ونحن مقبلون على الذكرى الثانية لثورة 25 يناير ، يدور حديث الساعة الآن حول ماذا سيحدث في هذا اليوم الذي يوافق بعد غداً الجمعة ، هذه الثورة التي فجرها شباب مصر والذين ضحوا بدمائهم وبأرواحهم من أجل مجموعة من الأهداف الأساسية وهي "عيش حرية عدالة اجتماعية" ، إلا أن هناك من يرى أن الثورة لم تحقق كافة أهدافها التي خرج الشباب من أجلها ولذلك فإنهم يدعون إلى التظاهر بشكل سلمي في هذه الذكرى من أجل القصاص لدماء الشهداء والمصابين واستكمال أهداف الثورة . وهناك من يرى أنه لابد من الخروج في هذا اليوم ليس للتظاهر ولكن للاحتفال بتلك الذكرى التي انهت حكم استمر 30 عاماً خلال 18 يوماً ، وبين هذا وذاك فهناك فريق آخر ربما سيسعى من خلال هذا اليوم لنشر الفوضى والتخريب .
ويخشى كثيرون من ان تتحول الذكرى الثانية للثورة لأحداث عنف بين الفصائل والتيارات السياسية المختلفة والتي شكلت يوما التحالف الذي اسقط قبل عامين الرئيس السابق مبارك.
لا للاحتفال
فقد دعت جبهة الإنقاذ المعارضة الثلاثاء إلى التظاهر الجمعة المقبل في ميدان التحرير بالقاهرة وميادين مصر الأخرى لإحياء ذكرى الثورة والاعتراض على ما سمته "النظام الإخواني".
ويتوقع أن تشارك تجمعات شبابية في بعض التجمعات المطالبة بتحقيق أهداف الثورة ومنها محاسبة المتسببين في قتل المتظاهرين .
ووضعت الجبهة سبعة أهداف للتظاهر أبرزها "التأكيد على حيوية الثورة واستمرارها وانجاز دستور لكل المصريين والقصاص العادل لشهداء الثورة، ومنع أخونة الدولة وتمكين جماعة الإخوان المسلمين من حرية وثروات الشعب المصري".
كما تطالب "بانجاز تنمية اقتصادية حقيقية وتحقيق مبدأ المواطنة ونبذ التمييز وتوفير ضمانات حقيقية لانتخابات حرة ونزيهة".
وقال البيان إن "تراكمات أخطاء وعجز النظام الاخواني أدى إلى تدهور الاقتصاد ومضاعفة معاناة الملايين من أبناء شعبنا، وانفلات الأمن الداخلي والقومي وتراجع الحريات العامة والخاصة وتبعية القرار الوطني للهيمنة الخارجية" . محذرة من دفع البلاد إلى هوة "الدولة الفاشلة".
وكانت 16 حزبا وحركة سياسية مصرية اعلنت الاحد في مؤتمر صحفي خطة التظاهر في جميع المحافظات في الذكرى الثانية لثورة 25 يناير تحت شعار "لا لأخونة الدولة". واكدت الأحزاب والحركات على رفض دعوة الاحتفال بذكرى الثورة، موضحين أن مصر وصلت إلى الفقر والغلاء والانفلات الأمني وسوء الإدارة في الوقت الراهن.
ويتوقع كذلك أن تتظاهر الجماهير الأكثر تشجيعا للنادي الأهلي المصري "ألتراس" السبت المقبل بالتزامن مع الموعد المحدد لصدور الأحكام في أحداث ملعب بورسعيد مطلع فبراير/ شباط 2012.
ويقول محمود عبد الرحيم، المنسق العام للجنة الشعبية للدستور المصري، إن النزول في الذكرى الثانية للثورة هدفه ليس الاحتفال بإنجاز لم يتم على كل المستويات، وقصاص وعدالة غائبين، وإنما للاحتجاج على ممارسات الإخوان التي تهدر مطالب الثورة وأهدافها، ولا تستهدف غير تنفيذ مشروع "التمكين الإخواني" حتى ولو على حساب مصالح جموع شعب مصر، والمصالح الوطنية العليا، بالسعي إلى تقديم تنازلات لكل من واشنطن والكيان الصهيوني، وفتح مصر للتدخلات الخارجية خاصة القطرية، وتزاوج رأس المال والسلطة بغطاء ديني انتهازي، ومحاولة تفكيك مقدرات الأمة وإهدارها، وتحويل مصر لسوق كبير يتحكمون فيه، ويراكمون ثروات من عمليات مشبوهة ومدمرة للبلاد "كالصكوك الإسلامية" وغيرها.
