شهدت مصر عددًا من الحرائق الضخمة لشركات عريقة فى عدد من الصناعات المهمة والبترول كبدت الاقتصاد خسائر فادحة.. وفتحت هذه الحرائق الباب لتساؤلات مهمة حول غياب منظومة الأمن والوقاية، فضلاً عن وجود أيادٍ خفية تخطط لحرق الاقتصاد إذ تزامنت هذه الحرائق فى فترة وجيزة وبنفس الأسلوب.. «أكتوبر» التقت نخبة من الخبراء للحديث عن هذه القضية الشائكة. فى البداية وحول رأيه فى هذه الظاهرة الغريبة يقول د. فرج عبدالفتاح أستاذ الاقتصاد: إن ما خلّفته الحرائق فى الفترة الأخيرة هى خسائر مباشرة بالنسبة لشركات التأمين، وبالتالى تنعكس بشكل غير مباشر على مجمل الاقتصاد القومى، لأنها ثروة تم تدميرها وكان يمكن إعادة استثمارها، وبدلا من أن يكون لهذه الشركات أرصدة داخل البنوك متاحة للاقتراض انخفضت هذه الأرصدة بقيمة ما تحملته من خسائر، وبالتالى تحد من قدرة البنوك على الائتمان، وبينما تعد خسائر العاملين جزئية فإن خسائر الشركات تضر الاقتصاد. وأشار إلى أن من أحد أسباب الحرائق الموازنات فى نهاية السنة المالية فى 30/6 فقد اعتدنا أن نسمع عن مثل هذه الحرائق فى هذه الأوقات، ولكن ما حدث هذا العام يخالف هذا الواقع وهو الأمر الذى يدعونا إلى التساؤل: هل هناك يد خفية وراء تدبير هذه الحرائق لأهداف سياسية وليست لأهداف مالية؟! ويضيف د. إسماعيل شلبى أستاذ الاقتصاد: أنها خسارة كبيرة على الاقتصاد المصرى فكم من الملايين أهدرت وللأسف هناك شك كبير أن هذه الحرائق مفتعلة وهى كارثة كبيرة جداً، مشيراً إلى أن الثورة المضادة تعمل جاهدة لإحباط الثورة الحقيقية. ويقول إنه بالرغم من تحديد حجم الخسائر مادياً، حيث خسرت شركة توشيبا 50 مليون جنيه فإنه بخلاف هذه الملايين فالمصانع لم تتعطل مدة كبيرة لعمل إحلال وتجديد حتى يعود العمل مرة ثانية مما يعود بخسائر أكبر على عملية الإنتاج. فكم من الملايين تهدر يوميا بسبب توقف عملية الإنتاج. لا يوجد أمن صناعى وأعرب د. حمدى عبد العظيم رئيس أكاديمية السادات للعلوم الإدارية الأسبق عن أسفه للخسائر التى خلفتها حرائق شركات البترول فى السويس ومصانع توشيبا بقويسنا ومصانع بيع المصنوعات فى طنطا، حيث إن كل هذه الخسائر تضر المجتمع وليس خزانة الدولة كما يتصور البعض. وأشار إلى أن الخسائر فى توشيبا بلغت 30 مليون جنيه وفى السويس أكثر من 700 مليون جنيه، وفى طنطا 50 مليون جنيه أى نحو مليار جنيه فى العام الواحد، مضيفاً أن بعض الشركات والمصانع تؤمّن على منشآتها وفى هذه الحالة فشركات التأمين تتحمل الأعباء أيضاً، لأنها عامة ومملوكة للدولة وهذا يؤثر على خزانة الدولة بطريقة غير مباشرة فالتعويضات التى تدفعها شركات التأمين تقلل أرباح هذه الشركات وإذا قلت الأرباح تقل الضرائب التى تدفعها إلى خزانة الدولة غير تكاليف المكافحة الخاصة بالحرائق. ويقول د. حمدى عبد العظيم إنه لا يوجد فى مصر اهتمام بنظام الأمن الصناعى لأنه مع تصاعد أى دخان يكون هناك جهاز إنذار عند بداية اندلاع الحريق فإذا كان الدخان بسيطًا فى بدايته يستطيع جهاز