الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها، أقولها لمن يؤججون الفتن بجهل، نعم هناك حقوق لإخواننا الأقباط، لكن إثارة النعرة الدينية ليست الحل للخروج من الأزمات في هذه المرحلة الحرجة، لو لم تكن هناك تراكمات تحت السطح لما اقتتل المئات من مسلمين وأقباط في قرية دهشور بمحافظة الجيزة، وما راح ضحية هذا العنف الطائفي نفس بريئة لا حول لها ولا قوة ساقها القدر لنهايتها لتفتح النار من جديد بين الطرفين. وبدلاً من تهدئة الأمور تجد بعض الزملاء في وسائل الإعلام ينفخون في النار لتزداد لهيبها فلا تذر ولا تبقي من ود وألفة بين أناس عاشوا آلاف السنين بلا ضغائن، والسؤال هنا من المستفيد من توتر الأوضاع في مصر على هذا النحو، ولماذا تشتعل الفتنة الآن في الوقت الذي يحاول فيه الجميع التوحد بعد ثورة يناير التي أطاحت بمن ظلم شعبه مسلما ومسيحيا دون فرق؟. كان من الأولى ألا يوجه هؤلاء أقلامهم لتأجيج الفتنة ويصلحوا بدلا من أن يفرقوا لأن في ذلكم بلاء مبينا، إخواننا الأقباط عانوا الأمرين قبل الثورة وبعدها وكانوا هدفا للفتن التي راح ضحيتها العشرات، انفجارات في الإسكندرية والصعيد ومذابح في ماسبيرو وأخيرا قصة التهجير القسري التي لا ترضي ضميرا بشريا. نرجو ألا تكون هذه سياسة جديدة يتم اتباعها على غرار حق يراد به باطل، بمعني تهجير الأقباط وعزلهم بهدف حمايتهم من المسلمين في بؤر الصراع، لأن ذلك ينافي المنطق ويفتح الباب للشك في الهدف وراء هذه الخطوات التي يبدو أنها تنفذ بشكل ممنهج لخدمة أغراض معينة. وإذا كان عدد الأقباط في مصر يتراوح بين خمسة ملايين حسب تصريحات الفاتيكان وأربعة عشر مليونا حسب آخر ما صرح به البابا شنودة بهذا الشأن، فإننا هنا نقف بالفعل على شفا حفرة من أزمة كبرى لأن الأقباط في مصر ليسوا أقلية من هذا المنطق فعددهم بالملايين، وأي احتقان وإرهاب لفريق منهم في بلد فقير سيجد صداه في كل المدن والقرى الأخرى، ناهيك عن الأقباط في الخارج والذين قد يصل عددهم الى حوالي 3 ملايين قبطي في أمريكا وكندا واستراليا وسويسرا وألمانيا وبريطانيا واليونان وفرنسا ونيوزيلندا، ناهيك عن أقباط النوبة والمغتربين في آسيا وأفريقيا. أقباط المهجر قوة لا يستهان بها، ومعول في نفس الوقت من الأفضل أن يستخدم كمعول بناء لا معول هدم، وهم يتأثرون بشدة كلما وقعت حادثة من هذا النوع ويقيمون الدنيا ولا يقصدونها حتى تصدر التقارير التي تدين الأوضاع في مصر وقد ألفنا ذلك سابقا، فهل ستسير الحكومة الجديدة على نفس النهج والمنوال. وما الفارق إذن بين حكومات ما قبل الثورة وما بعدها؟ قصة التهجير القسري ضد أي ممارسات إنسانية، حيث لا يقبل اي امرئ أن يترك داره وعمله وحياته رغما عنه دون طرح بدائل متفق عليها سلفا، اذا كان الهدف الحماية بالفعل فعلى الحكومة إثبات حسن نواياها والتفاوض مع الكنيسة بشان آليات حماية المسيحيين في حال نشوب النزاعات، وهي ليست بكثرة ولكن من الافضل والإجادة أن تكون هناك استراتيجيات متفق عليها حتى يعرف كل ذي حق حقه ولا يثور عندما يجد نفسه مرغما على الرحيل من أرضه. نحن ضد التهجير القسري وضد الإجراءات التعسفية حتى وان جاءت تحت شعار حماية الأقليات لأن الأقباط ليسوا أقلية في مصر، هم اصحاب حق ومواطنون من الدرجة الأولى ولهم حقوقهم المشروعة وأولها حق الحماية للأرواح والممتلكات وعدم إخراجهم من أرضهم رغما عنهم. حمايتهم يجب أن تتم في أماكنهم لا بعزلهم لأن ذلك لن يحل المشكلة بل سيفجرها، وسيصبح التصعيد نتيجة منطقية ولا نظن أيا من إخواننا في الحكومة وخارجها على استعداد لمواجهة ذلك في الوقت الراهن، كفاهم أزمات الكهرباء والماء والبنزين والبطالة والفساد وغيرها من القضايا التي تستحق اهتمامهم وتكريس جهودهم لها.