رحلة مرعبة قطعها صحفي بريطاني بين منطقتي ترهونة وبني الوليد، حيث يشاع أن الزعيم الليبي معمر القذافي وعدد من أفراد أسرته يحتمون بها، والهدف هو اقتفاء صحة هذه الشائعة.. هناك شاهد مراسل صحيفة "ذي تايمز" البريطانية الكثير من المشاهد التي يمكن للعالم من خلالها أن يعرف الحقائق عما يحدث في هاتين المنطقتين.. وإلى نص ما نشرته الصحيفة: قيادة السيارة على طول الطريق الصحراوي من ترهونة إلى بني وليد على بعد 60 كيلومترًا إلى الجنوب، هي رحلة من ليبيا المحررة إلى ليبيا المحتلة، من دولة تتعافى من 42 عامًا من الاستبداد إلى أخرى لا تزال غارقة في الخوف وعدم الثقة والجنون. يسير الطريق الأسود لا نهائيًا عبر المشهد الأجرد البني – في أرض مقفرة حيث هجر رجال شرطة القذافي نقاط التفتيش في القرى المغبرة، تاركين أعلامهم الخضراء الرثة وراءهم، لكن حيث لم يصل مقاتلو الثوار بعد. بعض السكان المحليين يؤيدون الحكومة الجديدة في طرابلس البعيدة، وبعضهم يعارضونها بشراسة وغضب، قال رجل اسمه عبد السلام (27 عامًا): "سيبقى القائد في قلوبنا إلى الأبد"، معلنًا ذلك بتحد بينما كان يجلس خارج دكان بدائي في قرية وشتاتة. كانت منازل كثيرة مغلقةً ومهجورة، ولم تكن هناك حركة سير على الطريق، قال بعض الناس إن السير فيه كان آمنًا، بينما حذرنا آخرون منه بشدة. كان من السهل أن تشعر بالخوف في هذه النسخة الليبية من الغرب المتوحش، وقد أدركنا كيف كان من الممكن أن نتعرض فجأة لكمين أو أن نجد طريق عودتنا مقطوعًا من قبل مسلحي القذافي، وسرعان ما بدأت غريزة البقاء – وكيف كان من نتحدث إليهم يجرون اتصالات بهواتفهم النقالة بينما كنا نغادر – تخبرنا بأننا كنا مجانين، وأسرعنا عائدين إلى الأمان في ترهونة التي يسيطر عليها الثوار. بني وليد، بلدة يسكنها نحو 50 ألف نسمة، هي معقل قبيلة ورفلة، التي بقيت بمعظمها مؤيدة للقذافي، ويشك الثوار في أنها تؤوي اثنين من أبنائه الملاحقين، وربما والدهم أيضًا، وكانت طائرات حلف شمال الأطلسي (ناتو) تقصف أهدافًا هناك لعدة أيام، ويهدد الثوار بشن هجوم عليها غدًا إذا لم تستسلم. وجدنا عبد الله التربي، 50 عامًا، جالسا في ظل شجرة نادرة على جانب الطريق، انتظر حتى ابتعد قروي يتنصت قبل أن يجرؤ على الكلام، قال "إن بني وليد لم يعد فيها كهرباء، ولا هواتف ولا وقود"، كان هو وعائلته هاربين من المعركة المقبلة. أصر على أنه منذ ثلاثة أيام، رأى شخصيًا سيف الإسلام القذافي، يزور بيتًا مقصوفًا في البلدة التي قتل فيها العديد من الناس، وقال: "أنا واثق تمامًا من أنه هو". على مقربة منه، قال رمضان الفوقي، 44 عامًا، وهو ميكانيكي، إنه رأى عدة قوافل من سيارات رباعية الدفع بنوافذ مظللة تسرع باتجاه بني وليد بعد سقوط طرابلس، ومنذ ذلك الحين رأى عددًا كبيرًا من العائلات تأتي بالاتجاه المعاكس بسيارات وشاحنات مليئة بالأمتعة. في ترهونة، قال العقيد عبد الرزاق، وهو قائد محلي للثوار يعمل من قاعدة عسكرية سابقة وضعت فيها صور القذافي مماسح للأقدام، إنه كان متأكدًا من أن سيف الإسلام وأخاه المعتصم كانا في بني وليد لأن لديه جواسيس هناك، وأضاف: "أما بشأن معمر القذافي، فأنا غير متأكد"، كما أن خميس القذافي قد يكون أيضًا في بني وليد، وربما يكون قد قتل. على بعد أميال قليلة من ترهونة، كان الهيكل المحترق لسيارة "تويوتا لاند كروزر" ماثلاً على جانب الطريق، محاطًا بطلقات رصاص فارغة، قال عبد الزراق إنها كانت جزءًا من قافلة هاجمها كمين من مقاتليه بينما كانت متجهةً إلى بني وليد بعد سقوط طرابلس، وإن خميس قتل فيها، ويستدعي أسيرًا يبدو عليه الخوف واسمه عبد السلام طاهر، 17 عامًا، قال إنه كان يمسك سلاحًا مضادًا للطائرات في شاحنة أمام مركبة خميس، وقال الشاب: "لقد احترقت السيارة بالنيران، أنا واثق من أنه قد مات". وكدليل إضافي، قدم العقيد عبد الزراق، بغرابة، دفتر ملاحظات يعود إلى جيريمي بوين، مراسل "بي بي سي"، وقال إنه استخرج من إحدى السيارات التي وقعت في الكمين، كان تاريخه يعود إلى مارس، ويقول زملاء في "بي بي سي" إن "بوين" احتجز في طرابلس في ذلك الحين. سواء كان خميس قد قتل أم لا، فمن الواضح أن معركة شرسة وقعت على الطريق إلى بني وليد، في خندق قرب السيارة المحطمة، كان الثوار قد دفنوا سيارتين محترقتين أخريين مع أسلحة رشاشة ثقيلة، وسيارة "لاند كروزر" محطمة أخرى، ومركبة رابعة دمرت إلى درجة أنه أصبح من المستحيل تمييز نوعها. العقيد عبد الزراق واثق من أن بني وليد يجب ألا تبقى ملجأ للديكتاتور المخلوع أو أبنائه أكثر من ذلك، وكان يتحدث إلى زعماء القبائل في البلدة، محاولاً إقناعهم بالاستسلام، وسيعقد اجتماعًا أخيرًا معهم اليوم. وقال: "نحن لا نريد أن نقتل شعبنا، إذا قالوا "أعطونا فرصة"، فسوف نفعل"، لكن إن أصروا على التحدي فإن رجاله سيهجمون. في رسالة صوتية من مخبئه أمس، أصر القذافي على أن القبائل في بني وليد وسرت، مسقط رأسه، لن تستسلم أبدًا، وأنها ستقاتل حتى تحترق ليبيا. يدعي عبد الرزاق أن الديكتاتور لديه بالكاد 300 مقاتل في بني وليد، وأنهم سيهزمون سريعًا إذا لم يهربوا، لكنه يقر بأن الطريق إلى الجنوب يبقى مفتوحًا، ما يمنح أفرادًا من عائلة القذافي مجالاً آخر للهرب. بني وليد تجلس فوق النهر الصناعي العظيم، وهو قناة تحت - أرضية بمحطات ضخ تزود طرابلس بالماء، هذا طبعًا يمنح أعضاء النظام الهاربين فرصة لنشر المزيد من الفوضى في العاصمة البعيدة قبل أن يغادروا.