كشفت منظمات حقوقية أوروبية في تقرير موثق لها عن تورط أكثر من ربع دول العالم ومن بينها إيران وسوريا في برنامج ترحيل استثنائي كانت قد أعدته الولاياتالمتحدة، من خلال تسهيل عمليات الاعتقال والاستجواب بعد هجمات 11 سبتمبر ضد القاعدة، و كانت تشرف عليه وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي إيه". جاء التقرير في 213 صفحة، وأعدته منظمة "مبادرة عدالة المجتمع المفتوح" في نيويورك، و يوثق التقرير المشاركة الدولية الكبيرة في الحملة الأميركية ضد القاعدة، وأن حوالي 54 دولة حول العالم ساعدت في تسهيل برنامج الاعتقال والترحيل والاستجواب الذي بدأته وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية في السنوات التي تلت هجمات 11 سبتمبر 2001 وأوضح التقرير أن تلك الدول تعاونت في عمليات الخطف والاعتقال والتعذيب التي كانت تتم على صعيد عالمي بترتيب من السي آي إيه، بعد هجمات سبتمبر، وأن كثيراً منها كان يحدث في أوروبا، وقد حسم التقرير بذلك حقيقة أن الولاياتالمتحدة لم يكن لها أن تقوم بذلك البرنامج لولا مساعدة تلك الدول. وأضاف التقرير: "مما لا شك فيه أن مسؤولين كباراً بإدارة الرئيس جورج بوش يتحملون مسؤولية التصريح بانتهاكات حقوق الإنسان المرتبطة بالاعتقال السري والترحيل الاستثنائي، والحصانة التي يتمتعون بها والمستمرة حتى الآن ولا تزال مثار اهتمام بالغ". وأكمل التقرير: " لكن مسؤولية تلك الانتهاكات لا تقف عند الولاياتالمتحدة، فعمليات الاعتقال السري والترحيل الاستثنائي، التي جرى تصميمها لتُنَفَّذ خارج الولاياتالمتحدة، تحت غطاء من السرية، لم تكن لتتم لولا المساهمة النشطة لحكومات أجنبية، ولهذا فإنه من الواجب أيضاً تحميل تلك الحكومات مسؤولية ما حدث"، ومن بين الدول التي حددها التقرير، تبعاً لصحيفة الغارديان البريطانية، باكستانوأفغانستان ومصر والأردن، حيث توجد سجون سرية وحيث يتم توثيق استخدام التعذيب طوال سنوات، كما شملت قائمة المنظمة الخاصة بعمليات الترحيل على دول من بينها أيرلندا وأيسلندا وقبرص، وهي دول متهمة بمنح دعم سري للبرنامج، من خلال السماح باستخدام مجالات جوية ومطارات بواسطة طائرات تشارك في الرحلات الخاصة بالترحيل، أما كندا فلم تسمح باستخدام مجالها الجوي فحسب، وإنما قامت كذلك بتوفير معلومات قادت بأحد مواطنيها ممن تم أخذه لسوريا حيث احتجز هناك لمدة عام وتم تعذيبه، وفقاً للتقرير. وكان من المثير للدهشة إدراج اسم ايران كدولة داعمة لأمريكا في حربها على الارهاب، فقد كشف التقريرأن إيران وسوريا شاركتا في برنامج الترحيل، فسوريا كانت واحدة من أبرز المقاصد التي يرسل إليها الأشخاص المشتبه بهم، بينما إيران فقد شاركت في برنامج السي آي إيه من خلال تسليمها 15 شخصاً إلى كابول بعد مدة قصيرة من غزو أميركا لأفغانستان، وهي تعلم تماماً أنهم سيقعون تحت سيطرة الولاياتالمتحدة. وبينما وثق التقرير مشاركة بعض البلدان، فإنه لم يتوصل إلى أدلة تثبت تورط بلدان أخرى مثل النرويج في المنطقة الاسكندينافية، وإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، في حين كشف أن معظم البلدان المدرجة في القائمة هي بلدان أوروبية، وأن ألمانيا واسبانيا والبرتغال والنمسا من بينهم، فيما اتضح أن فرنسا وهولندا والمجر ليسوا من بينهم، وما زالت تواجه جورجيا اتهامات بمشاركتها في الترحيل، بينما لا تواجه روسيا اتهامات مماثلة. كما أفاد التقرير بأن بعض الدول مثل بولندا وليتوانيا ورومانيا سبق لها أن استضافت سجوناً سرية على أراضيها، وأشار التقرير أيضاً إلى أن المملكة المتحدة دعمت عمليات التسليم التي كانت تقوم بها السي آي إيه، وكانت تستجوب الأشخاص الذين يتم اعتقالهم سراً، وكانت تسمح باستخدام المطارات البريطانية والمجال الجوي البريطاني، وأتمت استعداداتها لتسليم رجل يدعي سامي السعدي إلى ليبيا، برفقة أسرته كلها، حيث تم تعذيبه هناك، وقدمت معلومات سمحت بحدوث عملية ثانية مماثلة. وأشارت الغارديان إلى أن توقيت الإفصاح عن التقرير، يبدو أنه جاء ليتزامن مع جلسة تأكيد اختيار جون برينان، من جانب الرئيس أوباما، لشغل منصب رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهي الجلسة المقررة في الكونغرس يوم الخميس المقبل، وهناك توقعات تتحدث عن أن برينان سيتم استجوابه بشأن علاقته بتلك السياسات التي يطلق عليها اسم "سياسات الاستجواب المعززة" التي كان ينتهجها بوش. وأشار التقرير الذي جاء تحت عنوان "عولمة التعذيب" إلى النطاق الكامل للمشاركة الحكومية غير الأميركية التي لا تزال غير معلومة حتى الوقت الراهن. وورد في التقرير "رغم الجهود التي تبذلها الولاياتالمتحدة وشركاؤها من الحكومات لحجب الحقيقة بشأن الانتهاكات الماضية والحاضرة، فإن المعلومات ذات الصلة بتلك الانتهاكات ستواصل العثور على طريقها حتى تصل إلى العلن في النهاية". وأكمل التقرير "وفي الوقت نفسه، أغلقت المحاكم الأميركية أبوابها أمام ضحايا عمليات الاعتقال السري والترحيل الاستثنائي، وتنظر عدة محاكم حول العالم الآن في تلك التحديات القانونية الخاصة بمشاركة الحكومات الأجنبية في تلك العمليات". وتطالب المنظمة الولاياتالمتحدة بأن تتخلى عن برنامج الترحيل السري، وأن تغلق كافة سجونها السرية المتبقية، وأن تفتح تحقيقاً جنائياً في انتهاكات حقوق الإنسان. وسبق أن أدينت على نطاق واسع بعض من طرق التحقيق الوحشية التي كانت تستعين بها وكالة السي آي إيه مع السجناء إبان فترة حكم الرئيس جورج بوش، باعتبارها شكلاً من أشكال التعذيب، وقد أدانها الرئيس أوباما نفسه، بعدما حظر مثل هذه الطرق. ومن الجديربالذكر، أن المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان اكتشفت في ديسمبر الماضي، أن وكالة السي آي إيه هي المسؤولة عن تعذيب خالد المصري، ذلك المواطن الألماني الذي اختطفته الوكالة وأرسلته إلى أفغانستان في اتهام خاطئ