تسببت أحداث ماسبيرو فى إعادة مناخ التوتر بين الكنيسة والدولة والتى كان آخرها فى نهاية حكم الرئيس الراحل أنور السادات بعد أحداث الزاوية الحمراء، وبالرغم من وجود بعض الخلافات بين الكنيسة وتحديدا البابا شنودة والرئيس السابق حسنى مبارك إلا أنها لم تصل إلى هذه الدرجة التى وصلت لها مع المجلس العسكري مؤخرا، وكان أكثر الأوقات احتقانا بين الكنيسة والدولة أثناء أزمة وفاء قسطنطين عام 2004 وحينها اعتكف البابا فى دير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، ولكن لم تصل الأمور إلى درجة الصلاة والصوم التى أعلنها المجمع المقدس والذى يعد أعلى سلطة كنسية ويرأسه أقدم الأساقفة والمطارنة، وهو ما يعنى انسداد قنوات الحوار بين الكنيسة والدولة إلى حين. وصرح مصدر كنسي ل "المشهد" بأن الكنيسة تحافظ على ضبط النفس وتحاول تهدئة ملايين الأقباط الغاضبين من جراء سياسة الدولة والتى تعمل على تهميشهم وعدم حل مشاكلهم ومؤخرا التهاون مع كل من يعتدى عليهم، وخاصة ما شهده الأقباط من اعتدءات ليلة رأس السنة فى كنيسة القديسين بالاسكندرية ثم حرق وهدم كنيسة صول بأطفيح، وحرق كنيسة العذراء بامبابة ثم كنيسة المريناب بأسوان، وكل هذه الحوادث لم يتم التحقيق فيها ولم يتقدم أحد للقضاء، فالكنيسة تحترم سيادة القانون ولكن الدولة تتهاون وتتنازل عن سيادتها لبعض المتطرفين دون أى محاولة منها لردعهم، وعلى الدولة ممثلة فى المجلس العسكري والحكومة تحمل تبعيات ردود الفعل الغاضبة داخل وخارج مصر من جراء ما حدث فى ماسبيرو، بعد أن نقلت كل وسائل الاعلام العالمية منظر مدرعات القوات المسلحة وهى تدهس المتظاهرين الأقباط، وقرار الصلاة والصوم هو أعلى درجات الاحتجاج السلمى من الكنيسة على ما حدث ويحدث للأقباط تحت أعين الدولة. وحمل الدكتور محمد نور فرحات أستاذ القانون الدستوري المجلس العسكري مسئولية الصدام بين الدولة والأقباط لعدم اتخاذ مواقف حازمة تجاه تصاعد أحداث العنف الطائفي والاعتداء على الأقباط وكنائسهم، محذرا من المرحلة المقبلة أثناء الدستور الجديد فى ظل عراقيل وصول الأقباط إلى البرلمان بالانتخاب، واعتماد الأنظمة الحاكمة السابقة على التعاون مع الكنيسة لحصار الأقباط والانفراد ببعض القرارات حتى لا يتم الاصطدام بالتنوع القبطى، ولكن الكنيسة الآن فى موقف لا تحسد عليه بسبب تراخى الحكومة فى الحل من ناحية وغضب الأقباط من ناحية آخري. وقال سمير مرقس عضو المجلس القومى لحقوق الانسان إن وقت الحلول الجذرية قد بدأ وعلى كل الأطراف تحمل مسئوليتها فى ظل اللحظة التى تمر بها البلاد، وإنه من الضرورى حسم الملفات الشائكة والمعلقة منذ سنوات، مشيرا إلى أنه لو كانت الحكومات المختلفة اهتمت بتوصيات الدكتور جمال العطيفى فى أول لجنة تقصى حقائق بعد أحداث الخانكة عام 1970 ما كان المجتمع شهد كل هذه الحوادث والتطورات التى شهدها المجتمع، مطالبا بالصراحة والشفافية فى الخروج من اللحظة الراهنة. واعتبر القس أندريه زكى نائب رئيس الطائفة الانجيلية بمصر أن ما حدث فى ماسبيرو من مصادمات بين بعض المسيحيين وعدد من أفراد القوات المسلحة والشرطة هو عمل مرفوض من الأشكال كافة وان أيادي خفية لعبت دورا مهما في تأجيجها، بهدف التأثير على استقرار البلاد وبخاصة في هذه المرحلة الفارقة في حياتها، مطالبا أبناء الوطن للتصدي لمثل هذه الأحداث، وفتح باب التحقيق على مصراعيه بكل شفافية، مطالبا بتطبيق القانون على الجميع، وسرعة إصدار قانون بناء دور العبادة الموحد، الذى ما لبث أن خرج من الأدراج ثم عاد إليها حبيسا مرة أخرى. كما أهاب بالحكومة الاضطلاع بمسئولياتهم في مواجهة مثل هذه الأحداث التي باتت متكررة في المرحلة الأخيرة. من جانبه انتقد ماجد أديب الناشط الحقوقى تراخى الدولة فى معالجة ملف التوتر الطائفي، وانه من غير المعقول أن يتم هدم وحرق ثلاث كنائس بعد ثورة يناير ولا يتم تقديم أى جان للنيابة أو يتم اصدار أى حكم، ويتم انهاء الأمور بجلسات الصلح العرفية، وهو ما تسبب فى احتقان المجتمع وارسال رسائل تؤكد مباركة الدولة لمن يقوم بهدم كنيسة أو حرقها ومنحه صلاحيات وضمان عدم ملاحقته قضائيا وهو ما كان. وأكد أديب أن لجوء الأقباط إلى الصلاة والصوم رسالة غاية فى الأهمية لأنها تحرج المجلس العسكري والحكومة، وتعنى أن الكنيسة لم تعد تثق فى نية الحكومة أو المجلس العسكري، ولم يعد لدى الكنيسة أى مساحة للتفاهم بعد أن تعرضت خلال الفترة الماضية للضغوط من اجل عدم التصعيد فى مقابل عدم اتخاذ أى قرارات على الأرض يمكنها إعادة الأمور إلى نصابها، وهذه الرسالة بعد نشرها فى مختلف وسائل الاعلام الأجنبية ستضع السلطة الحاكمة فى مصر فى موقف كثير الاحراج لأنه تهاون وتراخى كثيرا فى حل المشكلات المعروفة وتم تقديم حلول كثيرة عبر مؤسسات حقوقية ومدنية، بل إن المجلس القومى لحقوق الانسان وهو مجلس تابع للدولة قدم توصياتغاية فى الأهمية بهذا الملف منذ تأسيسه ولكن للآسف الحكومة لم تنصت.