توقيت وملابسات العرض الخليجي المقدم لمصر بالانضمام إلى مجلس التعاون كعضو فاعل مثيرة للانتباه، وربما للريبة.. من عدة نواح.. فهل يمثل محاولة أمريكية المنشأ خليجية التغليف لاحتواء مصر مجددا، والتأثير على الحراك السياسي الذي تمور به بعد ثورة يناير؟ أم أنه محاولة لفتح آفاق (اقتصادية بالدرجة الأولى) كي تصوغ مصر مستقبل توجهها السياسي بناء على ما تمليه مصالحها الوطنية بعد تغذيتها بعنصر جديد، لم يكن مطروحا من قبل. هناك عدة نقاط ينبغي الإشارة إليها في محاولة لفهم ما يجري: - أولها: ان العرض جاء بعد لقاء وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين ليون بانيت وهيلاري كلينتون بوزراء دول مجلس التعاون الخليجي المشاركين في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، والتي حدد احد مسئولي الإدارة الأمريكية هدفها قائلا إنه يتمثل في تعزيز الأمن الإقليمي بالمنطقة على ضوء إنطلاق الثورات العربية، ولم ينس التأكيد على أن "مجلس التعاون الخليجي يبرز كشريك فاعل في هذه الظروف للنهوض بمصالحنا المشتركة" يقصد المصالح الخليجية والأمريكية. - ثانيها: أنه يأتي في ضوء حراك سياسي داخلي، وشد وجذب بين تيارات وتوجهات مختلفة تتنوع من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، ومن ثم التأثير على هذا الحراك وتقديم ما يعزز شعبية ما تعتبره واشنطن والغرب "قوى اعتدال" داخل المجتمع المصري، والاعتدال هنا لا يعني أكثر من صون المصالح الغربية على نحو ما كان يتم منذ منتصف السبعينيات وحتى 25 يناير حين بدأ نظام مبارك يتهاوى، كما أن المعتدلين متمثلون في السياسيين البراجماتين الذين يبقون على تحالف الثروة والسلطة، وهو ذاته الذي كان معولا ضمن معاول عديدة تسببت في تهاوي النظام السابق. - ثالثها: ان مصر مبارك شكلت ضلعا رئيسيا في تكتل الدول العربية المعتدلة، وهنا بمعنى غير الراغبة في المساس بالمصالح الأمريكية وغير الراغبة في صراع مع إسرائيل وإعادة الحقوق الفلسطينية عبر مائدة التفاوض وحدها وإن استغرق ذلك أجيالا أخرى، وخلف نجاح الثورة المصرية في خلع مبارك ومحاكمته بالإضافة إلى ارتفاع نبرة الشعب المصري ضد أمريكا وإسرائيل مخاوف من تحقيق الديمقراطية في مصر وبالتالي انتهاج سياسة خارجية مغايرة لتلك التي بنى الغرب عليها سياساته تجاه المنطقة وعلى رأسها انخراط مصري – لم يعد بعيدا كما كان من قبل – في تحالف مع ايران أوتركيا أو حتى سوريا، منفردين أو مجتمعين بما يعني خروج مصر من الفلك الغربي، والبحث عن أدوار سياسية جديدة تعيد لمصر كبرياءها في المنطقة، وهو أمر تمليه ضرورات الجغرافيا والتاريخ، بعدما تقزم ذلك في العقود الماضية ووصل إلى ما دون الحد الأدنى الذي تمليه مصالح مصر الإقليمية. - رابعها: ان هاجس أي سلطة جديدة في مصر هو إحداث نقلة اقتصادية، تتيح لها تلبية رغبات شعبية في العيش الكريم، طالما ظلت مكبوتة بفعل القهر السياسي الذي عانى منه المصريون، أما وقد زال غطاء القمقم فإن فئات كثيرة لم تعد ترضى بما كانت ترتضيه مسبقا وهو العيش على حد الكفاف. في ضوء هذه المعطيات ربما ترى أمريكا والغرب دورا جديدا لمجلس التعاون يضاف لأدواره السابقة، ويتمثل هذا الدور في محاولة احتواء آثار الثورات العربية