لعب أعظم الأدوار تأثيرا في الحرب المجيدة، وانتصر الجيش المصري بفضل عبقريته العسكرية الفذة.. ولكنه لم يلق التكريم الذي يستحقه، وتعرض لأذى شديد من السادات ثم تجرأ مبارك على سجنه بعد أن سرق دوره في النصر. في مثل هذا اليوم من العام قبل الماضي شيعت بعد صلاة الجمعة جنازة الفريق سعد الدين الشاذلي رئيس أركان حرب القوات المسلحة خلال حرب أكتوبر المجيدة، الذي توفي في اليوم السابق عن عمر 88 عاما، بعد فترة مرض طويلة. وحمل النعش الملفوف بعلم مصرعلى سيارة عسكرية وبجواره رجال القوات المسلحة وخلفهم حملة النياشين والأنواط التي حصل عليها خلال مسيرة حياته بالقوات المسلحة.. وقد تقدم المشيعين الشيخ حافظ سلامة قائد المقاومة الشعبية في السويس إبان حرب 73 وكان إمام المسجد قد تجاهل اسم الفريق الشاذلي طوال الخطبة وحتى عند دعوته لصلاة الجنازة لم يذكر اسم الفريق مما جعل الشيخ حافظ سلامة يهتف "الشاذلي هو البطل الحقيقي لحرب أكتوبر"، مما اضطر إمام المسجد لأن يذكر أن الجنازة هي للراحل سعد الدين الشاذلي.. وقد خطب في المشيعين الشيخ حافظ سلامة بعد تحميل الجثمان على عربة عسكرية قائلا: "إن الفريق الشاذلي أفنى حياته من أجل هذا الوطن وأننا مدينون له بالكثير". وكان من بين الحضور مهدي عاكف - المرشد العام السابق لجماعة الإخوان -. وشغل الشاذلي منصب رئيس أركان حرب القوات المسلحة في الفترة من مايو 1971 وديسمبر 1973 ويوصف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي "بارليف" في حرب 1973 شغل الشاذلي منصب سفير مصر في لندن عامي 1974 و1975 وسفيرها في البرتغال لنحو ثلاث سنوات تالية. وفي عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد التي وقعها الرئيس أنور السادات مما جعله يتخذ القرار بترك منصبه والذهاب الى الجزائر كلاجئ سياسي، لكنه عاد إلى مصر حيث أهانه مبارك ووضعه قيد الحبس لأشهر طويلة . عمل الشاذلي رئيسا لأركان حرب القوات المسلحة المصرية في الفترة ما بين 16 مايو 1971 وحتى 13 ديسمبر 1973، ولد في أبريل 1922، بقرية شبراتنا مركز بسيون فى محافظة الغربية في دلتا النيل. يوصف بأنه الرأس المدبر للهجوم المصري الناجح على خط الدفاع الإسرائيلي "بارليف" في حرب أكتوبر عام 1973 يقول الشاذلي – رحمه الله - عن الخطة التي وضعها للهجوم على إسرائيل واقتحام قناة السويس التي سماها "المآذن العالية" إن ضعف الدفاع الجوي يمنعنا من أن نقوم بعملية هجومية كبيرة .. ولكن من قال إننا نريد أن نقوم بعملية هجومية كبيرة.. ففي استطاعتنا أن نقوم بعملية محدودة ، بحيث نعبر القناة وندمر خط بارليف ونحتل من 10 إلى 12 كيلومترا شرق القناة" وكانت فلسفة هذه الخطة تقوم على أن لإسرائيل مقتلين: الأول هو عدم قدرتها على تحمل الخسائر البشرية نظرًا لقلة عدد أفرادها. والثاني هو إطالة مدة الحرب، فهي في كل الحروب السابقة كانت تعتمد على الحروب الخاطفة التي تنتهي خلال أربعة أسابيع أو ستة أسابيع على الأكثر؛ لأنها خلال هذه الفترة تقوم بتعبئة 18% من