الإنذار أن يلتقطه وبالتالى يتم تأمين المنشآت على الفور سواء من قبل أجهزة الأمن الصناعى أو من الأفراد، فسيارات الإطفاء والإسعاف تصل متأخرة وكل ذلك يزيد من توهج الحريق والاشتعال، فلا توجد إدارة أزمة حقيقية فى مصر والأفضل لمنع هذه الكوارث أن نلزم جميع المصانع والشركات بأن تقوم بعمل نظام الأمن الصناعى من خلال الأجهزة المتقدمة وليس مجرد وضع طفايات حرائق ممكن أن تكون فارغة أو البودرة بها غير صالحة وأن يكون هناك فريق لإدارة الأزمات يتحرك بشكل سريع للسيطرة على الحريق لمنع أى امتداد له. إدارة الأخطار من جهته يقول د. سامى نجيب أستاذ التأمينات بجامعة القاهرة: إنه لا يوجد فى مصر ما يسمى بإدارة الأخطار أو الأزمات ولاتوجد معدات إطفاء ولا وسائل وقائية وتزداد الخطورة عند الاضطرابات، وما حدث مؤخرا كشف عن غياب هذه المنظومة المهمة. وأضاف أنه لا بد من مواجهة الأخطاء والتأمين لتفادى كوارث ومنع حرق أشياء لا يمكن تعويضها مثل المجمع العلمى المصرى وخط الغاز فى سيناء الذى تم اشتعال الحريق به أكثر من 13 مرة، فالواضح لنا أننا لا نحاول أساساً دراسة الأسباب بالنسبة لما يحدث لكى يتم تلافيه. وأشار إلى أنه من الطبيعى وسط الاضطرابات التى تمر بها البلاد أن تحدث مثل هذه الأشياء وهى ردود أفعال لعدم السيطرة على الأمن وكشف أن هناك تأمينًا ضد الحرائق والاضطرابات لا يمكن تعويضهه فالتأمين العادى صعب أن يتعامل مع الحرائق الكبيرة فبالنسبة لتأمين البترول أستبعد أن يكون التعويض كافيا لأن المبالغ الكبيرة لن تتحملها شركة التأمين فقط فهى تتحمل جزءًا صغيرًا والباقى يوزع خارج البلاد. فالتأمين صناعة عالمية فالشركة المصرية تتحمل 10% فقط من قيمة التأمين والشركات الدولية تتحمل 90% ومع وجود اضطرابات فى البلاد ترفض شركات التأمين العالمية التعامل مع نظيرتها المصرية. وأكد اللواء طلعت مسلم الخبير الاستراتيجى أن ما حدث من حرائق يعكس ضعف حالة الأمن فضلاً عما سببه من خسائر وذعر يصيب المواطن. وأضاف أن احتمال الافتعال موجود لأن الفوضى لم تكتمل وهذه طريقة لاكتمالها ونحن نتحدث عن إشاعة الفوضى وارتكاب الجرائم وهذا يساعد على إحداث الحرائق. وأشار إلى أن الحلول تكمن فى اتباع تعليمات لمكافحة الحرائق لمنعها وينقصنا نقطة مهمة أن من يرى شيئًا خطأ تبلغ عنه فالحوادث كثيرة لدرجة أنها أصبحت أكبر من قوة الشرطة والقوات المسلحة معاً ونرجو من القيادات فى كل الأماكن أن تكون متفهمه لذلك وتتعاون مع كل الأفراد للمحافظة على المصالح الخاصة والعامة فى آن واحد. السياحة تأثرت ويحذر عمرو صدقى نائب رئيس غرف شركات السياحة من أن حالة السياحة الآن فى مصر يرثى لها فهى تحتضر إذ أنه منذ بداية الثورة والسياحة تتأثر بشكل كبير من حرائق فى محافظات مختلفة واحتجاجات واعتصامات واضرابات وأضاف أن السياحة الثقافية وسياحة رجال الأعمال والمؤتمرات المرتبطة بالعاصمة أصحبت «شبه ميتة»، أما السياحة الشاطئية الخاصة بالبحر الأحمر وشرم الشيخ فهى لم تتأثر، وذلك لأنها بعيدة عن