 وردة، هدية قيمة مرة كل سنة، في حين أن الملك العادل، المتخيل أشار على الرجال بوسائل مادية ومعنوية معا، "كلمتين حلوين، وحشتيني يا حبيبتي، أنت أجمل ست في العالم"، ويعد موقف الساردة نوعا من السخرية، ف"بخمسين قرشا" تشتري راحة بالك.
كما أضافت الساردة إلى الملك، رغم انحيازه للمرأة، المنطق الذكوري، بوصم المرأة بنقصان العقل والدين، أو تنطقه بمنطقها "شوية حاجات تافهة" كجملة ساخرة، وكجلدة لذاتها تضاف إلى جلدات الواقع المعاش.
واتفاقا مع مفهوم و روبول حول كون اللغة الميدان المفضل للأيديولوجيا؛ حيث تمارس وظيفتها الخاصة، والذي يتوازى مع مفهوم كلود ليفي شتراوس الرابط بين اللغة والثقافة، باعتبار الأولى الأداء الأساسية والوسيلة الممتازة التي تتمثل بواسطتها ثقافة المجموعة التي تنتمي إليها، تقوم الذات الساردة بالحفر السردي في الوعي الراهن لطبقة البرجوازية الصغيرة، كاشفة عن تناقض أخلاقيات هذه الطبقة عبر التناقض الدلالي للمدلول الواحد في وعي أبنائها، ويتمثل ذلك في قصة "حلاوة شمسنا"، فصورة الطفلة ياسمين بالجلابية الفلاحي والمنديل في إحدى الجرائد الأمريكية أثناء أدائها استعراض " حلاوة شمسنا"، هي الصورة التي طبعت في ذهن السارد، وهي الصورة التي حركت مشاعره تجاه ياسمين، والمحفز بعد مرور سنوات للتقدم لخطبتها، متحديا منطق والدته الرافض للبنت التي كانت تتراقص على المسرح، وغير مبال، بشكل أولي، بلغة زملائه وإطلاقهم على ياسمين لقب " ياسمين حلاوة شمسنا". وهذه الصورة/ المدلول حمل دلالة الرفض من السارد نفسه، لتعيش ياسمين بوصمتي عار؛ طلاقها ثان يوم زواجها، وحلاوة شمسنا.
والسخرية موقف في حدها، والتعبير عنه إجراء عملي في مواجهة تناقضات العالم وثنائياته، التي تسعى الساردة إلى تقويض وتفكيك خطابها، والمستند إلى هذه الثنائيات، مفضلا طرفا عن الآخر. وهنا تقوم الذات بالكشف عن هذه الضديات في أقسى حدودها، والحد الخفي خاصة، لفضحها أمام منتجيها ومتلقيها حدّ السواء. ومثلما يفضل الخطاب السائد والموروث أحد الثنائيات، ويتمركز حولها متلقو هذا الخطاب، تقوم القاصة بالانتصار لدلالة بعينها، والمفارقة هنا أن هذا الانتصار يتم عبر الشخوص الذين رفضوا هذه الدلالة وسخروا منها، لتسخر القاصة بدورها من هؤلاء الشخوص ومنطقهم.
السخرية المجانية
ورغم أننا لسنا أمام أدب ساخر إلا أن السخرية المجانية تسللت إلى نصوص المجموعة، بقصد، ومع سبق إصرار الكاتبة في السخرية من الجميع، في قصة "بالونة"؛ حيث تسخر من ذلك الإعلامي الذي توهم أنه حقق نجاحا كبيرا على المستوى الأسري، والمستوى المهني، ولكن عند حدوث أول حادث عارض، يتكشف له مدى قبح ما حقق، وبؤس ما صنع، وتأتي السخرية المجانية في نهاية القصة، عندما يتحقق المتلقي أن الحادث بأكمله مسئول عنه "سيد اللي شغال ف الفرنة اللي ف الميدان"، وهي نهاية كاريكاتورية، ولكنها مجانية، وغير مبررة؛ فضلا عن كون السخرية المجانية هي أقسى أنواع الإهانة والاستهزاء، وهو ما لا يمكن أن تتحمله القصة ولغتها.
أخيرا يؤكد جورج لوكاتش أنه إذا لم يتم رسم الشخصيات بواسطة الحدث، فإن القصة تستحيل إلى تصوير الحالة المزاجية أو التحليل النفسي، وهو ما تبين للقاصة ضحى عاصي فجعلت من الأحداث طريقا لبناء الشخوص واستيضاح وعيهم، ومن ثم تعريته، وكشف التناقضات داخل هذا الوعي بأساليب قصصية جديرة بالتأمل والقراءة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.