فى أعقاب ثورات الربيع العربي، بزغ نجم "قطر" كلاعب بارز على مسرح الأحداث فى منطقة الشرق الأوسط، ولم يكن هذا الظهور مفاجئا، لكنه كان غير معلوم للكثيرين، فطالما طمحت للقيادة والسيطرة في المنطقة عبر سنوات طوال، وأجرت شبكة اتصالات سرية بأعدائها لإبراز دورها فى المنطقة، فقطر على علاقة وطيدة مع إيران، بالرغم من القلق والخلافات المحتدمة بين مجلس التعاون الخليجي وطهران، ورغم العداء بين معسكر السنة الذي قادته مصر والسعودية ضد المعسكر الشيعي الإيراني، فرغم كونها جزءا من مجلس التعاون لعبت لحسابها الخاص وأجرت اتصالات سرية مع طهران، أعقبتها علاقات تجارية . كانت إيران عدوا لمصر فى العهد السابق، وسعت قطر إلى التعاون معها، كما وطدت علاقتها بإسرائيل أيضًا، وظهرت هذه العلاقات على الساحة منذ سنوات عديدة، وكانت بوادر هذا الظهور مع نشر كتاب "قطر وإسرائيل... ملف العلاقات السرية" لكاتبه "سامي ريفيل" المدير العام السابق فى الخارجية الإسرائيلية، الذي وصفه البعض ب "مهندس التطبيع بين إسرائيل وعدد من الدول العربية. العلاقات الإسرائيلية القطرية لم تسر على وتيرة واحدة، لكنها كانت حميمة أحيانا ومتوترة أحيانًا أخرى، لكن هذا لا يعني عدم وجود اتصال أو مصالح متبادلة بين الجانبين. ويعود الفضل إلى قطر فى رعاية التعاون بين دول الخليج وإسرائيل، ففى عام 1994 أعلن "مجلس دول التعاون الخليجي" عن وقف المقاطعة الاقتصادية غير المباشرة المفروضة على الشركات العاملة في إسرائيل، وفي أعقاب ذلك تم تخفيف الضغوط على الشركات العاملة مع الجانب الإسرائيلي وعلى البضائع القادمة منها إلى الدول العربية. كذلك الدور الكبير الذي لعبته في تشجيع دول المغرب العربي على الانفتاح حيال إسرائيل تحت عناوين اقتصادية علنية وأمنية سريا. ويبدو أن هناك عنصرا إضافيا ساهم فى هذا التقارب، وهو التوتر فى العلاقات المصرية القطرية، فالضغط المصري على قطر استهدف كبح جماح العلاقات المتسارعة لها مع إسرائيل، خوفا من حصول قطر على صفقة تصدير الغاز إلى إسرائيل. وكما كانت القواعد العسكرية الأمريكية بوابة إسرائيل فى قطر، كانت قطر بمثابة بوابة إسرائيل لللخليج، تولى حاكم قطر مهمة عمل علاقات علنية مع إسرائيل فى جميع المجالات، واستغل وقتها عداء القاهرة له وسعيها إلى وقف هذا التقارب. وهناك عدة شخصيات محورية فى هذا التقارب، أحدهم ذكرناه سلفا "سامي ريفيل" ومن الجانب الآخر رئيس الوزراء القطري "حمد بن جاسم" الرجل الذي يوصف بالدهاء . ورغم هذا التقارب، فإن هناك ملفات شائكة فى العلاقات بين البلدين، أهمها دعم قطر للثوار فى سوريا، فإسرائيل لا تؤيد نظام الأسد ولا تري فيه حليفًا يحفظ مصالحها، إلا أن هذا النظام ساعد فى حفظ الهدوء على حدودها فى الجولان لسنوات طويلة، ورغم دعمه للمقاومة فإنه لا يسعي للصدام العسكري المباشر مع إسرائيل، والقلق الرئيسي لدى تل أبيب هو أن التدخل الدولي في سوريا قد يشعل فتيل الحرب في المنطقة والتى قد تصل إلي تل أبيب. وفى أعقاب الثورة المصرية ، وحدوث عدة انفجارات لخط