منذ عدة أيام حلمت اننى أسير فى الطريق عارية، وأن عيون الجيران ترمقنى من خلف الشبابيك ، أرى بعضها وأشعر بالبعض الآخر سياطاً على ظهرى لا أملك لها أى دفع، أتلقاها فى صمت فلو رفعت صوتي بالأنين للفت الأنظار لى أكثر وأكثر. حلم متكرر يزورنا جميعاً فى أوقات مختلفة، يقول عنه ابن سيرين أنه بشارة لفرج ، ولا أشترى هذه البشارة، فالضيق الذى شعرت به بعدها ولا أزال لا يبشر بفرج ، وكأن الحلم ترجم شعورا ما بداخلى منذ فترة بالعرى أمام الحياة التى أعيشها. وكأننى لم أعد أملك ما يجلب لى الأمان ولا حتى ملابس تقينى النظرات الناهشة. ربما تشعر الكثيرات مثلى بهذا، فما الذى قد تشعر به إمراة أربعينية فى بلدنا تتمنى ان تحصد أكثر من عشرين عاماً من الشقاء فى صورة استقرار وسكينة وطمأنينة على أولادها؟ إمرأة تتلمذت وعملت فى منظومة مبارك، شربت التقزيم لبلدها جرعات مع الماء ومضغته مع الطعام وبلعته لقيمات غير محسوسة؟ خنقتها الأوضاع مهما خنقتها ولم تفكر فى الثورة فأجنحة الثورة قد ضمرت على جنبيها ثم أفاقت يوماً لتجد شباباً فى عمر الزهور يهزون الدنيا بصرختهم النبيلة، وصدقتهم وجرت الدماء الجديدة فى عروقها، ثم بدأت من بعدها الدوامة المرعبة ، كل يوم حدث جديد يراه كل جانب بطريقة ويقدم عليه ما يثبته، كل يوم أخبار عن مؤامرة جديدة، عدو جديد من الداخل أو من الخارج ، كل يوم تاريخ جديد يٌكتب وسموات مفتوحة وميكروفونات مجلجة وحقائق تٌكشف وأخرى تٌفبرك فتبدو مثل الأصلية وأحسن، وجنود يموتون فى حرب غير معلنة مع عدو مجهول يٌدعى الإرهاب، ولا تفهم هل هناك فشل داخلى أم هناك عدو أقوى وأشرس مما تعتقد؟ وإن كانت حرباً ضروسا لم لايخرج من يقول أنها كذلك فيعيش الناس أجواءها بحق ويتكاتفون؟ ومع الوقت تتحول أخبار الهجمات على الجيش إلى روتين محفوظ ، ثم أعداد يتداولها الناس وتصل أسماعهم مصحوبة بالوعيد والتهديد وضرورة أخذ الثأر، وتبدأ ثورة جديدة صدقتها كما صدقها الملايين ، وخرجت فيها تدافع عن هوية بلد لم تعرف غيره ، وحين بدا أنها هدأت بدأت مرة اخرى الدوامة المرعبة من الأحداث والأقاويل ، وكأنها تركب لعبة العجلة فى الملاهى تهبط وترتفع بشكل دائرى ومع كل حركة ترى مشهداً مختلفاً وتفاصيل جديدة وأعدادا جديدة تموت ، وتهديدا ووعيدا ، وأكفان بالألوان الأحمر والأبيض والأسود وميكروفونات مجلجلة وسموات مفتوحة وعدو بالخارج وآخر بالداخل ودول من حولها تختفى ولا يعود لها وجود. فى خضم هذا البحر العميق من الأحداث تمشى الحياة اليومية من عمل ودراسة وبيوت مفتوحة بلا هوادة ، بلا هوادة. الأزواج يريدون الهروب من الغلاء الطاحن وقلة الحيلة والعجز إلى بيوت مريحة وزوجات يجلبن السعادة المفتقدة ، والأطفال يريدون أن يلجأوا إلى أمهاتهم بحثاُ عن الأمان الذى هو أحد حقوقهم الأصيلة ، والسيدة مثل غيرها تشعر بالعار وللعار طعم الدمع الساخن على جدار القلب!