يُقتل إخواننا فى غزة ونحن نرمي الزهر أمام التلفاز ونتثائب من صور الدم.. ونرشف من كوب الملل ونتنهد بلا معنى.. ونرمي الزهر.. فإذا فرغنا من لعب الطاولة تفرغنا للعبتنا الشيقة الأخرى.. التي لا نكل منها ولانمل.. أن يكره كل منا الآخر.. أن يسخر من الآخر.. أن يتمنى موت الآخر.. وهكذا صارت مصر. لقد عشت عمري كله مثلما عاش المصريون.. من حزن إلى حزن.. لكني لم أر حزنًا أسوأ مما نحن فيه الآن.. فهو الحزن على مصر.. وعلى شعب مصر حين ينسى أعداءه ويتفرغ لمعاداة بعضه بعضًا.. حين ينسى أنها مصر بقيمتها ومعناها وجذورها ونيلها وقمرها ونخيلها وسحرها وخفة دمها.. والأسوأ ينسى الله .. فينسى نفسه.. ويغفل حتى عن حكمة وجوده في الحياة وهدفه.. حتى أنه لا يكاد يشعر بمعنى أن مصر تستغيث بنا.. ولا يكاد يفهم معنى أن يستنجد بنا إخواننا من خلف السور وهم يذبحون فى غزة، فلا نسمع.. ولا نهتم... ولا نجيب.. والله ينظر إلينا.. ترى كيف ينظر الله إلينا في هذه اللحظة وماذا يقول.. وبأي وجه بعد كل هذا سنلقاه فى اليوم المحتوم؟ مالكم.. ماذا جرى لكم..وهل أنتم حقاً أنتم؟ أم صرتم غيركم.. صرتم آخرين بلا دم ولا قلب ولا روح ولا لون ولا طعم.. ولا نخوة.. أنا لا أتكلم عن سياسة فنحن لم يضيعنا إلا السياسة وأصحابها.. أنا أتحدث عنكم.. عنا.. ولا أطلب فعلاً أو رد فعل.. بل مجرد الإحساس.. أحسوا باخوانك في غزة وهم يقتلون وأحسوا بمصر وهى تضيع من بين أيديكم.. كفوا عن الكراهية وكفوا عن الأحقاد.. وكونوا بحجم الموقف.. لا تكونوا مثل خراف متراصة للذبح تلتهم الطعام بينما تنتظر الدور.. كونوا كالبشر.. كونوا كالمصريين عندما كانوا مصريين.. لا عندما صاروا لا شيء.