تجنب المواجهة
وتسود جماعة الإخوان المسلمين، حالة من القلق نتيجة الدعوات المتكررة للخروج إلى الميادين خاص ميدان التحرير لإحياء ذكرى الثورة ورفع شعار "إسقاط النظام".
وطالبت الجماعة وزارة الداخلية بتأمين مقرات الاخوان في كل المحافظات من الاعمال التخريبية، فيما نفى المتحدث الرسمي لجماعة الإخوان المسلمين، الدكتور محمود غزلان، دعوة الجماعة وذراعها السياسية، حزب الحرية والعدالة، إلى تنظيم مظاهرات الأربعاء المقبل في عدد من محافظات الجمهورية.
هذا وقد فضلت القوى الإسلامية في مصر تجنب مواجهة الثوار من المعارضين في ذكرى الثورة، حيث قررت جماعة الإخوان المسلمين ومعها عدد من القوى السلفية، عدم النزول في أي مظاهرات خلال هذا اليوم، تلافيا لأي أعمال عنف متوقعة قد تنشب بين المؤيدين والمعارضين، في وقت نفت فيه الحكومة المصرية أنها هددت المشاركين في المظاهرات ضدها ب"الضرب بيد من حديد".
ودشنت جماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزبها "الحرية والعدالة" أمس حملة "معا نبني مصر"، وقالت إن هذه الحملة خدمية وتنموية تهدف إلى استكمال مسيرة العطاء التي بدأت بثورة يناير وأسقطت نظام الرئيس السابق حسني مبارك، ودعت كل التيارات الإسلامية للمشاركة فيها.
وحذرت قوى ثورية من وجود لأنصار جماعة الإخوان أو مؤيدين للرئيس مرسي في محيط ميدان التحرير أو أي الأماكن التي حددتها للتظاهر، مؤكدة أن ذلك سيدفعها لمواجهات عنيفة مثلما حدث أمام قصر الاتحادية الرئاسي.
وأكدت جماعة الإخوان المسلمين على لسان المتحدث الرسمي باسمها الدكتور ياسر محرز، أنها "ترفض النزول في مظاهرات تلافيا لأي أعمال عنف متوقعة خلال هذا اليوم، وأنها فضلت أن تشارك في بناء البلد، بدلا من أن تعمق حالة الاحتقان الموجودة منذ فترة بين القوى السياسية".
وقال الدكتور محمود حسين الأمين العام للجماعة أمس :"إن الجماعة ترى أن الكثير من مطالب وأهداف الثورة المصرية قد تحققت، ولذلك فهي قررت أن تحتفل فقط بذكراها، عبر حملة "معا نبني مصر" والتي تتضمن ثلاثة مشاريع خدمية مركزية يتم تنفيذها على مستوى جميع المحافظات، بجانب عدد من المشاريع المحلية التي تحددها كل محافظة على حدة.
من جانبه، قال الدكتور مصطفى الغنيمي عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، ومنسق الحملة :"إن هذه الحملة هي إحياء للثورة، وإنها ستستغرق شهرا من 22 يناير إلى 22 فبراير / شباط"، موضحا أن هناك 3 مشاريع رئيسية منها الصحة والخدمة الطبية المجانية، بالإضافة لإصلاح وترميم وصيانة 2000 مدرسة، وتقديم مليون وحدة سكنية بسعر التكلفة، وإنشاء أسواق خيرية كبيرة.
وكان عدد من القوى السلفية، منها الدعوة السلفية وحزبها "النور"، قد قررت عدم المشاركة في ذكرى الثورة، خوفا من أعمال عنف متوقعة، في حين ناشدت الجماعة الإسلامية في مصر، جميع الأحزاب "إعطاء الرئيس مرسي المنتخب فرصة كي يتمكن من جميع أركان الدولة".
في المقابل، اعتبر ناشطون سياسيون أن حملة جماعة الإخوان المسلمين وغيرها هي محاولة من أجل تحسين صورة الرئيس مرسي، الذي فشل في إدارة البلد ولم تحقق شيئا من أهداف ثورة يناير.
وقال عصام الشريف المنسق العام للجبهة الحرة للتغيير السلمي، إن الأشهر الماضية كشفت عمق أزمة الإدارة السياسية وعدم قدرتها على القيام بدورها في ضبط حركة الجهاز الإداري للدولة، مضيفا: "لم نر مشروعا للنهضة.. ووقعنا جميعا فريسة للتجارة بالدين والانتهازية السياسية، ولم نر قصاصا للشهداء، ووجدنا فصيلا واحدا يسعى لسجن الوطن في عباءته".
