* آخرون أكثر من سنتين ثورة بقليل، وها هو المواطن التونسي مذهول أمام درجات التصعيد والترهيب النفسي المركز الذي تمارسه الاحداث المتواترة عليه. لم يعد يخفى على أحد – خاصة بعد واقعة اغتيال شكري بلعيد- أن الثورة استنزفت حتى بدأ ضرعها يدرّ اليوم دما. لنكتشف أن الديكتاتورية التي خبرناها لعقود لم تكن سوى كابوس واحد من بين كوابيس محتملة ومخبئة بعناية في صندوق الكوابيس التونسية. إننا حين نتحدث عن كوابيس تتجوّل اليوم في شوارع المدن التونسية، علينا أن نفرق بين صنفين. الأول هو تلك البالونات التي يختلقها ثم ينفخ فيها كل شق سياسي ضدّ خصومه، مثل أن تذهب المعارضة إلى القول أن مشروع حركة النهضة هو وضع تونس فوق الطريق المؤدي إلى أفغانستان جديدة، أو أن يرفع فريق الحكم وداعموه كلما اهتزت قليلا شرعيتهم لسبب من الأسباب "كابوس" الفراغ الدستوري أو كابوس العودة للنظام السابق. أما الصنف الثاني فهو تلك الكوابيس التي أُخرجت من الصندوق ونزلت بالفعل لتتنقل بأقدامها الثقيلة بين التونسيين. لعلّ أبرزها حادثة الاغتيال السياسي التي أغرقت البلاد لأيام في حداد عاشه الشعب التونسي بكل جوارحه، بينما سرعان ما تقدم السياسيون فوق جثة شكري بلعيد بمشاريعهم وتوظيفاتهم إلى البلاتوهات التلفزية رافعين لنا كوابيس سياسية من كل لون وشكل، فيما هم يتنازعون بما أوتوا من قدرات كلامية (لا غير) لتحقيق انتصارات هي صغيرة مهما اجتهدوا في تضخيمها. ومن حين لآخر تهب علينا نسائم بعض الكوابيس المستوردة. نلمس ذلك بالأساس كلما صدّر لنا الخليجيون داعية من دعاتهم ليرتفع صوت المحطات الاذاعية وقتها للترهيب بكابوس الفكر الوهابي والعادات الدخيلة على الشخصية التونسية. وفي مناسبات أخرى نسمع وزيرا فرنسيا يتحدث عن التدخل في تونس وفئات تونسية تدعوه إلى ذلك، ليتصاعد كابوس آخر مثل عمود دخان في الأفق. لو وضعنا خطا كرونولوجيا، يبدأ منذ انطلاق الثورة في ديسمبر 2010 لوجدنا أننا مررنا من تجارب ومحن متنوعة (قناصة – صعود سلفية جهادية- حدود مفتوحة – سلاح يتنقل في الطرقات- مصانع تغلق– تهريب أموال– أمن موازي .. )، ربما كانت الأغلبية في كل مرة منفعلة بما يحصل فحسب ولكن تلك هي الطريقة الوحيدة التي تقدم بها الثورات الدروس للشعوب المبتدئة في ممارسة الحياة العامة. لو عدنا إلى هذا الخط الكرونولوجي ورأينا تقدم الكوابيس الذي انتهى إلى اغتيال شكري بلعيد ولم يستطع هذا الحدث الجلل أن يضع النخبة السياسية أمام ضرورة إيجاد حلول. سنقول : ما الذي مازال في جعبة صندوق الكوابيس هذا؟؟ كل ما حصل وما هو محتمل الحصول إنما هو تمارين رياضية يشتد بها ساعد المؤسسات والشعب. وعلينا أن نفهم أنه ليس فقط غياب الأمن أو ضياع التوافق أو تنامي العنف الديني هي وحدها كوابيس هذه البلاد. إن التفاهة التي تنخر حوارات الساسة والمجلس التأسيسي والاختيارات السيئة للحكومة وتناولها الخفيف للملفات الداخلية والخارجية وحالة الركود الجماعي وانهيار الضمير والوعي لدى النخب هي أيضا كوابيس. * رأي مصدر الخبر : البداية