وكأن قدر مصر وشعبها دائما أن يفلت الجناة في القضايا التي تخص مصلحة الشعب والإقتصاد والشهداء،فكثيرا ما افلت مرتكبو الجرائم الكبيرة من العقاب،,منذ عصر الرئيس المخلوع مبارك إلى الآن لم يحاكم أحد عن جرائمه بحق الشعب، فخرج مبارك وأعوانه براءة في جريمة قتل المتظاهرين بثورة 25 يناير، وموقعة الجمل، وغيرها،إضافة إلى جرائم الكسب غير المشروع وقضايا إهدار المال العام والفساد العديدة. كما خرج من قبل وزير الزراعة الأسبق يوسف والي براءة وآخرين في تهم جلب مبيدات مسرطنة وفساد في وزارة الزراعة. وما أشبه اليوم بالبارحة ففي الآونة الأخيرة وقعت في مصر حرائق عديدة تواصلت أحيانا لمدة ثلاثة أيام بالقاهرة خاصة في العتبة والغورية وشارع الجيش دمرت العديد من المحال التجارية . ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إندلعت حرائق في نفس التوقيت بالجيزة ومزرعة نخيل بالواحات ومنطقة العاشر من رمضان ،وبجوار دار القضاء العالي ، وداخل مبنى محافظة القاهرة والتي أسفرت عن حرق حجرات بمديرية الإسكان وأوراق تخص التخطيط العمراني وسجلات بها أسماء حاجزي بعض الشقق السكنية ، وحتى هذه اللحظة لا يوجد إعلان عن الجناة ومرتكبي هذه الحرائق، ولا أسباب إندلاعها سوى ما أعلنه الاثنين الماضي اللواء أبوبكر عبدالكريم مساعد وزير الداخلية للإعلام والعلاقات العامة، موضحا أن ماسا كهربائيا وراء الحريق امتد لأسطح خشبية كانت متواجدة على الأرصفة، مما يشير بأصابع الإتهام إلى جهات عديدة تطال مسئولين بالدولة وجماعة الإخوان المسلمين المحظورة والمستثمرين والجهات الخارجية، ولم يصدر بيان عن جهة ما تعلن مسئولينها عن تللك الحرائق العديدة والمتزامنة مع خروج مظاهرات ترفض التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية والتي على أثرها تم اعتقال 100 من المتظاهرين ما يزال بعضهم رهن الإعتقال وبعضهم حكم عليه بالسجن عامين مع الشغل بتهم السعي إلى قلب نظام الحكم، وتزامن ذلك أيضا مع احالة أوراق 6 متهمين بقضية التخابر مع قطر إلى المفتي للنظر في أمرإعدامهم ، ومع استشهاد 8 من رجال الشرطة بحلوان، ومع اعتصام الصحفيين بنقابتهم رفضا للقبض على إثنين منهم من داخل النقابة وبدون إذن من النيابة بتفيش تلك النقابة ، ومع القبض على أعضاء فرقة "أطفال الشوارع "الساخرة تارة بتهم السعي إلى قلب نظام الحكم ، وآخرى بتهم السخرية من الرئيس السيسي. و تستطلع "المشهد" بدورها الأراء للوقوف على أطراف الإتهام، والملابسات الغريبة لتلك الحرائق، وتوقيتها ومدى ارتباطها بباقي الأحداث السياسية سالفة الذكر. يرى محمد فاضل عضو تنسيقية 30 يونيو والمحامي أنه لا ارتباط بين الحرائق وإحالة 6 إلى المفتي في قضية التخابر مع قطر، لكنه لم يستبعد وجود علاقة بينها وبين باقي الأحداث خاصة مع استشهاد رجال الشرطة بحلوان واندلاع حرائق عديدة في توقيت يكاد يكون واحدا ، وفسر فاضل عدم صدور بيانات من المسئولين أو معلومات تحدد الجناة بأنه فشل من أجهزة الدولة في إدارة الأزمة وغياب سرعة التعامل معها ، مما يثير الشك في وجود أطراف متواطئة ربما من داخل تلك الأجهزة. وعن اتهام جماعة الإخوان أو المستثمرين أو جهات خارجية أو أطراف من أجهزة الدولة بارتكاب الحرائق أفاد فاضل أن كل الإحتمالات واردة والإتهامات منطقية ضد كل طرف ولكن لا توجد أدلة ضد أي منهم. وطالب فاضل في حديثه ل"المشهد"الدولة بسرعة التحقيق إعلان ما لديها من معلومات ليعرف الشعب الجناة والقبض عليهم وتقديمهم للمحاكمات العادلة،كما يتم تقديم المتظاهرين إلى المحاكمات السريعة. بدوره أكد عضو حركة "كفاية"عبد الله منصور أن سخونة ألمشهد السياسي خاصة إعلان الدولة ترسيم الحدود مع السعودية أدى إلى توتر الجو السياسي وأدى إلى الدعوة إلى اسقاط النظام، مشيرا إلى عدم