وتحويلها إلى مجرد إصلاحات داخلية، رعاية لمصالح غربية في المنطقة وكذلك ضمانة لعدم امتداد الثورات إليها، ويلاحظ في الشهور الأخيرة أن الأردن طلبت الانضمام لدول المجلس, في حين دعا المجلس المغرب لعضويته، وهو أمر كان ينبئ بتحويل "التعاون" من تجمع محكوم باطار جغرافي يضم دولا تطل على الخليج العربي إلى تركيبة أوسع، تضم الأنظمة الملكية وشبيهاتها التي يجري توارث الحكم فيها، إذ ان المغرب دولة بعيدة جدا وتقع في أقصى الغرب العربي، فما الذي يجمعها بالخليج غير توارث السلطة؟؟ ويعمق من تلك الرؤية أن اليمن مثلا ظلت تلح على هذا الامتياز لسنوات طويلة، دون استجابة، ففي نهاية المطاف تم حفظ الطلب واكتفى التعاون بعضوية اليمن كمراقب شرفي. الأمر نفسه سبق أن تكرر مع بالعراق، حيث تم الاكتفاء بمشاركتها في دورات الخليج العربية لكرة القدم، وحتى بعد رحيل صدام ونظام البعث استمر الموقف نفسه من مسألة ضمه لمجلس التعاون، بحجة تضخم النفوذ الشيعي في العراق. بالطبع يجد المسؤولون الخليجيون تعليلا لذلك يصلح أمام العدسات. فالسبب في حالة الأردن هو "أنه يعتبر مثالا للحكم الرشيد والتطور السياسي الصحيح" على نحو ما صرح وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، غير أن ناصر البلوشي سفير البحرين لدى فرنسا أضاف لهذه الرؤية جديدا فأكد أن "للأردن والمغرب ثقلا عالميا ومن ثم سيساعدان مجلس التعاون، وسيعززان موقف دولة على طاولة التفاوض وسيصبح المجلس أقوى عسكريا وبالتالي فإنهما يشكلان قيمة بالنسبة له". فإن كان الموقف كذلك فلماذا مصر الآن؟ كان مسئول الإدارة الأمريكية قد أوضح عقب اجتماع وزيري الدفاع والخارجية الأمريكيين بنيويورك بأن الموضوعات المشتركة تشمل "التعاون بشأن سوريا وليبيا والعراق واليمن والأمن البحري ومكافحة الإرهاب وأمن الطاقة "أي الدول التي لاتزال الثورات فيها مشتعلة, أما مصر فالثورة فيها قابلة للردة بفضل الضغوط والاحتواء, فإن كانت الضغوط لم تفلح بشكل كاف، وتظل الثورة تطالب بالتفلت من التبعية السابقة للغرب، والعودة بمصر إلى مكانتها الرائدة، عربيا وإقليميا، فلا بد من احتوائها في إطار يحل مشاكلها الاقتصادية، وليس أفضل في هذا الصدد من أن تكون جزءا من مجلس التعاون .. إذ انه فضلا عن الامتيازات الخاصة بالتجارة والاستثمار سيكون المصريون مندرجين في إطار اتفاقية التنقل والتملك الخليجية، وهو تلويح بامتصاص جزء كبير من البطالة المتفاقمة في مصر، وبالتالي يخفف على صانع القرار الاقتصادي المصري أعباء كثيرة.. إضافة إلى تحقيق هدف خفي يتمثل في تحويل الحلم المصري من خوض تجربة تنمية ذاتية تحقق هدفا جمعيا، إلى حلم فردي بالثراء عبر انتقال وبحث عن فرص عمل أكثر راحة وأقصر مدى. أخيرا يمكن لصانع القرار الأمريكي والغربي تصور أنه بضم مصر لدول التعاون ستسقط جامعة الدول العربية من تلقاء ذاتها، إذ ان مصر بقيت - رغم ضعفها وتغير سياساتها إزاء الخارج - الحلقة الرئيسية التي تبقي على حد أدنى لدور الجامعة وبالتالي تكون فرصة لتشكيل شرق أوسط جديد ترتب الولاياتالمتحدة أوراقه واوضاعه طبقا لما يناسب مصالحها، والمتمثلة في توفير بيئة اقليمية غير مناوئة لإسرائيل وضمان أمن الطاقة، وهو هاجس يمس عصب الاقتصادات الغربية كلها.