علاقات الدول تحكمها الأعراف الدبلوماسية وحسابات السياسة والاقتصاد وتدافعات المصالح وصراعاتها على شتى المستويات، والأوضاع داخل كل دولة تحكمها الدساتير والقوانين، غير أنّ ثمة وضع جديد في العالم العربي بعد الانتفاضات والاحتجاجات التي شهدتها بعض الجمهوريات العربية وبخاصة بعد وصول الحركات الأصولية لسدة الحكم في تلك الدول. إنّه وضع جديد باعتبار ما، وهو اعتبار أنّ تنظيماً ما، تياراً كان أم جماعةً، لا يفرّق بين عمله كتيار أو جماعة ذات رداء آيديولوجي وبين كونه حزباً سياسياً يعمل في بلد بعينه، ويمثل ذلك البلد بكافة تياراته وأحزابه حين يصل لسدة الحكم فيها، وليس من لوم على أي بلد آخر أن يأخذ حذره من محاولات الخلط المتعمّد بين المستويين بعد الوصول للسلطة من قبل تلك الجماعات الأصولية. يحدثنا التاريخ الحديث –على سبيل المثال- أنّ التوجه اليساري والتنظيمات الشيوعية وصلت للحكم بعد نجاح تجربتها في روسيا ومن بعد في الصين، وأنها تحت تلك الشعارات العامة دعمت ما سمّي لاحقاً بالثورات الشيوعية التي وصلت للحكم في كثير من بلدان العالم، وكان منبع تلك الثورات ينطلق من تيارات وتوجهات لا تلبث أن تتحول لتنظيمات سرية تتغلغل في الجيوش وتخلق مكنةً اقتصادية تدرّ عليها من الأموال ما يسمح لها بالتوسع والانتشار، وتكون الآيديولوجيا السياسية هي الناظمة لذلك العقد كله، جرى ذلك في كثير من دول العالم من كوريا وشرق آسيا إلى أميركا الجنوبية وفي بعض جمهوريات العالم العربي أيضاً. لم ترض الدول الغربية الحديثة التي كانت محوراً في ذلك الصراع بمثل تلك التغلغلات ورفضتها، واعتبرتها حرباً باردةً ضدّها، تستهدفها وتستهدف حلفاءها ومصالحها فأجابت عليها بالمثل في صراع سياسي شامل، طويل الأمد وواسع النطاق وعميق التأثير في حرب معروفة ومكشوفة يمكن للباحث اليوم استحضار كافة تفاصيلها واستعراض غالب نتائجها. في هذا السياق، فإن الوضع الجديد- المشار إليه في صدر المقال- في العالم العربي هو أنّ جماعةً أصوليةً هي جماعة الإخوان المسلمين قد أنشأت تيارات وتوجهات موالية لها في كثير من بلدان العالم العربي والإسلامي والغربي تجمعهم الآيديولوجيا والخطاب العامّ، ثم زرعت تنظيمات موالية لها، وحرصت كل الحرص على أن تتسمّ تلك التنظيمات بثلاثة عوامل أساسية هي: الولاء المطلق للجماعة ومرشدها الذي يشمل البيعة الشرعية الدينية بما تشمله من القسم الديني بالسمع والطاعة، والهرمية التنظيمية الصارمة، والسرية التامّة، والتي تتمّ في طقوسية مغالية. اكتشفت بعض دول الخليج العربي تدريجياً وخلال عقدين من الزمان ما كانت تصنعه جماعة الإخوان المسلمين على أراضيها، وسعت كل منها لاتخاذ موقف من تلك الجماعة في محاولات هادئة لإعادة الأمور لنصابها، وعبّرت عن ذلك الموقف بتصريحات سياسية رصينة ومحذّرة كما صنع وزير الداخلية السعودي الراحل نايف بن عبدالعزيز، أو بحوارات معمّقة كما صنعت دولة الإمارات العربية المتحدة، فضلاً عمّا صنعته بعض الجمهوريات العربية من مناصبة مباشرة للعداء لهذه الجماعة سبقت ذلك التاريخ. جليٌ لمن يقرأ التاريخ العربي الحديث أنّ دول