عام 1976 عندما أضرب عمال هيئة النقل العام، كنا نخرج في مظاهرات الجامعة نهتف "ياعمال النقل العام ، اضرابكم خطوة لقدام " . والآن بعد أن أعلن عمال النقل العام تعليق إضرابهم الذي بدأ منذ أسبوعين، أصبح من الواجب أن نلتقط الأنفاس ونتأمل ما حدث؟!. لقد أعلنت رئيسة الهيئة أن البلبلة التي حدثت سببها تصريحات المسؤولين حول تخصيص 128 مليون جنيه إضافي لموازنة الهيئة وهو ما ثبت كذبه، أما أحمد البرعي الذي يدعي أنه وزير الحريات النقابية فقد نعت عمال النقل العام بأنهم بلطجية ليضيف نقطة جديدة لسجله الأسود المعادي لحقوق العمال. بداية هناك خلط حدث لدي الكثير من العمال والموظفين بشأن زيادة حافز الإثابة 200% وهو ما فجر إضرابات المعلمين والنقل العام، فقد أصدر المشير محمد حسين طنطاوي المرسوم بقانون رقم (51) لسنة 2011 بربط الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2011/2012 ، وقد جاءت المادة (11) من قانون ربط الموازنة لتنص علي ما يلي: " اعتباراً من 1/7/2011 تزاد الحوافز المقررة للعاملين المدنيين بالوزارات والمصالح والأجهزة التي لها موازنة خاصة بها والهيئات الخدمية ووحدات الإدارة المحلية أو ما يتقرر لهم من حافز ، بحيث لا تقل جملة ما يتقضاه كل منهم من مكافآت دورية أو سنوية أو حوافز أو مقابل جهود غير عادية أو بدلات أو غير ذلك عن 200%من المرتب الأساسي ، ولا يدخل في حساب تلك الزيادة أو ما يتقرر من حافز كل من مكافآت جذب العمالة وبدل التفرغ وبدل الإقامة في المناطق النائية وبدل ظروف ومخاطر الوظيفة ". ويصدر الوزير المختص بالتنمية الإدارية بالاتفاق مع وزير المالية القرارات اللازمة لتنفيذ هذه المادة". لم يعى معظم المحتجين وضع اللغم الموجود في المادة 11 من قانون ربط الموازنة، لأنه يتحدث على ألا تقل جملة ما يتقضاه العاملون من مكافآت وحوافز عن 200% من المرتب الأساسي، وهو يطبق علي عمال وموظفي الجهاز الإداري للدولة والمحليات والهيئات الخدمية الخاضعين لقانون الموازنة العامة للدولة فقط وغالبيتهم يحصلون على مكافآت وبدلات تزيد على 200% وبالتالي لن يستفيدوا شيئا إضافيا لأن المكافآت والبدلات تشكل 82% من أجورهم الشاملة، أما الهيئات العامة الاقتصادية ومنها هيئة النقل العام فهي خارج الموازنة ومن ثم لا تخضع للمادة 11. ظن عمال النقل العام والكثير من عمال مصر أن الحافز 200% هو زيادة إضافية على ما يتقاضوه بما يشكل تعديل حقيقي للأجور المنخفضة التي يحصلون عليها، لكنها مجرد حيلة للتلاعب بالعمال والالتفاف على تحديد حد أدني وحد أقصي للأجور. مطالب عمال النقل العام تلخصت مطالب عمال النقل العام فيما يلي: 1. ضم الهيئة إلى وزارة النقل والمواصلات، بدلاً من تبعيتها للمحليات بمحافظة القاهرة. 2. تحديث أسطول النقل الحالي بالهيئة، وتحسين أوضاع الهيئة ليتسنى تقديم خدمة جيدة للجمهور. 3. صرف حافز الإثابة ال200% أسوة بالعاملين بالدولة. 4. الحصول على مكافأة نهاية الخدمة 100 شهر . 5. إنهم وفقا للموازنة العامة هيئة اقتصادية ورغم ذلك لا يحصلون علي ال 7% العلاوة السنوية للهيئات الاقتصادية ولا يحصلون على حصة فى الأرباح السنوية، وإن أكبر علاوة اجتماعية يتقاضونها لا تزيد على 4 جنيهات منذ عام 1994. 6. تحويل الهيئة إلى هيئة عامة خدمية داخل الموازنة العامة لأن الخسائر التي تتحملها الهيئة نتيجة تحديد الدولة لتعريفة الركوب. 7. صرف زى رسمى للعاملين بالهيئة. 8. الحصول على رعاية صحية جيدة. 9. سرعة تسوية التأمينات الاجتماعية، حيث تحدث إصابات لبعض العمال أو يخرجون للمعاش فيجدون الهيئة خصمت منهم التأمينات الاجتماعية ولم تسددها بما يعرضهم للمخاطر. 