هيرفدونا كلنا.. عمرو أديب ينهي الحلقة بعد خناقة على الهواء بسبب قانون الايجار القديم (فيديو)    الدولار ب50.62 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 11-5-2025    بوتين: سأبحث مع أردوغان إمكانية إجراء مفاوضات مع أوكرانيا في إسطنبول    ترامب يعترف بأن حل النزاع في أوكرانيا وغزة أصعب مما كان يعتقد    4 شهداء و8 مصابين في غارات إسرائيلية على خان يونس    أبرزها كلاسيكو الأرض، مباريات اليوم في الدوري المصري والدوريات الأوروبية والقنوات الناقلة    ترتيب الدوري الانجليزي 2024-2025 قبل مباريات الأحد    محامى زيزو تواصل مع الزمالك لفسخ العقد مقابل 11 مليون جنيه    انفجار أسطوانة غاز السبب في حريق مطعم شهير بمصر الجديدة    شفافية في الذبح والتوزيع.. الأوقاف: صك الأضحية يصل كاملًا للمستحقين دون مصاريف    وزيرة التضامن: وقف دعم «تكافل وكرام» لرب الأسرة المدان جنائيًا واستقطاعه للمخالفين    موعد مباراة برشلونة وريال مدريد في الدوري الإسباني    تعليق مثير من نجم الأهلي السابق على أزمة زيزو والزمالك    عروض خارجية تهدد استمرار إمام عاشور مع الأهلي.. مدحت شلبي يكشف التفاصيل    ارتفاع ملحوظ.. أسعار الفراخ البيضاء اليوم الأحد 11 مايو 2025 بمطروح    حالة الطقس اليوم على القاهرة والمحافظات    محافظ القاهرة يشكل لجنة لفحص عقار النزهة وبيان تأثره بحريق مطعم أسفله    إخلاء عقار بالكامل بعد الحريق.. إصابات وحالة وفاة في حادث مصر الجديدة    بسمة وهبة: ما يُقال الآن في حق بوسي شلبي اتهام خطير ومخزٍ    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    إنتهاء أزمة البحارة العالقين المصريين قبالة الشارقة..الإمارات ترفض الحل لشهور: أين هيبة السيسى ؟    انطلاق النسخة الثانية من دوري الشركات بمشاركة 24 فريقًا باستاد القاهرة الدولي    "التعليم": تنفيذ برامج تنمية مهارات القراءة والكتابة خلال الفترة الصيفية    إعلان اتفاق "وقف إطلاق النار" بين الهند وباكستان بوساطة أمريكية    التحفظ على صاحب مطعم شهير بمصر الجديدة (صور)    إخلاء عقار من 5 طوابق فى طوخ بعد ظهور شروخ وتصدعات    إصابة شاب صدمه قطار فى أبو تشت بقنا    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الأحد 11 مايو 2025    غلطة غير مقصودة.. أحمد فهمي يحسم الجدل حول عودته لطليقته هنا الزاهد    ورثة محمود عبد العزيز يصدرون بيانًا تفصيليًا بشأن النزاع القانوني مع بوسي شلبي    أحمد فهمى يعتذر عن منشور له نشره بالخطأ    مثال للزوجة الوفية الصابرة.. نبيلة عبيد تدافع عن بوسي شلبي    سامي قمصان: احتويت المشاكل في الأهلي.. وهذا اللاعب قصر بحق نفسه    وزير الصحة: 215 مليار جنيه لتطوير 1255 مشروعًا بالقطاع الصحي في 8 سنوات    إجراء 12 عملية جراحة وجه وفكين والقضاء على قوائم الانتظار بمستشفيي قويسنا وبركة السبع    حكام مباريات الأحد في الجولة السادسة من المرحلة النهائية للدوري المصري    «التعاون الخليجي» يرحب باتفاق وقف إطلاق النار بين الهند وباكستان    محافظة سوهاج تكشف حقيقة تعيين سائق نائباً لرئيس مركز    رسميًا.