الأحداث. وأشار صدقى إلى أن السياحة فى مصر تلفظ أنفاسها الأخيرة خاصة مع توتر العلاقة بين مصر والسعودية حيث أثرت على السياحة العربية وإن لم تكن بأعداد ضخمة ولكنه عدد لايستهان به حيث كان يتوافد عدد لا بأس به من العرب خاصة من السعودية فى فصل الصيف وخاصة فى شهر رمضان وكان يسمى بموسم العرب. توابع ما بعد الثورات ويقول دكتور حسن بريك بحزب الحرية والعدالة إن تكرار الحرائق بصورة مستمرة فى المحافظات ينم عن شىء واحد ألا وهو وجود طرف واحد واضح وليس خفيًا كما كان يقال كثيراً وهذا الطرف يريد أن يقف فى طريق الوصول إلى الديمقراطية وكلما اقترب ميعاد تسليم السلطة زادت العقبات وأوضح أن كل تلك الحرائق مرتبطة بخيط واحد وجان واحد، كما أن الحوادث التى تمر بها البلاد مثلما يحدث فى العباسية لا يقل خطوره عن تلك الحرائق، وحذر د. بريك من تأخير تسليم السلطة ولو ليوم واحد كما ناشد الشعب المصرى بضرورة التوحد والبعد عن الفتن، وأوضح بريك أن الشعب هو من يدير الدفه وهو وحده من يقرر وليس المجلس العسكرى أو الرئيس القادم. وقال إن كل ما يحدث من فوضى واضطرابات هدفها هو تأجيل الانتخابات لصالح فئة معينة بالمجتمع. وأضاف د. بريك إن كل ما يحدث هو توابع ما بعد الثورات ولكن البلد سوف ينهض بكل الشرفاء فى البلد وليس فقط بأبناء حزب الحرية والعدالة. نظرية المؤامرة ويضيف دكتور عثمان محمد عثمان رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة 6 أكتوبر أنه من الصعب أن نفصل بين أحداث الحرائق الأخيرة فى المحافظات عن السياق العام فى الأحداث التى تمر بها مصر منذ الثورة من حوادث وحرائق واحتجاجات طائفية وعمالية، كل هذه المسائل لا تقطع الصلة عن الحرائق وكلها من مظاهر الفوضى التى تهدد استقرار البلد. ويقول د. عثمان إنه كان من الممكن أن يمر الحادث الأول على أنه حادث عابر ولكن تكرار تللك الحوادث يؤكد نظرية المؤامرة فلقد انتقلت الحرائق من طنطا إلى السويس إلى محافظات أخرى ومن غير المتصور أن ما يحدث بمثل هذه الطريقة يشكل مصادفة ولهذا فمن الضرورى أن نستدعى نظرية التآمر والتى تعود إلى الطرف الثالث. وأشار إلى أننا بعد كل هذه الحوادث لا نسمع إلا كلمة واحدة وهى «التحقيقات جارية» ورغم تشكيل لجان تقصى حقائق برلمانية وقضائية لم يتم حتى الآن الإعلان عن جهه محددة وأشخاص معروفين وحذر د.عثمان من خطورة تكرار تلك الحوادث والحرائق لأنها تهدد نجاح الثورة وتهدد الأمن الداخلى للبلاد مؤكدًا أن تلك الحوادث لن تكون الأخيرة فى الأيام القادمة. وأضاف أن الجانى فى تلك الأحداث هم أطراف كثيرون سواء كانوا فلولاً أو قوى سياسية ترفض الاستقرار، وبالتالى تستدعى هذه الحرائق مشهد الثورة المضادة التى تحاول إعاقة مسيرة استكمال الثورة وأهدافها موضحًا إن الثورة المضادة ليس المسئول عنها جان واحد بل عدد من الجهات والأشخاص والأطراف والقوى السياسية التى كانت تحقق منافع من النظام السابق، ولذلك فهم رافضون لاستكمال الثورة وتكون محاولات إفشالها محاولات مستمرة ومستميته.