10. تسوية حالات الحاصلين على مؤهلات عليا أثناء الخدمة. هذه أهم المطالب التي رفعها عمال النقل العام في إضرابهم الذي استمر لأكثر من أسبوعين، توجد مطالب مشروعة للعمال مثل تحويلهم لهيئة خدمية ونقل تبعيتهم لوزارة النقل وهى مطالب يمكن تنفيذها دون تحمل الدولة أي أعباء جديدة، كما أن مطالبة عمال الهيئة بتحسين الخدمات والصيانة وتحديث أسطول النقل لتقديم خدمة جيدة للجمهور هو أحد أهم المطالب التي تعكس وعي عمالي راقي يسعى لكسب دعم وتأييد الجمهور للإضراب، لأن الهدف تحسين الخدمة وتحسين دخول عمال الهيئة، وكذلك موضوع الزي الموحد كمظهر حضاري يعطي صورة مختلفة عن الهيئة. أما مطالبهم الخاصة بسداد اشتراكات المعاشات التي تم اقتطاعها منهم وتحسين خدمات التأمين الصحي فهي كذلك حقوق مشروعة يمكن تنفيذها فوراً ولا يوجد مبرر لتأجيلها أو المماطلة في تنفيذها، أما زيادة مكافأة نهاية الخدمة إلى 100 شهر فهي تخص صندوق العاملين بالهيئة ولا تخص النظام العام وهى تحتاج لعمل دراسة اكتوارية تدرس عددا من ستتم إحالتهم للمعاش على مدى السنوات المقبلة وقيمة الاشتراكات بحيث يمكن أن تصل إلى 100 شهر كما هو الحال في عدة مشروعات أخرى ومنها شركة الحديد والصلب المصرية على سبيل المثال. يمكن أن يعد الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة ووزارة المالية الدراسات اللازمة لتحويل الهيئة إلى هيئة خدمية ونقل تبعيتها إلى وزارة النقل وهو ما يحتاج لصدور مرسوم بقانون من المجلس العسكري، وكذلك تسوية حالات الحاصلين على مؤهلات أثناء الخدمة والذين تنظبق عليهم الشروط المطبقة علي باقي وحدات الدولة. ملاحظات حول إضراب النقل العام أولاً - أهم ما يميز الاضراب أنه استمر أسبوعين وأن قيادته جاءت من النقابة المستقلة التي تعبر عن مصالح وحقوق العمال أكثر من النقابة القديمة التي وقفت من البداية ضد الإضراب، ولكن للأسف مع طول فترة الإضراب استطاعت الحكومة تفكيك وحدة العمال والتلاعب بهم وشق وحدة النقابة المستقلة وهو ما يحتاج لمعالجة لتعود النقابة المستقلة موحدة لتدافع عن حقوق عمال النقل العام وتقطع الطريق على عودة النقابة الصفراء. ثانياً – رفع الإضراب منذ البداية مطلب تحسين الخدمة ليكتسب تعاطف الجمهور الذين تعطلت مصالحهم على مدى أسبوعين وهم أكبر داعم للإضراب ونجاحه، لكن خروج بعض العمال لقطع شارع القصر العيني وشارع جسر السويس هو خطأ أدى لاستعداء الجمهور ضد الإضراب والمضربين، بينما كانت وقفتهم أمام مجلس الوزراء صحيحة، ولكن تعطيل مصالح المواطنين لن يدفع الرأسمالية الحاكمة وعصابات اللصوص لسرعة الاستجابة للمطالب بل سيؤدي لقمع الإضراب وسخط الجمهور . ثالثاً – لجأ بعض العمال إلى أسلوب الإضراب عن الطعام وهو خطا كبير لأن الإضراب عن الطعام ليس أسلوب للكفاح العمالي، العمال أمامهم الإضراب التباطوئي والجزئي والشامل والاعتصام والتظاهر والوقفات الاحتجاجية، لكن الإضراب عن الطعام أسلوب غير صحيح بل وراح ضحيته أحد العمال الأبرياء هو العامل سيد محمد أحمد علي رحمه الله، إن الرأسمالية التي تسرق حقوق العمال لا يزعجها موت عشرة عمال أو مائة أو الف، بل ونتذكر أحاديث مبارك ونجله فهم يرون أن موت نصف الشعب سيعطي فرصة افضل للنصف الباقي، لذلك لن تهتز لهم شعرة من موت عامل مخلص مثل المرحوم سيد الذي راح ضحية استخدام أسلوب احتجاج غير ملائم. رابعاً – هدد البعض بنزول مجندين من سلاح المركبات لقيادة الأتوبيسات وكسر الإضراب، وهو ما أزعج بعض قادة الإضراب، لكن لوعدنا بالتاريخ لإضرابات عمال الترام عامي 1900 و1907 وتهديد الحكومة والشركة والانجليز بنزول المفتشين لقيادة العربات وكيف حشد العمال أسرهم وأطفالهم وناموا على القضبان لمنع تحرك القطارات في العباسية وشبرا والسبتية، وكيف استطاع قادة الإضراب كسب تأييد الطلاب والمثقفين الذين انضموا للاعتصام وناموا أمام عجلات الترام لمنع خروجه، وكيف قاطع المصريون ركوب العربات التي تم تشغيلها لكسر الإضراب، بينما ردد البعض في الإضراب الحالي دعوات بأنهم سيحرقون أو يكسرون أي عربات تحاول الخروج عن الإضراب وهو أيضا سلوك مخالف لخبرات تاريخ الطبقة العاملة المصرية من عمال الترام وعنابر السكة الحديد الي عمال النقل العام . لقد استطاع عمال النقل العام بإضرابهم ونضالهم انتزاع بعض المكاسب ومنها رفع حافز التميز من 90 جنيها الي 180 جنيها، وزيادة بدل الوجبة من 150 جنيها الي 260 جنيها، ووعدوا بالانتظار حتي يناير لمعاودة الإضراب. ليلتقط عمال النقل العام أنفاسهم ويقيسون ما حدث وما نجحوا فيه وما أخفقوا، ويستعيدوا وحدة نقابتهم المستقلة وتكتل العمال خلف النقابة المستقلة، وليستعيدوا ثقة الجمهور الداعم الرئيسي لحركتهم ، حتي نعود لنردد جميعاً " ياعمال النقل العام، إضرابكم خطوة لقدام " وعاش كفاح الطبقة العاملة .