الآن وقد تخلص أوباما من القيود والإكراهات الانتخابية، فهل سينخرط بشكل أكبر في تسوية النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني؟ وهل سيتبنى موقفاً هجومياً أكثر تجاه رئيس الوزراء الإسرائيلي؟ حتى الآن لم يفِ أوباما، لا بوعود جائزة نوبل للسلام التي حازها بشكل مبكر جداً، ولا بوعود خطاب القاهرة الذي ولد الكثير من الآمال العريضة. فأوباما الذي كان يرمي إلى تحقيق المصالحة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامي لم يتمكن من بلوغ هذا الهدف في الواقع. والسبب الرئيسي هو أنه لم يحقق أي تقدم بشأن مسألة النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، التي مازالت في صلب انشغالات الشعوب العربية، بل على العكس من ذلك تماماً، ذلك أنه استسلم أمام نتنياهو. فعلى الرغم من حقيقة أن إسرائيل تعتمد إلى حد كبير على المساعدة الأميركية، إلا أن نتنياهو هو الذي فرض أجندته عبر تقديمه المسألة الإيرانية، ووضعه المسألة الفلسطينية في مراتب أدنى ضمن سلم الأولويات الدولية. فحول موضوع إيران، حشد نتنياهو وراءه الإسرائيليين والكونجرس الأميركي. ولم يتردد نتنياهو في إذلال أوباما عبر مواصلته صراحة برنامج الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة رغم طلب الرئيس الأميركي الواضح له بوضع حد لذلك. كما أنه انحاز انحيازاً واضحاً تأييداً ل«رومني» في حملة الانتخابات الأميركية. وفيما يبدو تحولًا غريباً للأشياء، يبدو أن نتنياهو يستطيع ممارسة الضغط على أوباما أكثر من العكس، والحال أن الولاياتالمتحدة هي التي تحمي إسرائيل، وليس العكس. وكان أوباما قد اتُّهم من قبل «الجمهوريين»، خلال الحملة الانتخابية، بأنه ليس قوياً بما يكفي في دعمه إسرائيل. فاضطر إلى أن يضع تحذيراته لنتنياهو جانباً. ثم تنافس المرشحان للبيت الأبيض على الإدلاء بتصريحات مؤيدة لإسرائيل خلال الحملة الانتخابية. ومثلما كشف عن ذلك «شارل أندرلان»، الصحفي الفرنسي الإسرائيلي المتخصص في الشرق الأوسط وإسرائيل، فعلى الرغم من هذه الاتهامات، فإن 69 في المئة من اليهود الأميركيين صوتوا لمصلحة أوباما. ولعل الأكثر أهمية من ذلك أن 10 في المئة فقط من اليهود الأميركيين صوتوا تبعاً لموقف المرشحين الرئاسيين من إسرائيل. وهذا يعني أنه على الرغم من الأهمية التي تعطى لها، إلا أن لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية «آيباك»، التي تعتبر اللوبي الإسرائيلي الرئيسي في الولاياتالمتحدة، لاتملك من النفوذ أكثر من ذلك، كما أن دعم إسرائيل ليس أساسياً في قرار الناخبين الأميركيين - مثلما يقال - بمن في ذلك اليهود الأميركيون. والواقع أن آخر رئيس أميركي مارس ضغوطاً حقيقية على إسرائيل هو جورج بوش الأب: فهذا الأخير لم يحصل على دعم البلدان العربية في الحرب ضد العراق من عام 1990 إلى 1991 إلا بعد تقديمه وعداً بالاهتمام بشكل فعلي بالمسألة الإسرائيلية الفلسطينية. وهو ما وفّى به بعد ذلك، حيث قام بتنظيم مؤتمر مدريد عام 1992، والأهم من ذلك، هدد رئيس الوزراء الإسرائيلي حينها «شامير» بالكف عن ضمان القروض الأميركية لإسرائيل في حال استمرت الحكومة الإسرائيلية في سياستها المتمثلة في احتلال الأراضي الفلسطينية. وأمام مثل هذا التهديد، قرر الناخبون الإسرائيليون، الذين اعتبروا أن التحالف مع الولاياتالمتحدة ضروري وأساسي لوجود إسرائيل، رفض شامير وأوصلوا رابين إلى رأس الحكومة الإسرائيلية. غير أنه في عام 1992، خسر جورج بوش الانتخابات وخلص (وابنه) إلى أن التهديدات تجاه إسرائيل كانت هي السبب في تلك الهزيمة. أما الوضع الاقتصادي ووجود مرشح مستقل (روس بيرو)، الذي كان قوياً جداً في ذلك الوقت، فيبدو أنهما لم يلعبا دوراً في تلك الهزيمة! في هذه الأثناء، أُطلق النقاش في إسرائيل حول ما إن كان نتنياهو لم يتوخ الحذر بتسرعه في الرهان على الحصان الخطأ – رومني– في الانتخابات الرئاسية الأميركية وتصرفه كخصم لأوباما. ويمكن القول إنه إذا استخلص هذا الأخير الخلاصات المهمة وأخذ مسافة من نتنياهو، فإن ثمة حظوظاً كبيرة لأن يقوم الناخبون الإسرائيليون باختيار المرشح الوسطي رئيساً للوزراء. وحينها ستكون لدى أوباما حرية أكبر للعمل بتوافق وانسجام مع حكومة جديدة أكثر صدقاً في السعي وراء اتفاق سلام مع الجانب الفلسطيني. بيد أن الأمر لا يتعلق بانتقام من الانحياز المتهور لنتنياهو لمصلحة «رومني»، وذلك على اعتبار أن من شأن ذلك أن يسمح لأوباما بتحقيق أهدافه لمصلحة تسوية للنزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وخدمة الأمن العالمي، كما أن ذلك سيعزز هيبة الولاياتالمتحدة ومكانتها في العالم. غير أنه سينبغي رؤية ما إن كان سيجازف بالتدخل في الانتخابات الإسرائيلية بنفس المستوى الذي اعتقد نتنياهو أنه يستطيع التدخل به في الانتخابات الأميركية. نقلًا عن "الاتحاد" - الإمارات *************************نن