التعدي على حُرمة وحرم قلعة الحريات وضمير الأمة من قبل العشرات المنتمين لوزارة الداخلية واقتحام منبر الرأي بهذه الصلافة وعدم الإدراك إنما يمثل ليس انتهاكًا للصحفيين فحسب، بل لكل عاقل يعيش على هذه الأرض، نقابة الصحفيين التي طالما وقفت ولا تزال، وستظل، بجانب المواطن، دفاعا عن حرياته، لا حريتها هي فقط، وصونا لكرامته، لا كرامتها وفقط، وحصنا حصينا للذود عنه، ليحيا حياة تتلاءم وحياة البني آدم. نقابة الصحفيين التي لم تقف يومًا لتحقيق مطالب شخصية لأعضائها، ومنهم من يقتات يومه بيومه، ولكن ساندت جميع المطالب المستحقة التي طالب بها شتى فئات المجتمع، لا سيما في الأعوام الخمسة الماضية، ولم تلتفت يومًا لمطلب شخصي، ولكن عندما يتعلق الأمر بكرامة الصحفي التي هي من كرامة المجتمع لا بد عندها من وقفة. لا أحد يعترض على تطبيق القانون، ونحن - الصحفيين - أول من يطالب بتطبيقه، على الجميع من دون أي استثناءات، ولكن بشكل يحفظ للإنسان كرامته وآدميته، دون أي محاولة من قبل الجهاز التنفيذي للدولة بطرائق مختلفة فرض الرعب والخوف واغتيال حرية الرأي وتكميم الأفواه. الطريقة التي تم القبض بها على الزميلين محمود السقا وعمرو بدر لا توحي بأننا أمام جهاز يملك أقل سبل الرشاد، بل يضل الطرقات ولا يتعامل بأي عقلية سياسية، وإنما أمنية بحتة، تتعامل مع صاحب الكلمة والرأي على أنه مسجل خطر، ورد فعل من جهاز قامت قلعة الحريات بتقديم بلاغات ضد رئيسه، ومدير أمنه على خلفية احتجاز وتوقيف ما يزيد على 40 صحفيًا كانوا يغطون احتجاجات فئة ليست هينة من المجتمع ترفض بيع أو التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية خلال الايام الماضية. كما لا يغيب عن أي متعقِل ما كشفه الصحفيون في الآونة الأخيرة من تجاوزات ارتكبها أفراد ينتمون لوزارة الداخلية، التي تدل تصرفاتها الحالية على الثأر ممن يعرون الحقائق ويكشفون الأكاذيب، متناسين أن دور الصحفي يكمن في نشر الجريمة أيا كان مرتكبها، ونقل الحقيقة، التى يحاول ذلك الجهاز أن يغتالها بقصر فكره، وتغيب عقله. لسنا نحن الصحفيين بحاجة إلى إبراز دور النقابة والتعرض لما يقدمه الصحفي الذي يغطي أي أحداث، حاملاً روحه على كفيه، مثله مثل رجل الجيش الذي يقدم نفسه فداءً لوطنه، ولسنا في موقف ما قدمته من تضحيات لتعرية أنظمة مستبدة، كادت تقضي علي الأخضر واليابس، وتذهب بهذا البلد إلى غير رجعة، لكننا بصدد تعدٍ صارخ على قلعة الحريات ورمز الحقيقة، وضمير الأمة الذي يدفعها للخير ويحاول أن ينجو بها ويكفل جزءًا من حريتها. على مجلس النقابة أن يدعو لعقد جمعية عمومية طارئة، لاتخاذ موقف حاسم تجاه تصرف "الداخلية" الغاشم، الذي بلا شك، سيبقى وصمة عار في جبينها، لكونه لا يمثل اقتحامًا وبلطجة من أفراد بها وفقط، وإنما محاولة واضحة لقتل الحقيقة وتكميم الأفواه ونشر الخوف، وفرض الرعب. وفي الأخير الطريقة التي مورس بها لاتخاذ إجراء أشك في قانونيته، لا بد أن يُرد عليه من قبل الجماعة الصحفية أولاً، وهذا تم بدؤه بتوافد المئات من الزملاء للوقوف على سلالم قلعتهم، احتجاجًا على تلك الجريمة البشعة، ثم اعتذار صريح من رئيس الوزراء يسبقه قرار بإقالة وزير الداخلية الحالي، ليسجل التاريخ - الذي من دون شك سطّر واقعة الانتهاك هذه - أنه تمت إقالة اللواء مجدي عبدالغفار على أثرها، ثم تدخل فوري من الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي لو لم يحاسب المخطئين في جهازه التنفيذي سيغتاله، ذلك الجهاز، بتصرفات بعض أعضائه غير المحسوبة.