النضال في تاريخ الشعوب لا تطفؤه الأكاذيب .. ولا تمحوه التهديدات .. و انتخابات بطريرك جديد للأقباط في العالم يجلس على كرسي الإسكندرية ليس بالأمر الهين .. حتى يتعرض للقناصة ممن يبحثون عن السلطة و تتملكهم شهوة الكرامات .. ثار شعب الاسكندرية على العوار الذي يصيب قواعد انتخاب البابا 118 .. وقع 156 كاهنا على بيان رفض لترشح أساقفة لهم مناطقهم الجغرافية التي يرعونها وترشحهم مخالف إذ يسمى ترشح أسقف على ايبارشية .. لذلك كان علينا استعراض بعض الأدلة التاريخية و الاستعانة بمن لهم باع في هذا الأمر . " السيف أو النار أو الرمي إلى الأسد.. أو النفي أو السبي لا يقلقني كل هذا .. ولست أدخل تحت ما لا يجب ولا أدخل تحت حرمي الذي كتبته بخطى وبدأت أن لا يصير أسقف بطريركاً.. فكيف يجب أن أحرم نفسي وأحلل اليوم ما حرمته بالأمس .. وما أنكرته أمس أرضى به اليوم .. وما أنكره الآباء القديسون قبلي "" ، هذا ما اقره الانبا خائيل .. وقد أُعد ذلك قانوناً يحمل اسم "قانون أنبا خائيل البطريرك 46". وكرر خليفته الأنبا مينا (767 – 775م) البطريرك 47 نفس الحرم. قالها الانبا خائيل فى ظروف أشبه بما تمر به مصر الآن .. ظروف يطغى فيها الحكام على كل مقاليد الوطن حتى المقدسات فيه .. قالها في القرن الثامن الميلادي حينما أراد أحد الولاة في إنطاكية أن ينقل أحد الأساقفة من كرسيه إلى كرسي إنطاكية الذي خلا بوفاة صاحبه.. فعارض الأساقفة هذا النقل وقالوا لا يجوز أن يكون الأسقف بطريركاً. فأرسل هذا الملك إلى البابا يأمره بإرسال أسقفين لإتمام هذه الرسامة، ويتوعده إن خالف أمره. ولكن البابا وجد أن الأمر جد خطير و أرسل له العبارات النارية التي بدأت بها هذه السطور لتؤسس لنا ما يثبته الدكتور مينا بديع عبد الملك أستاذ الرياضيات بكلية الهندسة جامعة الإسكندرية و بالجامعة الأمريكية و الكاتب القبطي حول حرمانية رسامة أسقف بطريركا خاصة وان كلاهما يحمل نفس الرتبة و لكن البطريرك هو لقب و ليس ترقية.. عبد الملك يناضل من اجل العودة لتعاليم الكنيسة الأولى على القواعد التي لا يمكن كسرها وأهمها أن البابا البطريرك هو أصلاً أسقف الإسكندرية وفى لحظة رسامته يأخذ لقب بابا بطريرك نظراً لكرامة إيبارشية الإسكندرية المستمدة من كرامة القديس مرقس ..الذى أستشهد في شوارعها، و تأتى معلومات تاريخية غاية في الأهمية فى أبحاث د مينا بديع عبد الملك على رأسها أن رسامة أسقف الإسكندرية تخضع لشروط رسامة أسقف أى إيبارشية أخرى. فعند رسامة أسقف أى إيبارشية فإنه يتم اختيار راهب من أحد أديرة البرية المصرية مشهود له بالتقوى والصلاح والنسك والعبادة الصادقة والتي لا تزيد درجته عن "قمص"، فإن كان لا يحمل أية درجة كهنوتية فإنه تُعطى له أولاً ثم تتم رسامته أسقفاً بموافقة شعب إيبارشيته وكهنتها. بالمثل عند إقامة أسقف الإسكندرية، فإنه يتم اختيار أحد رهبان البرية المصرية مشهود له بالتقوى والصلاح والنسك والعبادة الصادقة والتي لا تزيد درجته عن "قمص"، فإن كان لا يحمل أية درجة كهنوتية فإنه تُعطى له أولاً ثم تتم رسامته أسقفاً بموافقة شعب إيبارشية الإسكندرية وكهنتها. ونظراً لأنه بابا وبطريرك الكرازة المرقسية فإن بقية الإيبارشيات لها تمثيل رمزي فقط بعدد محدود من الأشخاص (12 فردا). وبناءً على ذلك فإن جميع المجامع المسكونية المقدسة أكدت على أن أسقف الإسكندرية (البابا البطريرك) يتم اختياره من طغمة الرهبان الذي لا تزيد درجته عن قمص، وفى هذا منع بات من انتقال أسقف أو مطران من إيبارشيته، أو رسامة أسقف ليكون أسقفاً على الإسكندرية!!! لذلك