وسط حالة من الصراع السياسي في الشارع، وافق الرئيس مرسي على إجراء الانتخابات البرلمانية في أبريل. وبينما تزداد الفجوة بين معارضي الرئيس ومؤيديه اتساعا، جاءت الانتخابات لتزيد من حجم الاختلافات، حيث اتفقت مجموعة كبيرة من المعارضين على مقاطعة الانتخابات ما لم تتوافر لها ضمانات النزاهة والشفافية. وتوقع خبراء السياسة أن يتشكل البرلمان القادم في معظمه من التيار الإسلامي، سواء كان ذلك من خلال "الحرية والعدالة" أو "النور"، متوقعين أن تحصل الأحزاب التي شكلت تحالفات غير معلنة مع التيار الإسلامي على 15% من مقاعد البرلمان والكتلة الوفدية 15%، في غياب المعارضة وجبهة الإنقاذ. الدكتور سعيد اللاوندي - خبير العلاقات الدولية والسياسية بمركز الأهرام للدرسات السياسية والاستراتيجية - يرى أن عدم مشاركة بعض الأحزاب أو التيارات السياسية في الانتخابات البرلمانية سوف يؤدي إلى تشكيل برلمان يكون التيار الإسلامي هو الغالب فيه، مشيرًا إلى أن غياب تلك الأحزاب خطأ كبير وأنها لا بد أن تسجل موقفها. خوف وعدم ثقة ويضيف أن عدم المشاركة في الانتخابات هو الطريق الأسهل الذي انتهجته المعارضة، وفي الدول الغربية لا توجد معارضة تمتنع عن المشاركة في الانتخابات، فالمقاطعة هنا شيء يؤخذ على المعارضة ويحسب عليها وليس على المشاركين. ويشير إلى أن المعارضة التي لا تشارك في الانتخابات تخاف ولا تثق في نفسها، وبالتالي لا تشارك، لظنها أنها لن تستطيع أن تحصد أصواتا. ويؤكد السفير إبراهيم يسري أنه ضد ثقافة الانسحاب، فمن دواعي الديمقراطية الاستمرار في الدفاع عن رأيك، أما الانسحاب فهو عبارة عن مسائل شخصية لا يجب أن تدخل في الآليات السياسية. ويضيف أن المجلس سيتم تشكيله بناءً على ما يختاره الشعب، نافيًا أن يتم الضغط على النظام من خلال البرلمان ومقاطعته لتغيير الموعد أو اتخاذ موقف بعينه. ويرى أن الفرصة ما زالت متاحة أمام المقاطعين، حيث إن هناك 3 أشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات، أي أن المقاطعين ما زالت لديهم الفرصة لإعادة النظر في القرار وفرصة لحشد أصوات. ويشير يسري إلى أن جبهة الإنقاذ لو شاركت ستحصد 60%، وأن الحرية والعدالة لن تستطيع حصد أكثر من 25%، حسبما صرحت عناصر بالجبهة، لكن في النهاية الشعب - من خلال الصندوق - هو الحكم وصاحب الرأي الأول والأخير في الانتخابات. وحول المخاوف من تزوير الانتخابات، يوضح أن مصر خاضت 5 انتخابات برلمانية ورئاسية خلال الفترة الماضية ولم يحدث فيها تزوير، مشيرًا إلى أن اللجنة العليا هي الجهة المنوط بها الإشراف على الانتخابات وهي مكونة من قضاة، بالإضافة إلى أن المشرفين على اللجان أيضًا قضاة، فمن أين سيأتي التزوير؟! شكل الخريطة الانتخابية ويؤكد الدكتور حسن نافعة - أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة - أن مقاطعة الانتخابات سيكون لها تأثير كبير على شكل الخريطة الانتخابية، وأيضًا على شكل البرلمان، ولكن هذا التأثير يتوقف على حجم المقاطعين، وعلى من سيصمد في قرار المقاطعة ومن سيصمد في قرار خوض العملية الانتخابية. ويضيف الدكتور يسري عزباوي - الخبير بمركز الأهرام للدراسات ووحدة قياسات الرأي العام والنظام المصري - أن المعارضة داخل البرلمان ستكون مصطنعة، وفي حالة إقرار البرلمان بأغلبية من الإسلاميين وأقلية من بعض الأحزاب التي أعلنت مشاركتها، ستكون المعارضة مستمرة في الشارع، حيث إن البرلمان لن يمثل الشعب بجميع طوائفه، لكنه يعبر عن رأي فئة واحدة وأقلية تابعة. ويرجع سبب مقاطعة بعض التيارات للانتخابات إلى عدة أمور، في مقدمتها المطالب التي تقدمت بها جبهة الإنقاذ ولم يتحقق منها شيء رغم أنها سهلة التحقيق، بالإضافة إلى المحافظات التي ما زالت ملتهبة حتى الآن، وأعلنت رفضها للانتخابات مثل بورسعيد والسويس والدقهلية، الأمر الذي يزيد حالة