إعلان أية معلومات عن الجناة يدل على الإهمال وعدم الشفافية من قبل المسئولين، لكنه بذات الوقت نفى تماما وجود أي صلة بين الحرائق والاحداث السياسية،وطالب منصور في تصريحه ل"المشهد"بضرورة تفعيل القانون وتطبيق الدستور بمساواة، واحترام المواطن وتقديم المعلومات لهم بصدق. من جهته أوضح أمين الشباب بحزب الجيل إبراهيم الشهابي ل"المشهد" أن تتابع الأحداث يجعل من المنطقي الربط بينها ، مؤكدا ان الحرائق عمل تخريبي قامت به جهات إرهابية ومنظمات خارجية لها قدرات وعلى علاقة بمنظمات ومخابرات خارجية تساعدها ، وتابع الشهابي هذه المنظمات ليست بعيدة عن جماعة الإخوان المسلمين، مضيفا أن بعض المنظمات الإرهابية تريد إحداث فوضى بمصر، فالتخريب يدفع إلى تثوير الشعب ضد الحاكم وعليه يبرئ الشهابي اجهزة الدولة من إشعال الحرائق لأن هذه المناطق الشعبية كانت داعمة للرئيس السيسي وكانت ظهيرا شعبيا مؤيدا له، وطالب البرلمان بالقيام بدوره الرقابي والتشريعي للسيطرة على مثل تلك الأحداث، كما طالب الأحزاب السياسية بالقيام بدورها وتوسيع المشاركة السياسية لمواجهة الإرهاب. أما القيادي بحزب النور السلفي دكتور شعبان عبد العليم فرفض اتهام أي طرف بعينه، معللا ذلك بأن من يملك الأدلة والمعلومات هي الاجهزة الامنية وهي الوحيدة صاحبة الحق في توجيه الإتهام للمتهمين وفق مايتوافر لديها من براهين ،وتابع في حديثه ل"المشهد"أنه لايمكن أتهام جهة ما،ولا يمكن تحديد ما إذا كان هناك علاقة بين الحرائق والأحداث السياسية ، لأنه لا تتوافر معلومات أمنية عن الجناة. بالمقابل يؤكد أشرف طلبة الخبير القانوني وجود ارتباط بين الحرائق والأحداث السياسية حيث يسعى البعض لإحداث شوشرة وصرف نظر الشعب عن تللك الأحداث فيصبح الحديث السائد عن الحرائق وخسائرها. وعن اتهام الإخوان بالضلوع في الحرائق أوضح طلبة ل"المشهد"أن اتهام الإخوان بارتكاب هذه الحرائق بهذه الكيفية والتوقيت دون ترك دليل يعد بمثابة دعاية ممتازة تخدم الإخوان بما يعني أن لديهم قدرة فائقة على إختراق أجهزة الدولة و حرق مبني محافظة القاهرة وتنفيذ مخطط الحرق دون ترك دليل يعطي ايحاء أن مقدرتهم على تنفيذ المهام عالية الدقة ، وألمح طلبة إلى ضرورة مساءلة الحكومة عل التقصير في التعامل مع هذه الحرائق ، فحتى الآن لم تقدم معلومات عن الجناة،ولفت إلى احتمال حصول هؤلاء الجناة على براءات حتى لو قدموا للمحاكمات، وأرجع السبب إلى عيوب بقانون الإجراءات الجنائية أهمها عيوب بالتحريات التي يقوم بها المرشدون بإسناد من الضباط ، وهي التي يستغلها المحامون للحصول على براءة للمتهمين. وذكر محلل سياسي ل"المشهد" طلب عدم ذكر اسمه أن الوضع السياسي والإقتصادي يؤديان إلى شبهة ارتكاب النظام الحاكم لهذه الحرائق لصرف نظر الشارع وتشتيته عن تلك الأوضاع المتردية، خاصة مع إعلان الرئيس السيسي أن مصر بدون عشوائيات ،وهذا يعني ان النظام يسعى إلى إخلاء هذه المتاطق سواء اتفق مع المستثمرين لإقامة أبراج ومشروعات، أو ما يتردد عن بيع بعض الشركات بهذه المناطق إلى دولة الإمارات خاصة شركة صيدناوي، وتابع هذا يعيد للأذهان حرائق القاهرة في فترات سابقة ومتكررة في عصور مختلفة ، كما كان يتم حرق بعض المصالح في حكم مبارك وينسب الحريق إلى الماس الكهربائي. واستبعد المحلل السياسي في تصريحه ل"المشهد" قيام الإخوان بارتكاب الحرائق لأن جماعة الإخوان – برأيه- تم حرقها من المشهد السياسي وليس لها وجود في الفعاليات بالشارع المصري وحرقهم للمحال التجارية أو غيرها لن يضيف لها شيء ، بل يشوه صورتها لدى الشارع، ولن يؤثر على سير محاكمات أعضائها في التهم المنسوبة إليهم،فالمحاكمات تسير وفق القانون ولن يتأثر القضاة بمثل هذه الأفعال،بل ستزيد جرائم آخرى إلى جرائمهم حال القبض عليهم وتوفر أدلة ضدهم .