قبل أن تبدأ مليونية ضد مرسي أو إسقاط حكم المرشد أو ضد سياسات الإخوان كانت الرهانات على اشدها، البعض راهن على الإخفاق في حل المشكلات التي تعترض حياة المواطن البسيط كل يوم والتي لم تكن يومًا إفراز الحكم الجديد. حكم الإخوان أو حكم مرسي أو أيٍ كان من تشكيلته الحكومية الجديدة. والبعض الآخر راهن على زيادة الاضطرابات وتغير النمط الاجتماعي الذي بات مخيفا بعد غياب عنصر الأمن وتفشي ظاهر من نوع التحرش وعودة المحسوبيات والرشاوى والفساد في ثوب جديد، وتنامي وجود الإخوان والسلفيين بشكل مبالغ فيه في كل المجالات ومحاولة سيطرتهم على المؤسسات والنقابات بشكل فج لم يعد يستطع أحد منافسته بعد اكتسابهم صك المشروعية وكسر الحظر على أنشطتهم في المجالات السياسية والاجتماعية والدينية والاقتصادية كافة بالطبع. الأهم هنا هو وجود العديد من المعارضين لسياسات الإخوان ومرسي الرئيس الذي ينتمي إليهم ويسير بخطي ثابتة على طريق ترسيخ صلاحياته ووجود الجماعة ككيان ملموس في الحياة السياسية بشكل رسمي يرسم الطريق إلى الغد وسط انتقادات لا تخلو من عقلانية ومشروعية، وذلك بسبب التعدد السياسي والايديولوجي على الساحة المصرية بعد 25 يناير 2011 وحتى الآن. ما يفتح الباب مجدًدا أمام التصادم الأيديولوجي الذي لن يحقق أهداف الثورة بل سيؤجل كثيرًا البدء في عملية البناء والتطوير والارتقاء بمصر التي تحتاج تضافرًا ووحدة وليس العكس. مليونية ضد مرسي والإخوان أو ضد المرشد وحكمه تأتي في هذا السياق، سياق شق الصف، بل إنها تأتي دون مبرر لا سيما وأنها تعبر عن واحدة من أهم القرارات التي اتخذت دون أن تمنحها الفرصة لاستكمال ما بدا ألا وهي خطوة حل المجلس العسكري. حل المجلس العسكري الذي لم يكن ليحدث بهذه السرعة لولا حادث سيناء الذي أودى بحياة شهداء الواجب على الحدود وأطاح بالمجلس العسكري في آنٍ واحد، ربما من الأجدى حساب الإيجابيات والسلبيات وليس النظر إلى السلبيات فقط، حجم الفساد والإجرام الذي وقع في ثلاثين عاما لا يمكن أن يحدد له حلا ويُنفذ وتتضح النتائج في شهرين. التعدي على فصيل لكونه يتبع أيديولوجية معينه ليس من الديموقراطية في شيء حتى وإن لم يكن يؤمن بها. فالإخوان أحد أهم الفصائل السياسية في مصر سواء كانوا في الحكم أو خارجه، ووجود رئيس منهم يعتلي حكم مصر لا يعني تمكينهم في البلاد بقدر ما يعني أنه مجرد دورة رئاسية قد تأتي بالعكس تمامًا في المرحلة المقبلة. وإن رفضنا هذا الفصيل لمجرد الرفض هذا يعني أننا إذا أتى رئيس ليبرالي أو يساري أو أيٍ كان سوف يقوم الإخوان والسلفيون بمحاربته بنفس الطريقة وربما أسوا. لا يهم إن كان د مرسي إخوانيا أو نصرانيا فهو في النهاية مصري ومن حقه أن يمارس صلاحياته خلال فترة رئاسته للبلاد بما يحقق مصالحها، وإن كانت هناك سلبيات يجب أن تؤخذ في الاعتبار بعد مدة من توليه الحكم وليس بعد أقل من شهرين لأن ذلك ينافي المنطق تمامًا، الكثير منا ضد هيمنة حكم الإخوان وسياسات الرضوخ للمرشد لكن علينا أن نثبت ذلك أولا. وأن ننظر إلى ما يمكن الانتفاع به كما حدث من انتزاع صلاحيات أدت إلى حل وضع كان عالقا منذ 25 يناير وحتى بداية الشهر الجاري. التفرقة في كل الأحوال غير مفيدة والدعوة إلى التخوين أبعد ما تكون عن الحكمة، كلنا مصريون وكلنا يحب مصر على طريقته، تدور الدوائر وتبقى المشكلات فلا داعي لتازيم الأوضاع أكثر مما هي عليه، بدعوات أقل ما يمكن أن توصف بها بالمراهقة والأسوأ أن تجد من يتبعها، يمكن أن تعارض سياسات جماعة أو رئيس لكن لا يمكن أن تطالب بتقويض حكم وحل جماعة لأن الجماعات السياسية تحل نفسها بنفسها أو بمحوها من الخارطة السياسية قسرا كما كان يحدث في عهد مبارك وإن لم يأتِ ذلك إلا بالعكس تمامًا. حيث استشرت في البلاد وصارت أكثر سطوة وعنفا، فلا داعي لتكرار التجربة. الإقصاء لا يأتي بما تشتهيه الأنفس بل العكس. دعونا نمنح كل فصيل فرصة للعمل لصالح البلاد ولا نخونه بالقول قبل أن يثبت بالفعل ما يؤكد ذلك، فنحن في أمَسّ الحاجة لنوع من المصالحة السياسية بين الطوائف كافة فقط من أجل مصر ودون شرط أو قيد هكذا تبني الأمم على أساس صلب.