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي وطريقة استخراجها مستعجل من المنزل    خالد الغندور: مباراة مودرن سبورت تحسم مصير تامر مصطفى مع الإسماعيلي    باكستان تعلن إحياء "يوم الشكر" احتفالًا بنجاح عملية "البنيان المرصوص" ضد الهند    وزيرة التضامن ترد على مقولة «الحكومة مش شايفانا»: لدينا قاعدة بيانات تضم 17 مليون أسرة    ضع راحتك في المقدمة وابتعد عن العشوائية.. حظ برج الجدي اليوم 11 مايو    حان وقت التخلص من بعض العلاقات.. حظ برج القوس اليوم 11 مايو    «عشان تناموا وضميركم مرتاح».. عمرو أديب يوجه رسالة إلى أبناء محمود عبدالعزيز    نشوب حريق هائل في مطعم شهير بمنطقة مصر الجديدة    أمانة العضوية المركزية ب"مستقبل وطن" تعقد اجتماعا تنظيميا مع أمنائها في المحافظات وتكرم 8 حققت المستهدف التنظيمي    في أهمية صناعة الناخب ومحاولة إنتاجه من أجل استقرار واستمرار الوطن    أبرزها الإجهاد والتوتر في بيئة العمل.. أسباب زيادة أمراض القلب والذبحة الصدرية عند الشباب    تبدأ قبلها بأسابيع وتجاهلها يقلل فرص نجاتك.. علامات مبكرة ل الأزمة القلبية (انتبه لها!)    منها «الشيكولاتة ومخلل الكرنب».. 6 أطعمة سيئة مفيدة للأمعاء    سعر الذهب اليوم الأحد 11 مايو محليًا وعالميًا.. عيار 21 الآن بعد الانخفاض الأخير (تفاصيل)    وزيرا خارجية السعودية وبريطانيا يبحثان مستجدات الأوضاع    بوتين يعبر عن قلقه بشأن استمرار الصراع الفلسطيني الإسرائيلي    عالم أزهري: خواطر النفس أثناء الصلاة لا تبطلها.. والنبي تذكّر أمرًا دنيويًا وهو يصلي    رئيس جامعة الأزهر: السعي بين الصفا والمروة فريضة راسخة    وقفة عرفات.. موعد عيد الأضحى المبارك 2025 فلكيًا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 10-5-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القارىء خالد ذهني يكتب : نافذة علي كورنيش الإسكندرية
نشر في الشروق الجديد يوم 03 - 03 - 2011

استيقظت علي ألم شديد يفتك برأسي، فتحت عيناي فرأيت الظلام يلف ما حولي. يبدو ان الكهرباء قد قطعت , ويبدو اننا بليل حالك، فانا لا آري حتي ضوء الشارع عبر النافذة. في رأسي اسمع طنين. بل هو اقرب للأنين، ابحث عن يدي كي امسح بها علي رأسي لعل الألم يهدأ، أفشل في العثور علي يمناي، وتستجيب لي يسراي. امسح علي جبيني بيدي، لكن الألم يشتد. ويعلو صوت الطنين ثم يصبح عويلا ثم يصير صراخاً، واسمع صرخات مبهمة، تزداد وضوحاً، أسمعها الان بوضوح تام ، تملئ اذناي، تكاد تصيبني بالصمم: ” إجري يا سالي، إجريييييي، حاسبي حااااسبييي”. يهدأ الصراخ، ويخفت العويل ويختفي الطنين، لكن رأسي يزداد ثقلاً وألماً.
أين أنا؟في أي يوم نحن؟
أشعر أني اغوص في بحر مظلم، أصارع كي أبقي متيقظةً، لكني أغوص أكثر واكثر في البحر المظلم
لا أدري كم مضي علي من وقت لكنني استيقظت علي يدٍ تهزني برفق، وصوت يأتيني من بعيد:
- نور، اصحي يا بنتي، اصحي يا حبيبتي”.