إمداد إسرائيل بالغاز المصري، لم تتوانى قطر عن إبداء رغبتها فى تصدير الغاز الطبيعي إلى إسرائيل عوضا عن مصر، فقد أعلن وزير التجارة والصناعة "حسن بن عبد الله فخرو" استعداد بلاده لتزويد إسرائيل بالغاز لمدة غير محدودة وبأسعار مخفضة. تلاها تصريحات أمير قطر الشيخ "حمد بن خليفة آل ثاني" التي أكد فيها أن علاقات بلاده مع إسرائيل علاقات واضحة وقوية. وخلال حوار له مع قناة الجزيرة أكد "حمد" أن الاتصالات القطرية مع تل أبيب مستمرة، ولكن إسرائيل لا تعتبر بلاده دولة "صديقة" بل "عدو" وفسرتصحيفة "معاريف" ذلك بالقول إن العلاقات القطرية الإسرائيلية تشهد قطيعة إعلامية، لكنها "علاقات وطيدة" على المستوى السري غير المعلن. رسميا تم قطع علاقات الدوحة بتل أبيب فى أعقاب عملية الرصاص المصبوب على قطاع غزة عام 2009... وفي عام 2010 بعثت قطر برسالتين إلى إسرائيل لاستعادة العلاقات التجارية ، بشرط أن تسمح إسرائيل لقطر بإرسال مواد البناء والأموال إلى غزة ، وبالطبع رفضت إسرائيل هذا المقترح، على أساس أنه يمكن لحماس استخدام الإمدادات القطرية فى بناء قواعدها من جديد وتعزيز قوتها لإطلاق صواريخ على المدن الإسرائيلية. قبل نهاية 2010 حدثت انفراجة، فقد حدثت زيارة مهمة من وزير الصناعة والتجارة الإسرائيلي "بنيامين بن أليعازر" إلى قطر،ونقلت بعض الصحف العالمية أنباء عن لقاء جمع رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" مع رئيس الوزراء القطري "حمد بن جاسم" في باريس سرا بداية عام 2012 . وقد جاء نوفمبر 2012 حاملا هزة ظاهرية أخرى لعلاقات الجانبين، فقد قام بها الأمير القطري بزيارة قطاع غزة، وهو ما أغضب إسرائيل بشدة، بل وصف بعض المحللين السياسيين الموقف آنذاك بأنه أصاب حكومة تل أبيب بخيبة أمل، خاصة أن أمير قطر أول زعيم عربي يكسر حصار غزة. واعتبرت صحيفة "جورزاليم بوست" عبر لسان دبلوماسي إسرائيلي "أن زيارة الأمير لقطاع غزة خطوة هامة منحت حماس الشرعية التي كانت ترغب فيها وبقوة، وأنه يتوجب على إسرائيل أن تستغل تأثيرها على قطر لإقناعها بتغيير سلوكها". وكان مركز "سيكور ميموكاد" الإسرائيلي قد أصدر دراسة بعنوان "أمير قطر يقود المعسكر السني" توضح التحرك القطري الأخير فى المنطقة بعد ثورات الربيع العربي، ووصف زيارة "حمد" لغزة بأنها بشرت بمرحلة جديدة فى الصراع المحتدم بين المعسكرين السني والشيعي للسيطرة على العالم العربي، وما لاقته من غضب من الجانب الإسرائيلي، واتهامه بدعم الإرهاب، ووصفوه بأنه يلقى بالمسيرة السلمية تحت "عجلات الحافلة". ومع سقوط النظام المصري السابق - نظام مبارك - وشيخوخة النظام السعودي الحالي، باتت قطر أكثر قوة، وبدا لزاما على إسرائيل التعامل معها. وربطت الدراسة بين الوضع السوري وبين الفلسطينين المتواجدين هناك، فقد قالت إن الأمير القطري يستغل مخيمات الفلسطينيين فى سوريا لإسقاط نظام الأسد، وهو سبب تقديم هذه المبالغ الضخمة لحماس، ودعت حماس لإقامة مكتبها السياسي لديها بعد مغادرة دمشق بسبب الثورة هناك. من المشهد الأسبوعى