الشعب الإسرائيلي وهذه نسبة عالية جدًّا.. ثم إن الحالة الاقتصادية تتوقف تمامًا في إسرائيل والتعليم يتوقف والزراعة تتوقف والصناعة كذلك؛ لأن معظم الذين يعملون في هذه المؤسسات في النهاية ضباط وعساكر في القوات المسلحة؛ ولذلك كانت خطة الشاذلي تقوم على استغلال هاتين النقطتين. الخطة كان لها بعدان آخران على صعيد حرمان إسرائيل من أهم مزاياها القتالية يقول عنهما الشاذلي: "عندما أعبر القناة وأحتل مسافة بعمق 10: 12 كم شرق القناة بطول الجبهة (حوالي 170 كم) سأحرم العدو من أهم ميزتين له؛ فالميزة الأولى تكمن في حرمانه من الهجوم من الأجناب؛ لأن أجناب الجيش المصري ستكون مرتكزة على البحر المتوسط في الشمال، وعلى خليج السويس في الجنوب، ولن يستطيع الهجوم من المؤخرة التي ستكون قناة السويس، فسيضطر إلى الهجوم بالمواجهة وعندها سيدفع الثمن فادحًا". وعن الميزة الثانية قال الشاذلي: "يتمتع العدو بميزة مهمة في المعارك التصادمية، وهي الدعم الجوي السريع للعناصر المدرعة التابعة له، حيث تتيح العقيدة القتالية الغربية التي تعمل إسرائيل بمقتضاها للمستويات الصغرى من القادة بالاستعانة بالدعم الجوي، وهو ما سيفقده لأني سأكون في حماية الدفاع الجوي المصري، ومن هنا تتم عملية تحييد الطيران الإسرائيلي من المعركة. في 13 ديسمبر 1973 و في قمة عمله العسكري بعد حرب أكتوبر - إثر خلاف شديد، بعد أن تسبب أحمد إسماعيل والسادات في ثغرة الدفرسوار - تم تسريح الفريق الشاذلي من الجيش بواسطة الرئيس أنور السادات وتعيينه سفيراً لمصر في إنجلترا ثم البرتغال وتم تجاهله في الاحتفالية التي أقامها مجلس الشعب المصري لقادة حرب أكتوبر والتي سلمهم خلالها السادات النياشين والأوسمة كما ذكر هو بنفسه في كتابه "مذكرات حرب أكتوبر". في عام 1978 انتقد الشاذلي بشدة معاهدة كامب ديفيد و عارضها علانية مما جعل الرئيس السادات يأمر بنفيه من مصر حيث استضافته الجزائر. في المنفى كتب الفريق الشاذلي مذكراته عن الحرب و التي اتهم فيها السادات باتخاذ قرارات خاطئة رغماً عن جميع النصائح من المحيطين أثتاء سير العمليات على الجبهة أدت إلى وأد النصر العسكري و التسبب في الثغرة و تضليل الشعب بإخفاء حقيقة الثغرة و تدمير حائط الصواريخ و حصار الجيش الثالث لمدة فاقت الثلاثة أشهر كانت تصلهم الإمدادات تحت إشراف الجيش الإسرائيلي، كما اتهم في تلك المذكرات الرئيس السادات بالتنازل عن النصر والموافقة على سحب أغلب القوات المصرية إلى غرب القناة في مفاوضات فض الاشتباك الأولى، وأنهى كتابه ببلاغ للنائب العام يتهم فيه الرئيس السادات بإساءة استعمال سلطاته وهو الكتاب الذي أدى إلى محاكمته غيابيا بتهمة إفشاء أسرار عسكرية وحكم عليه بالسجن ثلاثة سنوات مع الأشغال الشاقة. ووضعت أملاكه تحت الحراسة، كما تم حرمانه من التمثيل القانونى وتجريده من حقوقه السياسية. واليوم بعد عامين من الرحيل المؤثر.. لا يزال البطل يعيش في القلوب، بينما يقبع مبارك في غياهب السجن، وفي الدرك الأسفل من التاريخ!