* آخرون عاطف عبد العزيز يقف بينهم يسمع هتافات مدوية فى أرجاء التحرير " عيش حرية عدالة اجتماعية " لا يصدقهم ، يحلم أن تنتشله الثورة من ضنك الفقر لحياة كريمة، وأن تتحول شعاراتها لواقع وأهدافها لحقائق.. تبا لها من طفولة تلك التى تأخذ منك براءتك لتحولك لشيخ عجوز يبحث عن تدبير المأكل والملبس لأسرته بعد فقد عائلها .. عن الطفل عمر بائع البطاطا الشهيد أتحدث .... فى فيديو قديم تم تسجيله معه يلخص عمر صاحب ال 13 عام طموحاته " نفسي أغير الشغلانة وأتعلم "، يؤكد أنه العائل الوحيد لأسرته بعد وفاة والده، يسأله مصور الفيديو عن أحلامه فيجيب فى ثبات وبراءة وصدق " مش من حقي أحلم يا أستاذ " ... عمر طفل فقير ممن أراهم كل يوم يتسولون ويبيعون فى عربات المترو ونواصي الشوارع تلاحقهم نظرات متعاطفة وأخري مشمئزة وثالثة غير عابئة بهم .. بينما الدولة تواصل تجاهلهم، وإذا أرادت التدليل على فحولتها تقبض علي بعضهم بتهم التسول وإشغال الطرق وتصادر بضاعتهم وتنشر الداخلية صورهم عبر صفحتها لتشيد بجهود رجالها فى القبض على "البلطجية والمخربين" ... أمثال عمر يموتون فى صمت مثلما جاءوا للحياة فى صمت، لن تجد له صفحة على "فيسبوك" يحمل فيها " دبدوب " أحمر أو رسالة وداع يبعثها لأمه أو حبيبته قبل استشهاده، تلك هي الصورة النمطية للشهيد .. ستجد صورة وحيدة ملطخة بالدماء لكنها مطمئنة راضية تتجسد فيها كل التناقضات.. لن تجد احد من شيوخ السلاطين والفضائيات يتحدث عن نفس أزهقت بتهمة السعي لكسب لقمة العيش، وإذا تحدثوا سيلقون باللوم عليه على طريقة " إيه اللى وداه هناك " . أشعر بالخجل وأنا أكتب عن عمر.. وماذا تفيد الكلمات أمام فاجعة الموت ومصيبة الفقد ؟ ماذا تغني كلماتي وكيف تعزي أسرته التى فقدت فلذة كبدها طفلها ورجلها حاضرها الذى تستند على زراعه ومستقبلها الذي تبني عليه أحلامها الصغيرة ؟ ربما لن يتوقف أحد كثيرا أمام موت عمر ولا أمام الروايات المتناقضة عن طريقة وسبب الوفاة،.. طبيب باستقبال المنيرة يؤكد أن الطفل قتل برصاصتين الأولى فى الرأس والثانية فى الصدر، لكن التحريات الرسمية تخبرك أن سبب الحادث، هو خروج طلقة عن طريق الخطأ من سلاح مجند أمن مركزي من حراس السفارة الأمريكية بعدما نشبت وصلة مزاح مع المجند انتهت بمقتل الطفل ، لن يهتم احد بتفنيد الرواية الرسمية ، ولن يسألوا ولو بحسن نية هل يكون المزاح برصاصتين نافذتين بالرأس والصدر ؟ . وبعد أيام من الصمت أعترف الجيش بمسؤوليته عن مقتل الطفل عن طريق الخطأ مقدما الاعتذار عن الواقعة بعدما سلطت الأضواء على الواقعة . مقتل عمر عرى نظام لم يبحث عن مشاكل الفقراء وأطفال الشوارع والمهمشين لينتشلهم مما هم فيه بعد ثورة رفعت شعار عيش حرية عدالة اجتماعية ، لكنه سعي لقتلهم وهو يلهث وراء مطاردة معارضيه ليحكم سيطرته على البلاد والعباد ، نظام لم يتوقف رموزه وأنصاره عن الحديث عن الإنسان وكرامته والإسلام وعدله ، وأن كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته "، دون أن يكلفوا أنفسهم تطبيق ذلك على الأرض ... عمر نم مستريحا لقد ارتحت من مجتمع لم يرحم طفولتك ولم يحترم إنسانيتك .. نم مستريحا الثورة ضلت طريقها . * رأي مصدر الخبر : البداية