فيما يتعلق بحقوق ومكتسبات المرأة المصرية منذ الأسر الفرعونية الأولى وحتى يومنا هذا نجد أنها -أى المرأة- حاربت من أجل الحفاظ على استقلالها وإثبات حقوقها بالعمل والجهد الشاق لتثبت جدارتها وأحقيتها لهذه الحقوق، إلا أن مدا جديدا قديما يحاول إعادتها للوراء بمختلف الطرق الممكنة وفي أكثر من مجال، بل يحاول سن القوانين وإرساء الدساتير لتكريس ذلك التراجع والانتقاص من حقوقها المشروعة. الجزء الأول من هذه المكتسبات يبدأ منذ نعومة أظافرها كفتاة والحفاظ على كيانها وحفظ كرامتها وعدم اختراق خصوصيتها والتمتع بطفولتها كاملة مصانة ومحاطة بكل سبل الرعاية الأسرية والمجتمعية، وقد بدأ الحديث حول هذه النقطة يأخذ منحًا أبعد ما يكون عن المنطق والإنسانية بمحاولة تمرير قانون تزويج الفتيات في سن الثانية عشرة، وهو ما يعتبر انتكاسة لم يسبق لها مثيل في تاريخ مصر ووصمة عار في تاريخ حكامها الجدد الذين جاءت بهم ثورة تقدمية على نظام رجعي. أما الجزء الثاني من المكتسبات فهو يتعلق بشريحة أخرى من النساء العاملات اللاتي خضعن لأقسى الظروف للمشاركة في حمل أعباء أسرهن ولا يزال هؤلاء النساء حجر زاوية في أسرهم حتى وقتنا هذا، حيث يطرح الدستور المزمع إقراره قريبًا محو هذه السمة "التساوي مع الرجل في الحقوق والواجبات" واستبدالها بكلمة كما اتفق عليه في الشريعة، ليترك بذلك المشرع السلطات التنفيذية والقضائية في حيرة من أمرها تهوي بهم إلى حيث تجرهم ميول الجماعة الحاكمة، فإن كانت على شاكلة الحالية اي جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين قد تجد المرأة العاملة تعامل بمنطق النصف أجر او بمنطق للذكر مثل حظ الأنثيين، وإن كان ذلك يطبق فقط على نظام المواريث، أما نظام العمل فهناك آيات كثيرة ترد في القرآن تؤكد مساواة الرجل والمرأة واللذين أمرهما الرحمن بأداء نفس الفروض ويثيبهما ويعاقبهما بنفس الميزان، ميزان العدل والمساواة بين الذكر والأنثى. أما الجزء الثالث فهو حقوق المرأة الصحية والتي لا يلتفت إليها أي نظام حاكم بالرغم من وجود ذلك كأساس للرعاية الاجتماعية لها كجزء مهم في نسيج المجتمع لا يكتمل بدونه وعليه العبء الأكبر من إنجاب الأبناء وتربيتهم وتوعيتهم ليصبحون عنصرًا فاعلًا في بناء مجتمع سليم.. الرعاية الصحية من أولويات حقوقها التي يجب تأكيدها وعدم تجاهلها أيا كانت ظروف المجتمع السياسية او الاقتصادية وهي أساس النهوض بمجتمع صحي وسليم ومتقدم. المخاوف التي تصاحب تلوين الدستور وصبغه بصبغة الجماعة مشروعة لأنها قد تتسبب في محو جزء كبير من مكتسبات المرأة والرجل في آن واحد ولا سيما فيما يتعلق بالحريات والديمقراطية والحقوق الأساسية، ومن ثم الوقوف أمام تمرير هذا النوع من البنود المشبوهة في الدستور حاجة لا مفر في ظل تنامي نفوذ عناصر التيارات الإسلامية في كل المجالات وعلى كل الاصعدة بدءًا بمؤسسة الرئاسة ومرورًا بمجلسي الشعب والشورى وحتى النقابات والجمعيات والمؤسسات المختلفة حكومية كانت او أهلية. الآن يمكننا القول بملء أفواهنا إن الجدل بين الشريعة والقانون ليس محرمًا، الحقوق والحريات مصانة في الإسلام ومنصوص عليها في الدساتير بما لا ينتقص من كرامة الإنسان رجلًا كان أو امرأة، ولا ينقصنا إضافة مواد أو بنود يلتبس في تفسيرها هذا وذاك، وتدخل في بند ( ويل للمصلين ) كما فسر البعض آيات القرآن الكريم وجاءوا بها من الكتاب بحق يراد به الباطل. الدستور يجب أن يكون واضحا لا لغط فيه ولا تأويل، ولاسيما ما يتعلق به بحقوق المرأة وحرياتها كفرد من أفراد المجتمع لا يخل بواجباته، ومن ثم لا يجب أن ينتقص من حقوقه، لا بتفصيل دستور رجعي يعيدها الى خيمة الجاهلية، ولا بالقفز على حقوقها السياسية والاجتماعية والصحية والمدنية، فالشريعة واضحة والإسلام يحفظ للمرأة كرامتها ويصون حقوقها، فلا تخلطوا الحابل بالنابل لتحققوا ما في أنفسكم من أغراض أيها المشرعون، ولا ترضوا بأقل من المساواة في القانون بين الرجل والمرأة كما شرع الله في إسلامه العظيم أيا كانت المبررات لأنها لا تحمل إضافة بل انتقاصًا لتلك الحقوق في هذه المرحلة التي نحتاج فيها يد المرأة إلى جانب يد الرجل في العمل والإنتاج وما يحفزها على العمل لا ما يثبط عزيمتها؛ لأن الدستور أساس التعاملات والمعاملات لحقبة زمنية طويلة لن تكون مستقرة إلا بإقرار المساواة والحرية والعدالة.