-
أفتح عيني، فلا أري سوي الظلام يغرق ما حولي. أمسك باليد التي تربت علي، تبدو لي يد أعرفها :
- إفتحي النور، أنا مش شايفه حاجة
-
تتلعثم السيدة و تقول:
- لا لا يا حبيبتي، الدكتور قايل غلط علي عنيكي. لازم نسمع كلامه
-
تزداد حيرتي:
- دكتور إيه؟انتي مين؟
- أنا ماما يا نور، أمك يا حبيبتي ، معلهش، واحدة واحدة هتفتكري كل حاجة، ان شاء الله كل حاجة هتبقي كويسة يا قلبي
-
نظرت حولي اتفقد الظلمة لعلي أري شعاع نور يطمأنني، لكن الظلام الدامس كان يغلف كل ما حولي، فعدت لأسأل السيدة:
- هو أنا اسمي نور؟وانتي اسمك إيه؟
-
سمعت صوت أنين مكتوم يصدر من السيدة، و بادرني صوت أجش بالقول:
- انت نور، ودي ماما ليلي، وانا بابا رؤوف يا حبيبتي، ما تخافيش يا نور، الدكتور بيقو.......
-
ذهب صوت الرجل من أذني وعلا الطنين من جديد، ثم صار عويلاً ، واشتد الألم في رأسي، ثم سمعت صراخاً مدوياً : نووووور، قوليلي مصر هتفضل غالية علي، قولي يا نور، انا خايفة يا نور.. هو أنا هأموت يا نور؟ ....مصر يا نور، خليكي معاي يا نور، نور
إختفي الصراخ، فسمعت الرجل يقول:
- بس الحمدلله يا حبيبتي كلهم بخير وعمك سعد..
-
قاطعته قائلة:
- هو حصل إيه؟ مين سالي؟
-
تحول أنين السيدة الي بكاءٍ مكتوم، فتكلم الرجل من جديد:
- سالي أختك يا نور، هي...هي اتعورت في المظاهرة بس ان شا...
المظاهرة!
فجأة قفزت في ذهني صورة جموع من الناس تجري في كل اتجاة وسحابة دخان سميك تلف المكان وشعرت بنفسي يضيق وكأن السقف قد اطبق علي صدري:
- هوا، أنا عايزه هوا، هتخنق، هتخنق.
-
وعاد الثقل الي رأسي، ومن جديد وجدتني اغوص في البحر المظلم، احسست أني اختنق، وأغوص، أصارع كي ابقي متيقظة واصارع كي اتنفس، تخور قواي وتنهار مقاومتي واستسلم للظلام من جديد
كم مضي من الوقت لا أدري، لكنني افقت علي صوت سارينة الإسعاف، تملكني الذعر، وعاد الصراخ في أذني:
- حاسبي يا ساااالي حسبي العربية، لا يا ياساااالي، اجري اجري، سالي ، ساااالي......
-
وجدتني أصرخ بكل صوتي:
- حاسبي يا ساااالي حاسبيييي لا لا لا لا
-
سمعت باب الغرفة يفتح، وصوت أقدام تجري نحوي، وبايادي تمسك يدي اليسري وأخري تمسك بكتفي الأيمن ثم شعرت
بوخز في ذراعي الأيسر، وسرعان ما عاد البحر المظلم يبتلعني
لقد مضي علي هذه الليلة قرابة الشهر. يقول طبيبي أني تعرضت لصدمة قوية جعلت عقلي يرفض تسجيل هذه اللحظات، ويأبي ان يدرجها في ذاكرته. وأني سأستعيد ذاكرتي عن هذا اليوم بالتدريج. عندما أجلس بجوار نافذتي المطلة علي بحر الاسكندرية ، وأستنشق نسمات الشتاء الباردة، اتذكر صباح يوم 25 يناير عندما انطلقت أنا وأختي الصغري سالي وصديقة عمري إيريني الي مسجد القائد ابراهيم لنطالب بحقنا في الحرية، بحقنا في ان نحلم، وان نري أحلامنا واقعاً حققناه بأيدينا. اتذكر كم علت أصواتنا بالهتافات وكم صرخنا من أعماق قلوبنا مطالبين بالحرية. اتذكر كم بتنا تلك الليلة في فرحة وزهوا، رغم أوجاع أجسادنا التي أشتكت من ضربات هروات جنود الأمن المركزي وفرارنا من خراطيم مياههم التي اغرقت ثيابنا. أتذكر كيف عدنا في الايام التالية لنطلق لاحلامنا العنان في ان ترسم واقعنا
.
