هل تفسخ التظاهرات المعادية لأمريكا وما حدث داخل السفارات وقتل السفير، العقد التشاركي بين أمريكا والإخوان المسلمين؟ أو أنها تكشف فقط عن أسسه الهشة وعن ضعفه؟ وهل هناك صيغة أخرى قادمة له؟ تأتي هذه الأسئلة بالنظر إلى أن “الربيع العربي” كان في حقيقته شراكة وتسوية سياسية - ثقافية جامعة ضمت الغرب والإخوان المسلمين الذين قبِلَ بهم الغرب قوة حاكمة جديدة في بلدان عربية عديدة بدلاً من الديكتاتوريات . وبالنظر إلى أن المحتوى الثقافي في الشراكة كان يشكل المحور المهم فيها ويقتضي قبول الإخوان الخطاب الغربي حول الديمقراطية بمعظم معانيه وتفرعاته وتبنيهم الآلية الديمقراطية في الحكم (بغض النظر عن التطبيق) . تأتي الأسئلة السابقة بالنظر كذلك إلى الضمانات التي عرضها وكررها الإخوان دائماً باحتواء الإسلاميين الآخرين الأكثر جذرية وجذبهم إلى مواقع الاعتدال، ووعدهم بعالم عربي تقل فيه قابلية التشدد. في لحظة فارقة بالنسبة لأجواء توقعات إيجابية مرجوة أمريكياً من الربيع العربي باعتباره فضلاً أمريكياً كانت فيه أقل هذه التوقعات هو العرفان لأمريكا وجني آثار الشعور الإيجابي تجاهها، حدث عكس ذلك تماماً، كما تبين أمريكيا كذلك في ما تكتبه الصحافة ويظهر في الإعلام عامة في ما نقرأه بأقلام الساسة والمحللين والأكاديميين، أن العرب لا يزالون يقفون عند “حدودهم” الثقافية ولا “تغيرهم” الديمقراطية في شيء بالنسبة إلى ما هو متوقع من رد فعل تجاه الرمز الديني وأشكال التعبير المعادية له في الغرب . لم يأت رد الفعل كما بدأ في مصر وتونس وليبيا لامبالياً بل استهدف رموز الوجود الأمريكي بعنف . وكان أول ما تجلت منه الغضبة الأمريكية هو التساؤل والشك حول الشراكة مع الإخوان وضرورة مراجعتها. في تلك اللحظة، كما في كل لحظات التأزم الأمريكي التاريخي مع المنطقة العربية، لا يعود مطلوباً في الشراكة مع الحكومات والقوى السياسية أقل من موقف الحليف “المعلن”، وغير ذلك لا يرقى إلى الموقف المتوقع . من الملاحظ أن باراك أوباما في حديثه إلى قناة “تيلموندو” الناطقة بالأسبانية تحدث عن مصر بقيادة الإخوان بقوله "إنها ليست حليفاً وليست عدواً كذلك" . قال ذلك ربما بإزاء حقيقة أكدت نفسها بعد الشريط الذي يستهدف الرسول، صلى الله عليه وسلم، وهي أن أمريكا ومصر هما عالمان ثقافيان مختلفان . كما أنه قال ذلك وهو يتحدث عن شراكة قائمة على إحساس براغماتي بالمصالح وهو الذي يجمع طرفي الشراكة أي الإخوان والأمريكان، وهذه العلاقة تختلف عن “التحالف” . قرأ البعض تصريحات باراك أوباما على أنها تحمل نية التراجع عن علاقة الشراكة، ولقد أقلق هذا التفسير الإخوان فسارعوا إلى تعديل موقفهم من خلال خطوات عدة. ولم يكتف باراك أوباما بل هدد بأن “مشكلة كبيرة وحقيقية” ستحدث إن لم تستجب حكومة الإخوان لإجراءات حماية مطلوبة للسفارة وأعضائها وللمواطنين الأمريكان بشكل عام. يأتي هذا الموقف الأمريكي الذي يضع الإخوان في مأزق، ليس لأن الإخوان قد نقضوا عقد شراكة الربيع في أي من أركانها، وإنما لإشكالية كامنة أبرزتها التظاهرات وردود الفعل حول الشريط المنتج في أمريكا، وهذه الإشكالية تتمثل في موقف “الوسطية” بمعناها السياسي وأخذهم موقف “الوسيط” بين الغرب والإسلاميين الآخرين ومجتمعاتهم . اتخاذ نقطة الوسط في المواقف وثنائيتها بين طرفين نقيضين، لها أكلافها السياسية، كما بينت الأحداث، وكما بينها مثلاً موقعا الإخوان على التويتر في نسختهما الإنجليزية والعربية . تتداول وسائل الإعلام الأمريكية ساخرة كيف أن الموقع باللغة الإنجليزية نقل تصريح خيرت الشاطر عن الارتياح لعدم وقوع ضحايا أمريكيين في السفارة الأمريكية، أما الموقع باللغة العربية فقد كان يتحدث عن نصرة الشباب المصري لنبيهم في ما قاموا به من مظاهرات حول السفارة . ترد السفارة الأمريكية على هذا التناقض بتغريدة لموقع الإخوان باللغة الإنجليزية: “شكراً لكم، ولكن على فكرة هل قرأتم ما يكتبه موقعكم العربي؟ نرجو العلم أننا نقرأ ما يكتب هناك أيضاً” . سارع الإخوان إلى إصلاح موقفهم من خلال تصريحات مختلفة صدرت من الرئيس مرسي، وكذلك من خلال رسالة خيرت الشاطر لجريدة “النيويورك تايمز” التي عزّى فيها الشعب الأمريكي بمقتل السفير الأمريكي في بنغازي والتي بيّن فيها أيضاً أن المصريين لا يحمّلون الحكومة والشعب الأمريكي مسؤولية الشريط المبتذل . وكانت النقطة الأهم في الرسالة هي الاعتراف بفشل قوات الأمن المصري في حماية السفارة الأمريكية والوعد بالتحقيق في ذلك . ولقد تبعت هذه الخطوات إصدار فتاوى من شيوخ الإخوان بتحريم اقتحام السفارة الأمريكية، هذا بالإضافة إلى إجراءات أمنية حسب الطلب الأمريكي تم فيها اعتقال مئات من المتظاهرين. هذا عن التبعات على الإخوان وموقفهم الوسط سياسياً من الجانب الأمريكي، أما من الإسلاميين السلفيين والجهاديين وحتى من الإسلاميين المنتمين إلى التيارات الأقل تشدداً، فقد اعتبروا أنهم قد خضعوا للوصاية الأمريكية وأنهم يرهنون استقلال مصر لهذه الوصاية . هكذا كان الإخوان يواجهون الهجوم من جانبين ثمناً لثنائيتهم. لا شك في أن مواقف الإخوان التي حاولوا من خلالها استرضاء الحكومة الأمريكية تستهدف في ما تستهدفه، المحافظة على المساعدة السنوية الأمريكية لمصر والبالغة ملياراً ونصف المليار دولار أمريكي، كما أنها ترمي إلى المحافظة على تسهيل الأمريكيين لقرض صندوق النقد الدولي لمصر، وإذا ما تراجع المسؤولون الأمريكيون عن التلويح بقطع المساعدات والتسهيلات المالية، فإن علاقة عملية جديدة أكثر قوة يمكن صياغتها بعد ذلك بين الشريكين. ************************************** (نقلا عن الخليج الإماراتية)