وافق يوم الجمعة الماضي الذكرى الثانية لقيام الثورة المصرية. وبهذه المناسبة تجمع الآلاف من المصريين في ميدان التحرير الشهير في القاهرة، وفي ميادين وأماكن أخرى في مختلف أنحاء البلاد. غير أنه لم تكن هناك احتفالات كما كان يفترض؛ بل حمل المحتشدون لافتات كتب عليها شعارات تستدعي نفس الشعارات التي كان المحتجون يرفعونها منذ عامين، والتي تمكنت خلال 18 يوماً فقط من إسقاط نظام حكم سلطوي ظل حاكماً لما يقرب من 30 عاماً. كانت هناك مطالب بإلغاء الاستفتاء على الدستور، ومطالب بالعيش (الخبز)، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية، وكانت هناك أيضاً مطالب بإسقاط النظام. وقد انضمت فصائل المعارضة المختلفة إلى التظاهرات، وإن كانت جماعة "الإخوان المسلمين" قد حرصت على إصدار الأوامر لأعضائها بعدم النزول للشوارع لتفادي أية مواجهات دامية مع فصائل المعارضة الأخرى، وهي المواجهات التي ميزت التظاهرات الأخيرة ضد الحكومة احتجاجاً على مسودة الدستور. وعلى رغم ذلك، اندلع العنف في عدد من الأماكن، وأُحرقت بعض مقار حزب الحرية والعدالة من قبل جماعات مجهولة. وبشكل عام يكن القول إن المناسبة برُمتها كانت مخيبة للآمال، وزادت من سوئها حقيقة أنها تميزت بعنف بشع، وافتقار واضح لقيادة متماسكة وذات هدف. كان يمكن لهذه المناسبة أن تكون بمثابة جردة حساب للإنجازات التي تحققت منذ أن تمت إحاطة النظام السابق، والأهداف التي ما زالت واجبة التحقيق. كما كان من الوارد أن تكون فرصة للتعرف على الأولويات العاجلة ومعرفة كيفية معالجتها، وكان يمكن أيضاً أن تصبح بمثابة محفز لتأسيس حوار وطني مستمر يعكس مصالح ورؤى الفصائل والتيارات السياسية المختلفة، والمجموعات الاجتماعية الموجودة في البلاد. وكان يمكن أن تكون بداية لتطبيق ميثاق شرف سياسي يضع مصالح مصر فوق المصالح الحزبية والشخصية. وكان يمكن للاحتفال بالذكرى الثانية للثورة المصرية أن يتم في ظروف أكثر إيجابية، ولكن هذا لم يحدث، وهو ما يرجع إلى ما تشهده البلاد من انقسام واستقطاب حاد، كما أن "الإخوان" الذين اعتبروا أنفسهم من ضمن فصائل الثورة باتوا اليوم يأخذون تعليماتهم من صندوق النقد الدولي من أجل تنفيذ إجراءات تقشفية غير مقبولة شعبياً. وعندما كان يوجه سؤال لماذا لم يحتفل المحتجون بذكرى الثورة بدلاً من العنف الذي حدث كان البعض منهم يجيبون أن الثورة قد أدت لمفاقمة الأوضاع الاقتصادية، وزادت من صعوبة الحياة، فما الذي يدعوهم بالتالي إلى الاحتفال. والثورة المصرية في الأساس كانت عبارة عن احتجاج، اتخذ شكل تظاهرات حاشدة ضد قسوة الشرطة التي أدت إلى مصرع خالد سعيد، على أيدي اثنين من مخبري الشرطة السريين في مدينة الإسكندرية في يونيو 2010. وقد أدهش حجم الاستجابة الهائلة للدعوة للاحتجاج والتظاهر مطلقي دعوات التظاهر أنفسهم، كما شحن المتظاهرين الذين ظلت مطالبهم تتزايد يوماً بعد يوم، إلى أن قرروا في نهاية المطاف أنهم لن يرضوا بما هو أقل من السقوط التام وغير المشروط للنظام. وقد انضم مئات الآلاف إلى حركة الاحتجاج في ذلك الوقت، في جميع المدن الرئيسية تقريباً في مصر، وأدت تلك الاحتجاجات الشاملة، وتخلي الجيش والنخب الحاكمة في الداخل عن نظام مبارك، وعجز ذلك النظام عن العثور على مؤيدين ورعاة له من بين الأصدقاء والحلفاء في الخارج، إلى سقوطه خلال فترة وجيزة. وبخلاف المطالبة ب «العيش، والحرية، والكرامة، والعدالة الاجتماعية» لا توجد لدى القادة الثوريين -ليس من السهل تعريفهم وتحديد من هم- أجندة متفق عليها، ناهيك بالطبع أن تكون لديهم استراتيجية. والمؤسستان الوحيدتان القويتان في مصر، هما مؤسسة الجيش وجماعة "الإخوان". ويمكن القول إن الجيش قد نجح في إدارة المرحلة الانتقالية من حيث إنه تمكن على الأقل من تجنب سقوط البلاد في وهدة الحرب الأهلية -كما حدث في بلاد أخرى- غير أنه لم يحقق درجة مماثلة من النجاح في الإشراف على عملية صياغة مسودة دستورية، ولا في محاولته لتعزيز سلطاته. في حين تمكنت جماعة "الإخوان" الأكثر تنظيماً من منافسيها، من الفوز في الانتخابات التشريعية، ومن السيطرة على مقاليد الجهاز التنفيذي للسلطة في مصر الجديدة. ولكن الخطأ الذي ارتكبه النظام الجديد، هو عندما حصن نفسه مؤقتاً ضد الطعن القضائي على قراراته، وقد عرضه ذلك لنقد غير مسبوق، وكان سبباً في إطلاق موجة من العنف الواسع. يشار إلى أن أياً من القطاعات الرئيسية في المشهد عند اندلاع الاحتجاجات في شتاء 2010 وبداية عام 2011 ، وهي مجموعات الشباب، والجيش، و"الإخوان"، والجماعات السياسية المختلفة، لم يتوقع سقوط نظام مبارك بالسرعة التي سقط بها، ما اضطر الجميع إلى ارتجال سياسات ومواقف وفقاً لتطورات الأحداث - ومعظمها كان من النوع الذي لا يمكن التنبؤ به- وبدت السلطة في سياق ذلك غنيمة متاحة يمكن لأي جماعة من تلك الجماعات الفاعلة في الحقل السياسي المصري أن تفكر في الاستيلاء عليها. وهذه الحالة من الارتجال لها تأثيرها مرهق على البلاد، يزداد تفاقماً على الدوام، في الوقت الذي يريد فيه الشعب حلولاً عاجلة للمشكلات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي يعانيها منذ زمن طويل. وربما كان من الحتمي أن يؤدي سقوط نظام سلطوي ظل قائماً لثلاثين عاماً، إلى إطلاق سلسلة لا تنتهي من الآمال، والأحلام الوردية عن الحريات الأساسية، وحكم القانون والعدالة الاجتماعية؛ إلا أن الشيء الذي لاشك فيه -مع ذلك- هو أن التناحر على السلطة السائد حالياً، وغياب الخبرة السياسية في مجال الحكم الديمقراطي الرشيد لدى "الإخوان"، يمكن إن لم تتم معالجته على النحو السليم، أن يقود إلى مزيد من الاستقطاب الذي صار سمة من السمات البارزة في المشهد السياسي المصري الآن، والذي يجب العمل على تلافيه للحيلولة دون المزيد من التدهور في الأوضاع. ***************** (نقلا عن الاتحاد - الامارات)