واذكر صباح يوم الجمعة ، عندما عدنا لساحة مسجد القائد ابراهيم التي ضجت بجموع المتظاهرين الحالمين بغد أفضل، والزائدون عن كرامة وكبرياء كل مصري، أذكر اننا قابلنا محمود وهاني وشاكر، اذكر اننا خرجنا الي طريق الكورنيش عندما لفظتنا الجموع المحتشدة في ساحة المسجد، كنا قرابة المليون، مليون مصري سكندري يحلمون بالحرية، بالتغيير وبالعدالة، خرجنا الي طريق الكورنيش، وعلت هتافتنا. أذكر اننا سرنا بمحازاة نصب جندي القوات البحرية المجهول، رمز الكرامة والفداء والتضحية ، واذكر سالي وهي تنظر الي اعلي مبني النيابة علي مقربة للنصب التذكاري ثم تصرخ: قناصة، بيضربوا نار بيضربوا نار. كانت زخات الرصاص قد انطلقت من أسلحة القناصة تحصد الموجة الاولي من المتظاهرين، وشعرنا اننا محاصرون، بين اجساد إخواننا الذي قضوا برصاص القناصة أمامنا، وموجات المتظاهرين الغافلين المتدافعين من خلفنا و اذكر ان إيريني جذبتني أنا وسالي لنحتمي بسور مبني المحكمة الابتدائية، من بعيد رأينا محمود وهاني يحملون شاكر والدم يتدفق من رأسه، قررنا ان ننضم اليهم لنساعدهم. عبرنا الطريق بين المحكمة ونصب الجندي المجهول و انطلقنا خلف أصدقاءنا نحو ميدان الحقانية، لكننا ما ان سرنا بضعة أمتار حتي، انطلقت زخات الرصاص علي رؤوسنا من أعلي المباني المطلة علي الميدان، فانطلقنا صوب حديقة الميدان لعلنا نحتمي بالأشجار، وفجاءة، صرخت إيريني وسقطت علي الارض، ورايت الدم يتدفق من رجلها، أسرعت أنا وسالي فحملناها حتي وصلنا خلف شجرة في وسط الميدان، ثم سمعت سالي تصرخ ” محمود” نظرت فإذا بمحمود ملقي في وسط الطريق، يتأوه من الألم ، كان الرصاص قد توقف، فأشارت سالي لي بان بقي مع إيريني، وانطلقت تساعد محمود لكنها ما ان بلغته حتي فوجئت بعربه مدرعة تسرع لتدهس جموع المتظاهرين في اخر الشارع، صرخت أنبه سالي ومحمود، لكن المدرعة كانت اسرع مني، هرعت نحو سالي، وأخذتها بين ذراعي، ثم سمعت زخات الرصاص تعود من جديد، واحسست بألم شديد يفتك برأسي، وهبط ظلام سميك ، لم ينجلي حتي اليوم.
من نافذة حجرتي، اسمع أمواج البحر، وأشعر بهواءه يلفح وجهي، ويعبث بخصلات شعري، فيغطي بها وجهي، دربت يدي اليسري علي مهام يدي اليمني، فلم اعد افتقدها، لكني لم اعتد بعد علي هذا الظلام الحالك، هل حقاً سأعتاد عليه؟ لا أدري ، أعيش علي امل ان يأتي يوم ويرفع هذا الستار الاسود عن عيني فأري نور النهار من جديد، أري أمواج بحرك يا مدينتي وهي تأرجح مراكب الصيادين، وأري شوارعك التي اعشقها وقد إزدانت لرمضان او الكريسماس، و أري ترامك الأزرق ذا الدورين الذي طالما عشقته، ان أري وجه أمي وأبي وإيريني. أعرف أني لن أري وجه سالي او محمود او شاكروالعشرات من شهداء الحرية، لكنني فخورة بهم جميعا، فخورة بمن فتح الباب لميلاد مصر الجديدة، مصر أكثر إشراقاً وعدلاً وحرية، مصر التي تحب أبنائها، ويعشقها أولادها


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.