إظلام مصر
هذا وقد حذرت مصادر مطلعة من وزارة الكهرباء عن وجود مخطط يتم إعداده تزامنًا مع ذكرى الثورة، لإحداث أزمات داخل عدد من المنشآت الحيوية بالدولة وعلى رأسها وزارة الكهرباء والبترول والاتصالات، وتعتمد الخطة التي حملت اسم "إظلام القاهرة"، على تعمد قطع الكهرباء بمحيط وسط البلد وميدان التحرير وميادين القاهرة والجيزة.
في الوقت نفسه حذرت القوى الثورية عن مخطط خاص بإمكان محاصرة قصر الاتحادية والاعتصام أمام أبوابه حتى سقوط النظام وأيضًا التمهيد للهجوم على محطات الوقود والكهرباء لترويع المواطنين وإحساسهم بفقدان الأمن.
وقال محمد إبراهيم مسئول بوزارة الكهرباء :"إن التأمين الخاص بمحطات الكهرباء والوقود ضعيف للغاية لأنه يعتمد على مجموعة من عناصر الشرطة غير المستعدة لمواجهة أي اعتداء على المحطات".
وأوضح إبراهيم أن الكهرباء طالبت منذ فترة بوجود غرف عمليات تربط بين مديريات الأمن وإدارات الكهرباء بالمحافظات إلا أن ذلك لم ينفذ حتى وقتنا هذا . مؤكدًا أنه يمكن للبلطجية الضغط على النظام بترويع المواطنين من خلال الاعتداء على محطات الكهرباء مثلما حدث في محطة النوبارية وتم القبض على عدد منعهم وإحالتهم للمحاكمة أمام القضاء.
أزمات مفتعلة
من جانبه أكد الدكتور السيد عبد الكريم القيادي بالحرية والعدالة أن رجال الوطني السابق يدفعون حاليًا بالبلطجية الهاربين من السجون لإعلان حرب شرسة على الرئيس في المجال الاقتصادي بالتحديد وذلك من خلال نشر الشائعات الخاصة بارتفاع السلع والخدمات وأيضًا هجوم حاد على مؤسسات الدولة والمراكز الحيوية والاعتداء عليها.
وقال عبد الكريم إن ما يحدث حاليًا من اشتعال الحرائق ومحاولة إثارة الفوضى في البلاد هو مخطط تقوده الدولة العميقة لمبارك خاصة في ظل الأنباء التي تحصلنا عليها عن وجود هجوم مستمر على محطات الوقود والكهرباء مؤكدًا أن الداخلية تتراخى في مواجهة تلك المحاولات بدعوى فشل القضاء وعدم قدرته على محاسبة المخطئين، موضحًا أن جماعة الإخوان شكلت لجنة قانونية لبحث تلك الأزمات المفتعلة ومحاولة رصدها لتقديمها لاحقًا للنيابة.
وأضاف عبد الكريم يمكن للداخلية أن تقوم بوضع أجهزة مراقبة في الميادين وأمام مؤسسات الدولة ومحاولة رصد أي تحركات لإدانة مثيري الفوضى لاحقًا.
وعن نزول الإخوان للتظاهر قال إن هناك تشديدًا من قيادات الجماعة بعدم النزول أو حتى الاحتكاك بأي طرف آخر كما تم ترك مقرات الجماعة للشرطة لحمايتها محذرًا من إمكان النزول إذا ساءت الأوضاع واستطاع البلطجية نشر الفوضى في البلاد.
فيما قال هشام كمال المتحدث الرسمي باسم الجبهة السلفية إن جبهة الإنقاذ الوطني والفلول متورطين في إثارة الفتنة في البلاد ومحاولة استنساخ مشهد النظام السابق مرة أخرى.
وأضاف كمال أن مؤسسات الدولة لا تعمل بمنطق الولاء مع الرئيس بل تشترك في خلق مشهد الرفض الشعبي للرئيس موضحًا أن ارتفاع الأسعار وأيضًا التعدي على المؤسسات محاولة للانقلاب على الرئيس وقال إن جبهة الإنقاذ تعلمت الدرس جيدًا من إمكان تحرك الإسلاميين إذا حدث أي فوضى أو محاولة الهجوم على قصر الرئاسة ومحاولة الاعتداء على مؤسسات الدولة.
