"أحس أن مكان قلبي هواء" كانت تلك آخر عبارة أنطق بها. ظن المقربون الذين كانوا بجواري أني أمزح ، فأخذوا يمزحون .. قالت إحداهن : لابد أن ذلك بسبب الخمسمائة أنثى اللاتي يتزاحمن في قلبك بحسب مقولة عزازي علي عزازي.. سمعت العبارة ولم أعرف إذا ما كنت استطعت الابتسام أم لا ؟ لكنها كانت آخر ما أسمعه . بدأت الأصوات تتحول في أذني إلى لغة "كأني لا أعرفها" ثم تتلاشى وتنسحب من أذني رويدا رويدا بعد أن تحولت إلى مجرد طنين ، توقف إدراكي عند عتمة خفيفة وكأن بابا أغلق ومنع الضوء وأنتظر فتح باب مقابل لكنه لم ينفتح. يقول من حولي أني شهقت شهقة واحدة بعدها انقطع حبل الحياة ، لم أشعر بخوف رغم إدراكي أني أواجه الموت ، ولم أحس بألم ، بل كأني خطوت بقدمي من عالم مليء بالهواجس إلى عالم مطمئن . حسب رواية من حولي ، فإن فريقا من الأطباء والممرضين تزاحموا حولي وأخذوا يجرون صدمة كهربية بعد أخرى للقلب دون أن يستجيب ، فأدخلوا خرطوما لشفط السوائل من الرئة حتى أتمكن من التنفس ، بعدها استجاب القلب لصدمة كهربائية . وعلى عجل أنزلوني من غرفتي بالمستشفى إلى العناية المركزة .. كل ذلك لم أحس بشيء منه . عندما بدأت أدرك أحسست بطنين ، ثم سمعت أصوات من حولي دون أن أعي ما يقولون ، وبدا لي كأن أحدا ينقلني مسافة طويلة بعدها فتحت عيني لأرى سقف غرفة العناية المركزة ، وكان أول ما وقعت عليه عيني سهما مرسوما على السقف وبجانبه عبارة "اتجاه القبلة" فنطقت "لك الحمد" .. وجدت نفسي ارتدي روب العمليات فبدأت أتحسس جسدي .. مع حركة يدي على صدري أحسست بأوجاع من أثر الصدمات الكهربائية وأخذت أسأل من كانوا حولي عما إن كنت قد أجريت عملية جراحية ، فتلقيت إجابة بالنفي. وحين سألت بإلحاح : ماذا حدث ؟؟ لم يجبني أحد بغير عبارة : الحمد لله أنك عدت ، فبدأت أدرك حقيقة ما جرى. أول ما خطر ببالي مقطع من قصيدة "حلاج الوقت" للشاعر الأردني طاهر رياض يقول : "كيف رأيت الموت؟؟ - كبشا أملح يذبح .. لكني حين دنوت لم أر موتا . كانت أصوات من ياقوت تهوي في العتمة"، وبالمصادفة حضر طاهر رياض إلى القاهرة بعد نحو أسبوعين من تلك الواقعة وزارني في بيتي (بصحبة صديق مشترك) على غير معرفة سابقة ، ورويت له الواقعة ، فاندهش بشدة من التطابق التقريبي بين الخيال والواقع. من المشهد الأسبوعي .. اليوم مع الباعة