لا أسقف إيبارشية ولا أسقف عام يقام أسقفاً على إيبارشية الإسكندرية. ******* فى موضع آخر من أبحاث عبد الملك يؤكد انه منذ بضعة سنوات – وبالتحديد في 30 سبتمبر 1962 - تم استحداث لقب جديد في الكنيسة القبطية وهو "أسقف عام" أي بلا كراسي !! فلم يحدث في تاريخ الكنيسة القبطية أن مُنحت الأسقفية لشخص بدون إيبارشية، أى بدون مجموعة من البشر ينتخبون الأسقف الذي يقوم بخدمتهم ورعايتهم. أنه يكون بمثابة تصور وجود رأس بدون جسد تحيا به، وأن الدرجة الكهنوتية في هذه الحالة تُعتبر – كما يذكر المؤرخ الكنسي د. منير شكري – استحالة قانونية وتسقط في فراغ. أضف إلى ذلك سكرتارية البابا البطريرك من الأساقفة!! استحالة قانونية أخرى، فالبابا البطريرك والأساقفة جميعهم متساوون في الدرجة، فهم جميعاً أخوة متساوون لكن البابا يتقدمهم فقط، لذلك من المستحيل أن أسقفاً يعمل سكرتيراً لأسقف آخر!! وهنا الدرجة تسقط في فراغ. إن كانت كنيسة روما قد ابتدعت هذا النظام فهذا شأنها ونحن ككنيسة تقليدية علينا أن نتمسك بقوانين ومبادئ المجامع المسكونية. لذلك من المستحيل أيضاً أن يتقدم ما يسمى بالأسقف العام بالترشح لكرسى مارمرقس الذي هو كرسى الإسكندرية. مما تقدم يتضح جلياً أن الكنيسة القبطية سارت على هذا النهج من فترة القديس مرقس كاروز الديار المصرية إلى البابا كيرلس الخامس (1874 – 1927م) البطريرك 112، ولم تُكسر القوانين إلا اعتباراً من سنة 1928 منذ اختيار البابا يؤانس 19 (1928 – 1924م) البطريرك 113 الذي كان مطراناً للمنوفية والبحيرة وقائمقام البابا. ولم تُستثنى تلك الفترة إلا بإقامة الراهب مينا البراموسى المتوحد (البابا كيرلس السادس البطريرك 116) في عام 1959 حينما أصر قائمقام البابا البطريرك في ذلك الوقت الأنبا أثناسيوس (1925 – 1962م) مطران بنى سويف والبهنسا الذى أعلن تمسكه باقتصار الترشح لمنصب البطريركية على الآباء الرهبان فقط إعمالاً بالقوانين الآباء الرسل وقوانين المجامع الكنسية، ومنع الأساقفة من الترشح. الشعب القبطى الآن يطالب بأن يقتصر انتخاب البابا البطريرك من الآباء الرهبان الذين لا تزيد درجتهم عن درجة قمص حسب التقاليد القديمة التي وضعها الآباء الرسل والمجامع المسكونية. و للائمين علينا في تصدينا لكسر تعاليم الكنيسة و نشر الحقيقة أقول ليست هذه المرة الأولى الذي يقف فيها الشعب ضد ترشح أساقفة على ايبارشيات فهناك واقعة شهيرة بعد نياحة البابا كيرلس السادس – عندما تولى الأنبا أنطونيوس قائمقام البطريرك فى مارس 1971 .. بعد فترة قام بعض من الأساقفة بحثه – الانبا انطونيوس - على الترشح للمنصب البابوى!! وللأسف أستمع إلى مشورتهم المخالفة وترشح للكرسي. فأنبرى له من الإسكندرية الطبيب السكندري والمؤرخ الكنسي د. منير شكري، كما وقف القمص بيشوى كامل – كاهن كنيسة مارجرجس باسبورتنج بالإسكندرية وأصدر بيانه الشهير بعنوان "شعب الإسكندرية اليتيم"،.و هو ما يدل على أن الحركة التي يقودها الدكتور مينا و القمص رويس وكيل مطرانية الاسكندرية ليست بدعة ولا تصفية حسابات كما يشيع بعض ممن لهم المصلحة و إنما هي قناعة متأصلة في نفوسهم كهنة وشعبا .. و لديهم شجاعة الإعلان عنها ، ربما للإسكندرية سحر يدفع الأبطال للنضال نفتقده نحن في بقية ربوع المحروسة . جميع تلك المطالب الصادقة كان لها أثر إيجابي .. فهل ما نناضل من اجله الآن سيذكره التاريخ القبطي أم أننا متهمون بالانشقاق و العقوق طالما اختلفنا في الرأي مع ما يجرى الآن من ترتيبات خاطئة في العملية الانتخابية لبطريرك الكنيسة القبطية ؟!