القانون المدني هو المنوط به تنظيم عمل الجمعيات الأهلية في مصر, وفى ظله نشأت عديد من الجمعيات الأهلية، مثل الجمعية الجغرافية عام 1875 ، ثم الجمعية الخيرية الإسلامية عام 1878. وقد عرف القانون 84 لسنة 2004 الجمعية الأهلية بأنها: جماعة ذات تنظيم مستمر لمدة معينة أو غير معينة تتألف من أشخاص طبيعيين أو اعتباريين أو منهما معًا, لا يقل عددهم في كل الأحوال عن عشرة، وذلك لغرض غير الحصول على ربح مادي. إن القانون الجديد الموجود بمجلس الشورى والمزمع إصدارة يحظر التمويل الأجنبي لمنظمات التنمية السياسية وقصرها على التمويل المحلي فقط، وعلى أرض الواقع لا يوجد مصادر تمويل من هذا النوع, وجعل أموال الجمعيات أموال عامة مما يعني أن الموظفين يمكن أن يمثلوا للتحقيق أمام الجنايات. أن مشروع القانون تجسيد لعداء حكومة الرئيس مرسي للمجتمع المدني، ومحاولة السيطرة عليها بشتى الطرق وعدم احترام التزامات مصر الدولية بمقتضى الاتفاقيات التي صدقت عليها الحكومة المصرية من قبل والمعايير الدولية الخاصة بحقوق المواطنين في تكوين الجمعيات والدفاع عن حقوق الإنسان، والقانون المقترح يستهدف تأميم المجتمع المدني وتحويل الجمعيات والمؤسسات الأهلية إلى دواوين تراقب نشاط الأجهزة الأمنية المتعددة التي منحها القانون دورًا لأول مرة في تاريخ قوانين الجمعيات الأهلية في مصر، وذلك في إطار ما سماه القانون عملية تأميم المجتمع المدني التي لا تعرفها أعتى الدول، تصبح بمقتضى القانون الأموال الخاصة بالجمعيات أموالًا عامة وموظفوها بمثابة موظفين في الحكومة وتخضع للضبطية القضائية، وإمعانًا في التعبير عن مدى عداء الحكومة لمبادئ حقوق الإنسان فإن القانون يقصر نشاط الجمعيات على التنمية والرعاية الاجتماعية، بينما يتعامل مع منظمات حقوق الإنسان وكل مؤسسات التوعية بالقانون والدستور كأحزاب سياسية، ويحظر التمويل الخارجي لأنشطتها، ويحظر القانون على كل الجمعيات الأهلية القيام ببحوث ميدانية أو استطلاعات رأي بل ما سماه القانون العمل الأهلي، وهى كل الأنشطة التي تستهدف تحقيق أهداف تنموية وإنسانية بدون تصريح من الجهات الأمنية. أن القانون الجديد للجمعيات الأهلية يعد انتهاكًا صريحًا وواضحًا لحرية الممارسة والتنظيم، كما أنه قانون يحوي بنودًا دخيلة، الهدف الأساسي منها جعل جماعة الإخوان المسلمين هيئة جامعة تتمتع بالشخصية الاعتبارية، ومن حقها مراقبة أموالها بشكل داخلي، بحيث لا تكون حتى خاضعة لمراقبة الجهاز المركزي للمحاسبات، نظرًا لأنها تقول بأن مصادر تمويلها خاصة، وهكذا لن تخضع الجماعة المحظورة لمراقبة أي من الجهاز المركزي للمحاسبات ولا الحكومة، حيث يتضمن مقترح المشروع حذف الحصول على إذن بالتمويل من الوزير المختص هذا، وبالإضافة إلى أن أحد بنود هذا القانون المعيب تتضمن اعتبار الائتلافات والتحالفات ذات النشاط السياسي ضمن الجمعيات الأهلية، على الرغم من أن هذا يخالف القانون السابق والقوانين الحاكمة والمنظمة للمجتمع المدني وأعماله على مستوى العالم، والتي تحظر على الجمعيات الأهلية ممارسة العمل السياسي. أن التغيير الأبرز فيه هو أنه شكل لجنة تنسيقية في موضوع التمويل وبدلًا من أن تكون في يد الوزارة فقط فقد أصبحت في يد 8 جهات. أن مشروع القانون منع المنظمات الأجنبية من العمل في مصر أساسًا، كما يمنع الجمعيات التي تعمل في التنمية السياسية من أن تحصل على التمويل، لأنه قصرها على التمويل المحلي، وأساسًا لا يوجد مصادر تمويل محلي لهذه المنظمات، كما أن المشروع أبقى على سلطة الوزارة في الرقابة على الجمعيات، وجعل الضبطية القضائية لموظفي الشئون الاجتماعية، فضلًا عن رفع العقوبات، وجعل أموال الجمعيات أموال عامة، وبالتالي ممكن أي موظف في الجمعيات يتم تحويله للجنايات والتحقيق معه. أن مواد قانون الجمعيات الأهلية لابد وان تكون واضحة ولاتحتمل اللبس فيما يتعلق بالقضايا المختلفة كالنشاط والتمويل وتنمية الوعي السياسي أو الدستوري, مما