الاحتقان، بالإضافة إلى أن المحكمة الدستورية أصدرت بيانًا طالبت خلاله بإعادة عرض قانون البرلمان عليها، إلا أن ذلك لم يتم، الأمر الذي يدخلنا في أزمة دستورية. ويتوقع أن تنخفض نسبة المشاركة، مقارنة بالانتخابات التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية عقب ثورة يناير وتميزت بمشاركة فعالة. البرلمان إسلامي ويشير عزباوي إلى أن الشكل النهائي للبرلمان في ظل تلك المقاطعات معروف سلفًا، حيث سيحصل الإخوان على الأغلبية، ويأتي بعدهم "النور" ليمثل الكتلة الثانية، باعتبارهما الكتلتين الأساسيتين في البرلمان، بالإضافة إلى بعض الأحزاب الهامشية، والتي ستقوم بالتنسيق مع الإخوان بشكل غير رسمي، وربما تحصل على 15% من المقاعد، وكذلك الوفد قد يحصل على 15%. ويؤكد أن قرارات المجلس ستكون دائمًا مرفوضة، لأنها لا تمثل الكل أو على الأقل فاقدة الثقة القانونية حتى لو كانت القوانين سليمة 100%. فيما يقول حسام مؤنس - المتحدث الرسمي باسم التيار الشعبي، إن التيار أعلن موقفه من الانتخابات خلال الأيام الماضية بعدم المشاركة، إلا أن هذا القرار تأكد بعدما أعلنت جبهة الإنقاذ رفضها للمشاركة. ويضيف أنه لا بد أن نفرق بين وجود المعارضة، وبين أن وجود المعارضة في البرلمان هو العامل الرئيسي للقيام بدورها، مشيرًا إلى أن البرلمان في تلك الظروف وبهذا الشكل وبهذه الشروط سيكون غير حقيقي، فالبرلمان كما يبدو خطوة في طريق سيناريو تمكين الإخوان من الحكم واستكمال الهيمنة على الدولة ومؤسساتها، وبالتالي مقاطعتنا ليست موقفًا، لكنه قرار له علاقة بالظروف التي تمر بها البلاد. ويوضح أن كل القوى السياسية، بما فيها التيار، منذ معركة الدستور مباشرة وهي تستعد للانتخابات، وبدأت في إعداد قوائم الدوائر والمرشحين وما إلى ذلك، لكن استمرارنا في ظل الوضع الحالي وخوض الانتخابات يشير إلى أننا نضفي شرعية غير حقيقية عليها ونسمح لجماعة الإخوان باستكمال سيناريو السيطرة على الدولة، لأن احتمالات الانتهاكات والتزوير ستكون كبيرة جدًا. ويقول "مؤنس" إن البرلمان أحد أدوات المعارضة، لكنه ليس الأداة الوحيدة، موضحًا أن المعارضة إذا اقتربت من الشارع وطرحت مسارا سياسيا مختلفا، قد يكون لديها خطة بديلة بالإضافة إلى موقف المقاطعة، فالمقاطعة هنا لا تعني الانسحاب من الحياة السياسية، وإنما تعني الاعتراض على الطريقة التي تدار بها الأمور وتجرى بها الانتخابات في هذا التوقيت وبهذه الشروط وبهذا القانون. الحلول الحقيقية ويشير إلى أن السلطة الموجودة حاليًا تفقد شرعيتها يومًا بعد يوم، وبالتالي فإن موقفنا لن يتغير، موضحًا أن الحلول الحقيقية إذا كانت تريد الاستمرار في البلد، وإجراء الانتخابات بضمانات حقيقية، بالإضافة إلى تنفيذ إجراءات جادة وتقديم حلول حقيقية للأزمات، سواء فيما يتعلق بالوضع السياسي أو الأزمات الاقتصادية الاجتماعية، إلا أن السلطة عاجزة تمامًا عن فعل ذلك، أو الاستجابة للمقترحات المعروضة عليها، وما يتردد بأن المقاطعة للانتخابات ستجعل الأغلبية للسلطة غير صحيح فالسلطة حاليًا في أيدي جماعة الإخوان، سواء كانت السلطة التنفيذية في رئاسة الجمهورية والحكومة أو السلطة التشريعية في الشورى. وتوقع "مؤنس" أن يكون موعد إجراء الانتخابات محل مراجعة خلال الشهرين المقبلين على ضوء تفاعل الشارع إذا كانت مقاطعة شعبية واسعة، موضحًا أن نسب مشاركة الشعب في الانتخابات ستكون أقل بكثير من كل المشاركات التي تمت على مدار العامين الماضيين. ويضيف أننا حاولنا تقديم مبادرات ومقترحات أكثر من مرة للسلطة للسيطرة على الأزمات الراهنة، ولكنها كانت لا تلقى قبولاً من الرئاسة، ولذلك ليس لدينا الآن أية حلول وعلى السلطة أن تطرح حلولاً. ويقول حسن أبو السعود - عضو الهيئة العليا للحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، والمنسق العام لجبهة الإنقاذ بالقليوبية - أن المكتب السياسي للحزب كان يميل إلى خوض الانتخابات، إنما تم تأجيل الأمر لحين اجتماع الهيئة العليا للحزب فى 9 مارس، ولكننا كحزب متمسكون بقرار جبهة الإنقاذ بالمقاطعة لعيوب كثيرة فى القانون المنظم والمسلوق والذى يؤدى الى عدم دستوريته، حيث ينص فيه على العرض على المحكمة الدستورية العليا والتى قد تحكم بعدم الدستورية مستقبلا، ونصبح أمام مجلس غير قانونى أو يتم حله، مشيرا إلى عوار تقسيم الدوائر الانتخابية، وليس معنى زيادة عدد المقاعد فى دوائر معينة أن الفرص أصبحت عادلة، فكان لا بد أن يستغل الوقت السليم لاتخاذ القرار القانونى والشرعى لمناهضة إقامة تلك الانتخابات، بالإضافة إلى عدم وجود ضمانات تكفل نزاهة إقامة استحقاق انتخابى عادل. وتساءل: من الذى سيدير العملية الانتخابية؟ أليس هو وزير العدل ووزير الداخلية والنائب العام والهيئة العليا للانتخابات؟ فلمن سوف يعملون!.. وإذا حدثت أية مخالفة من الذى سوف يثبتها ويقرر تقديمها للمحكمة ومن ينفذ الحكم؟!، مضيفًا: لقد عشنا استحقاقات انتخابية حدثت بها عدة مخالفات وتم تحرير مذكرات ورفع دعاوى لدى الهيئة العليا الانتخابية والجهات الشرطية دون الحصول على قرار أو حكم للآن رغم وضوح الحق؛ وقال إنه تم تشكيل عدة لجان لتحديد الخطوات المزمع تنفيذها بعد قرار المقاطعة. موقف الوسط أما عن موقف حزب الوسط، الذى أعلن مشاركته، فيقول وليد مصطفى عضو المكتب التنفيذى للإعلام والعلاقات العامة بالحزب: من الواجب علينا المشاركة فى الانتخابات بما يتماشي مع استراتيجية الحزب من أجل تقديم تغطيات تشريعية وخدمية لائقة بالبرلمان بعد عامين على الثورة. ويضيف أنه لم يكن هناك تحالف رسمى مع أي من الأحزاب المشاركة بالانتخابات كما أعلن من قبل مثل "البناء والتنمية" أو "الحضارة" أو "الحرية والعدالة" الذى هو خارج أى تحالف من الأساس، ولكنه أمر تحت الدراسة إذا كان هناك توافق وأهداف مشتركة ورؤى واحدة مع أي من تلك الأحزاب. ويوضح أنه بالفعل هناك اعتراض من قبل الحزب بشأن تقسيم الدوائر، فكيف يخدم عضو مجلس شعب فى دائرته 30 ألف ناخب فقط، ويخدم آخر 400 ألف على سبيل المثال؟! ولا يزال هناك عوار سياسي بعد قرار الدستورية بزيادة مقاعد المرشحين فى الدوائر وعدم المساواة بينهم، وجاء ذلك نتيجة لعدم دراسة قانون الانتخابات والإعداد لها بصورة كاملة، وكان واجبًا إعادة توزيع الدوائر بشكل دقيق وعادل، لكنه عمل مجموعة من البشر ليسوا معصومين من الخطأ ويجب تخطى تلك المشكلة ومحاولة معالجتها بأية طريقة فليس معنى ذلك اللجوء إلى المقاطعة وحسب. ويضيف "مصطفى" أن المواطن أصبحت لديه قدرة على التمييز والاختيار لم تكن موجودة بعد الثورة مباشرة وفى البرلمان السابق، لذا نتوقع أن يكون المجلس القادم متميزا ويلائم دولة بحجم مصر. ويقول محمد نور - من حزب "غد الثورة"، إن تقسيم الدوائر سوف يظلم أحزابا كثيرة، والمستفيد الوحيد "النور" و"الحرية والعدالة" لتواجدهما الكثيف وانتشارهما الواسع فى جميع المحافظات، ورغم ذلك لا بد من المشاركة بالانتخابات لأن المقاطعة ستصب لصالح تيار معين هو جماعة الإخوان. وتحدث أحمد على - المستشار الإعلامى لحزب البناء والتنمية "الجماعة الإسلامية" عن التحالفات التى يمكن أن تتم بين الحزب والأحزاب الأخرى للمشاركة فى الانتخابات المقبلة، قائلاً إن كل الأحزاب السلفية بخلاف "النور" تحاورنا معها للتحالف مثل "الوطن"، و"الراية"، و"الشعب"، و"الجبهة السلفية"، و"الأصالة"، و"الحزب الإسلامى"، و"السلام والتنمية"، و"الإصلاح السلفى"، و"التيار الثالث"، بالإضافة إلى ائتلافات شباب الثورة. ويضيف أنه فى حالة تحالف "الوسط" مع هذه الأحزاب، فنتوقع أن يتم حصد عدد كبير من المقاعد. ودعا إلى التغاضي عن الاعتراضات حول تقسيم الدوائر حتى تمر هذه المرحلة بسلام. من المشهد الأسبوعى.. الآن لدى الباعة