وقال حازم خاطر منسق ائتلاف الدفاع عن الشريعة إن القوى الإسلامية تنسق على إنشاء لجان شعبية بديلة للداخلية إذا انسحبت مؤكدًا أن السبب في تلك الفوضى عدم وجود العدل، وبالتأكيد القضاء متهم في تلك الإحداث لأنه لم يقيم العدل والقصاص على قتلة الثوار مثل أحداث بورسعيد، وبناء عليه سيتم عمل تظاهرات من قبلهم يوم 26 يناير.
وأوضح خاطر أن الفوضى غير مقبولة خاصة ترويع المواطنين بتوزيع البلطجية في الشارع بشكل عام لخلق صورة من عدم قدرة النظام على مواجهة الفوضى.
رفض التخريب
وتعليقاً على دعوات التخريب التي انتشرت مؤخرا، أكدت الرئاسة المصرية رفضها للدعاوي التي يطلقها البعض بالقيام بأعمال تخريب للمنشآت العامة والخاصة وتعطيل الطرق خلال الاحتفال بالذكرى الثانية لثورة 25 يناير .
وقال المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الدكتور ياسر علي في مؤتمر صحفي عقده مساء أمس الثلاثاء بمقر الرئاسة : "تخريب أي منشأة عامة هو تخريب لمنشآت يمتلكها الشعب المصري", مشيرًا إلى أن التعبير السلمي حق مكفول للجميع من خلال مختلف الوسائل المتاحة .
وشدد المتحدث بالقول : "لا يجب على المصريين الاعتداء على منشآتهم في أجواء الاحتفال بثورة 25 يناير التي أشاد العالم كله بسلميتها"، معربا عن ثقته في وعي الشعب المصري.
واعلنت وزارة الداخلية حالة الاستنفار القصوى لحماية مؤسسات الدولة الهامة، مع اقتراب هذه الذكرى في ظل دعوات الحركات الثورية للخروج في مظاهرات للمطالبة بتحقيق اهداف الثورة، فيما عقد رئيس الوزراء اجتماعا مع وزير الداخلية لاستعراض خطة مؤسسات الدولة.
متاهة الثورة
ويرى المراقبون أنه ما بين الإيجابيات والسلبيات قد لا تكون الثورة حققت كل أهدافها وربما وجدت نفسها في متاهة مرحلة انتقالية صعبة ذات اختلافات في الرؤى ولكنها هي في مرحلة تفاعل مستمر لتحقيق باقي الأهداف من خلال الحفاظ على إجماعها الوطني والتمسك بأهدافها وفى مقدمتها القصاص من قتلة الثوار وإعادة محاكمتهم ، والتحقيق في كل التجاوزات التي تعرض لها الثوار منذ 25 يناير 2011 أن مصر وهى تتطلع إلى مستقبل جديد في بداية العام الثالث للثورة تحلم بمزيد من الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية.
وأضافوا أن مصر تحتاج أول ما تحتاج إلى صنع المعادلة الصعبة بين المشاعر الملتهبة بروح الثورة وبين صوت العقل الذي يزن الأمور بميزان دقيق ، ونبذ كل صور العنف والتخريب ، والحفاظ على الدولة المصرية لأن الدولة هي الجامع والحارس وبدونها تكون الفوضى .
وأوضح العديد من المحللين أن ثورة 25 يناير مثل كل الثورات العظيمة في التاريخ لم تكن أبدا هدفا فى حد ذاتها وإلا لكانت مجرد انتفاضة أو عمل فوضوي ، وإنما كان لها هدفها الذي زأر به الملايين فى كل ميادين ميدان التحرير في مصر وهو إسقاط النظام الاستبدادي الفاسد ليحل محله النظام الديمقراطي الحقيقي .
ومهما كانت شدة الأزمة السياسية والاقتصادية التي تعيشها مصر فلن تثنى الشعب المصري عن المضي قدما في طريق ثورة 25 يناير المطالبة بالعيش والحرية والعدالة الاجتماعية مهما كانت القوى التى تعترض مسار الثورة وتضع العراقيل أمام تحقيق أهدافها ، وأن وحدة القوى المشاركة فى الثورة كانت أقوى الأسلحة ، ولابد من استرجاع هذه الوحدة بكل الوسائل ومهما كانت التضحيات لأن هذه التضحيات تصغر أمام المصالح العليا للوطن وثورته المجيدة .
وفى الوقت الذي كانت تتطلع فيه مصر لحالة من الاستقرار بعد عامين من الثورة عاشت أجواء أزمة سياسية معقدة خلقت حالة من الانقسام والاستقطاب في المجتمع والشارع المصري .