يتطلب نقاشا موسعا بين ممثلي منظمات المجتمع المدني المشهود لها بالأداء الجيد و المحترم, وخاصة فيما يتعلق بالتمويل حتى لاتتكرر قضية التمويل الأجنبي ودخول أموال لصالح بلاد عربية وأجنبية وأنه يجب تطبيق القواعد الشفافة علي كل الجمعيات دون تفرقة بينهم والاهتمام بدور الجمعيات في ترسيخ الوعي السياسي لدي المواطنين لأننا بحاجة إليه خاصة بعد قيام ثورة يناير. أن القانون الذي ينظم عمل الجمعيات الأهلية والمطروح للنقاش حاليا في مجلس الشورى هو المقدم من حزب الحرية والعدالة، بعد سحب المشروع المقدم من وزارة الشئون الاجتماعية، بالإضافة للمشروع المقدم من المجتمع المدني. أن القانون المقدم به عدد من النقاط التي تدل على الهدف منه، أولها تضمينه كل الأشكال الخاصة بالمجتمع المدني من جمعية لاتحاد لهيئة جامعة وحتى أحد عشر شكلا، ويضع توصيفا لها، منها أن الجمعية الأهلية تمارس عملها في إطار الدستور والقانون، في حين أن الهيئة الجامعة الذي تنطبق على جماعة الإخوان المسلمين تمارس عملها وفق قانون خاص بها. أن النقطة التالية تتمثل في جعل أفرع داخلية وخارجية للهيئة الجامعة، وهو ما يعني وقوع مشاكل مع الدول التي تقع فيها هذه الأفرع كما حدث في خلية الإخوان المسلمين في الإمارات، أن لفظ رقابة الدولة على هذه الأفرع بالأساس صعب تطبيقه، لأن مصر لن ترسل لكل مندوبين في كل الدول. أن التلويح بأن هناك قانون جديد سيصدر يحقق لجماعة الإخوان المسلمين أغراضها فهو أمر في علم الغيب وسيناقش مجتمعيا، ولا يتصور أن الجماعة ستقوم بتفصيل قانون مخصوص لممارسة نشاطها السياسي أو العسكري "المليشيات" سواء بذراع أو بغير ذراع أن إشهارها وفقا للقانون القائم يلزمها بتطبيق الأحكام لأنه ليس هناك أحد فوق القانون، والتزامها بالعمل الأهلي ويجعلها تخضع للرقابة في التمويل والمشروعات وحظر العمل السياسي أو التجاري عليها. وما من شك في أن تظاهرات المجتمع المدني أو تعيُّناته المعروفة في التاريخ كثيرة ومتنوعة، تحمل كل منها خصائص الشعب الذي أنتجها، وخصائص المكان والزمان اللذين نتجت فيهما؛ ولكن العناصر المشتركة فيما بينها جميعاً هي عناصر العقل الكوني التي يعيد البشر إنتاجها في أماكن مختلفة وأزمان مختلفة، ويطبعها كل شعب بطابعه الخاص. وليس هذا الطابع الخاص سوى هوية الشعب المعني أو المجتمع المعني؛ وهوية مجتمع ما هي ما ينتجه على الصعيدين المادي والروحي. وهذه العناصر المشتركة، بإجمال القول، هي الإنسية أو الإنسانوية والعلمانية والعقلانية والديمقراطية، المؤسسة جميعها على حرية الفرد وحقوق الإنسان، وأفرادية الواقع ومعقولية العالم، وواقعية التنوع والاختلاف والمغايرة التي تضع الفروق والحدود والتعارضات الملازمة، تحكمها جميعاً جدلية الحرية والقانون، وعلى مبدأ المواطنة ومساواة المواطنين أمام القانون الذي يتوافقون أو يتعاقدون عليه ويرتضونه لأنفسهم على أنه ماهيتهم متعينة في نظام عام، أي في نظام سياسي. والقانون هو ماهية النظام السياسي وحقيقته. يحيل مفهوم المجتمع المدني على كينونة اجتماعية متعيِّنة في العالم وفي التاريخ. وهي كينونة لا تُستنفَد في صفتي الاجتماع والمدنية اللتين يمكن أن تغدوا علامتين، بعد استحضار جميع الخصائص والتعيينات المعروفة، ولا سيما تلك المتعلقة بالشغل البشري، والإنتاج الاجتماعي، وأشكال الملكية، ونمط تقسيم العمل وتوزيع الثروة وعوامل الإنتاج بين الفئات الاجتماعية، فضلاً عن التحديدات الذاتية، الثقافية منها والسياسية. فلا يمكن فصل مفهوم المجتمع المدني، بصفته مفهوماً مركزياً في النسق الذي نقترحه، عن حزمة من المفاهيم الحافة والمحيطية التي من دونها يبدو خارج بيته وبيئته، كالأنسية والعقلانية والعلمانية والديمقراطية والحرية والعدالة والمساواة والحقوق المدنية وأفرادية الواقع ومشروعية الاختلاف والمواطنة وحرية الفرد وحقوق الإنسان وسيادة القانون وسيادة الشعب والدولة القومية ومنظومة الحريات الأساسية وغيرها.