الخليج وعلى رأسها السعودية والإمارات لم تن في تقديم الملاذ الآمن والحياة المستقرة لهاربي الإخوان في مرحلة سابقة، ولكنّ الجماعة وبالتعاون مع دولة خليجية وبعدما كانت -منذ أمدٍ- تمشي مشياً إلا أنّ ذلك المشي تحوّل بعد ما يسمى ب«الربيع العربي» سعياً وعدواً لاختراق تلك الدول وتهديدها من داخلها وهو ما مثلت دولة الإمارات المثال الأكثر حضوراً في الإعلام والمشهد العام لهذا الوضع الجديد. العلاقات التي ربطت دولة الإمارات بالدولة المصرية والشعب المصري هي علاقات وطيدة لم تزل شواهدها ماثلة كشواهد تنموية كبرى في برّ مصر وعليها أسماء رعاتها ومموّليها حتى اليوم، والمشاركة الطيّبة الذكر للشعب المصري في تطوير عددٍ من القطاعات المهمة في دولة الإمارات لم تزل ماثلةً للعيان ويشار لها بالبنان. ولكنّ العلاقات بجماعة «الإخوان» ليست كذلك، وبخاصة بعد وصول الجماعة لسدة الحكم في البلد العربي الكبير، بكلمة، أن مصر ليست جماعة «الإخوان المسلمين» وجماعة «الإخوان المسلمين» ليست مصر. ضمن هذا السياق يمكن قراءة ما أعلنته السلطات الإماراتية على لسان مصدر مسؤول ونشرته صحيفة إماراتية من إلقائها القبض على عشرة من قيادات جماعة «الإخوان المسلمين» المصريين على أراضيها، واتهمتهم بزراعة تنظيم ذي هيكلية ومنهجية وسرية –كما أشرنا أعلاه- ويسمّى التنظيم ب «المكاتب الإدارية» وقاموا بحسب المصدر الإماراتي بعمليات تجنيد وجمع أموال واستثمارات للتنظيم الأم بطرق غير مشروعة وأخيراً جمع معلومات سرية حول أسرار الدفاع عن الدولة. كما تحدّث المصدر عن علاقات وثيقة تربط بين هذا التنظيم الدولي وبين التنظيم السرّي المحلّي الذي أعلنت الإمارات سابقاً إلقاء القبض على عدد من رموزه وأحالتهم للنيابة ثم للمحاكمة، وقد كتبت عنه مطولاً في حينه بهذه الصحيفة، والذي يبدو من تصرّفات الجماعة هو أنّها تتجه بوعي لتجعل من نفسها «عدواً» لدولة الإمارات ولبعض دول الخليج. تذكر (موسوعة الاستراتيجيا) أنّ مفهوم العدوّ له عدة أنماط منها المفهوم الموضوعي وهو «العدوّ السياسي .. العدوّ العام البغيض وهذا لا يقتضي وجود أي حقد أو ضغينة شخصية، لأن العدو عدو الجماعة –سواء كانت هذه الجماعة طبقة أو ملةً أو شعباً أو دولة- وهو بدوره يكون جماعةً أو عضواً في هذه الجماعة إنه الغريب البغيض، إنه الخصم المضاد الذي تجتمع فيه النية البغيضة والقدرة على الأذى» ص822. المثير للأسى حقاً ليس عدوان جماعة مثل جماعة الإخوان المسلمين معروف تاريخها وتجاربها ولكنّه أن تجد هذه الجماعة من إحدى الدول الخليجية ظهيراً ضدّ أشقائها وسنداً يدعمها على الرغم من محاولاتها المتكررة لزرع الفتنة في بلدان الخليج وقد تطوّرت تلك المحاولات على أرض تلك الدولة الشقيقة، ويكفي معرفة ما كانت تصنعه «أكاديمية التغيير» الإخوانية في تلك الدولة حيث كانت تقدّم دورات لتعليم الشباب الخليجي كيف يثور على أنظمته وكيف يخلّع حكامه وكيف يصنع الفوضى وينشر التخريب تحت شعارات ولافتات التطوير الذاتي والإداري ونحوه. وقى الله الإمارات ودول الخليج شرّ كل مخرب. وكل عامٍ وأنتم بخير. (نقلا عن الاتحاد - الامارات)