(1) أتابع مثل الملايين هذه ( الهوجة الإعلامية) (والمولد الجديد )الذى يعقد كل مرة حول موضوع مختلف، (وهى) نظرية راسخة فى إعلامنا قديما وحديثا ،ابتداء من قصة (الفيشاوى وهند الحناوى )، ومرورا بقضية (طلعت مصطفى )،وانتهاء (بزينة وأحمد عز) وفى كل مرة الصيد يختلف ،والجمهور يختلف والإعلانات تختلف ! وهكذا ففى بلدنا ، أناس وقيادات يسًخرون كل ما لديهم( لتثقيف )الشعب بأرقى أنواع الثقافات وتزويده بمهارات التعلم والتفكيروالبحث، وأيضا كنوع من التغيير الآن مباراة جديدة مختلفة لأنها تتعلق( بالدين )لاسيما أن مباريات كرة القدم لم تعد بنفس توهجهها السابق بسبب (الاولتراس) ولم تعد مباريات (التوك شو )أيضا بنفس توهجهها وسخونتها السابقة بعد أن باتت شبه مللة ومكررة . هذه المرة مبارة أخرى تقوم على الثرثرة (واللت والعجن ) ، فى غير المتوقع، عندما أطل علينا الأستاذ البحيرى عبر فضائية (القاهرة والناس) حاملا على أكفه( هم ) تنقية التراث ،رافعا سيف جهاد تخليص الأمة من هذا الركام والغبار المنثور، رافعا راية لا سلطان لبشرعلى بشر، والحقيقة أننى تابعته وتأملت بعض ما قاله وتأملت أكثر فى طريقته وأدائه، وأسلحته (البتارة )التى يشهرها فى وجه من يخالفونه القول ، وسأوجز ملاحظاتى فى النقاط التالية بعد أن نحسن الظن به أنه كان يريد دفاعا فانحرف إلى الدفاع عن نفسه و عن البحيرى( والأنا ) وأناقشه نقاشا هادئا رغم أنه لا يعرف للهدوء مسلكا: 1-لا أعرف البحيرى صحفيا أو باحثا كما قالوا وحسبما ذكر فى الصحف أنه كان صحفيا مغمورا إلى أن ظهر فى أحد البرامج مناقشا ياسر برهامى فى إحدى فتاواه واقتنع المشاهد بهذه (الطلة ) ومن ثم – كالعادة فى الفضائيات كما يحدث فى ملاعب كرة القدم عندما يعجب المدرب بأحدهم فيقول (هاتوا الولد دا )– فهكذا فعل طارق نور ! ليشغل البحيرى مساحة بارزة فى القناة يتكلم بمفرده ، يهاجم بمفرده، ينتصر لنفسه بمقرده، يصرخ بمفرده ،يبث سمومه بمفرده ،ولا من مجيب، ولا داع ،ولا سامع ،سوى الأزهر الشريف الذى انتفض انتفاضة مفاجئة بعد نوم هادئ ممتع ،وبعد أن نكزه الرفاق والصحب ،وبعد أن اشتم الجيران رائحة الدخان عن قرب ، ولا غرو فمعظم قرارات الأزهر على هذه الوجهة، وهو ليس مجاله الآن .المهم ماذا بعد انتفاضة الأزهر؟ صاح البحيرى وناح وصال وجال فى ساحة القنوات ،مستنكرا معارضته بشكل عام ، ومن الأزهر بشكل خاص ومن هنا تابع الناس بدايات (المباراة ) بتوقيت مصر المحلى والدولى وانقسم الوطن كالعادة إلى فريقين ولسان حالهم يقول فريق فى الجنة، وفريق فى السعير!. (2) -أول ما ينكره البحيرى ورفاقه وهم قلة فى رأيى ولله الحمد أن يصبح الأزهر هو الجهة المخولة للدفاع عن الشريعة الإسلامية ،وأنه لا كهنوت فى الدين، ولا سلطة لأحد على أحد وغير ذلك ،هنا أطرح تساؤلا ماذا لو اختلف الأطباء فى أمر طبى أليس من العقل والمنطق الرجوع إلى نقابتهم ؟ وماذا لو اختلف المهندسون و المحامون وغير ذلك ، إذن فمن يحمل هم الدفاع ولن أقول( سلطة الدفاع )سوى الأزهر وهو الجهة الرسمية ،والمؤسسة التى يحتكم إليها فى أمور الشريعة حسب الدستور، وحسب ثقة الناس بها؟ وهو أمر له مكانه وأهميته ، لقد قاد إسلام معركة أخرى فرعية تبنى على نظرية :لماذا الأزهر بينما لو تدبر هو فى أمر نفسه قليلا لتقبل السؤال نفسه إليه ولماذا هو يتصدى لتنقية التراث الإسلامى وهو خريج الحقوق الذى لم تؤهله دراسته تأهيلا كافيا للتصدى لهذا المجال ،لأن ما درسه فى هذا المجال طالبا وباحثا لا يشكل بذرة من أرض خصبة فلماذا احتكر الحقيقة وانتصر لنفسه زاعما أنه فقط على الصواب ،وأنه أتى بما لم يأت به الأوائل ، وأن كل من كانوا قبله على خطأ ،بل على جهل وضحالة فكر، وأن من يخالفه لابد أن يكون (مش فاهم وجاهل وأعمى وتافه ووووو) - أذا تعاملنا مع إسلام (الباحث ) فهل يليق بالباحث فى أى مجال أن يسفه الأخرين ؟هل من أخلاق الباحثين أن يروا وجهة أنفسهم فحسب ؟ هل من أخلاق الباحثين التعصب والسخرية من الآخر؟ بل من التراث نفسه ،أو من المصادر التى اعتمد عليها هو أيضا فى مادة البحث وهى نقطة الضوء التى انطلق منها؟ هل عنى الباحث أن ينسف جهود هذه القرون وجهود رجاله ؟ هل التنوير وحرية الفكر وأدوات البحث تطلب من الباحثين وطلبة العلم أن يغلقوا المسامع والأبصار عن أى قول ورأى آخر ؟ لو كان الأمر هكذا لما صنع لنا علماء العالم تلك المعجزات التى تذهلنا كل يوم ،ولتوقف البحث العلمى ،ولتمسك كل باحث بما وقف عنده فحسب ،رافعا راية قفوا فأنا عنوان الحقيقة فحسب........تابعوا بعض المناظرات التى وافق عليها بعد جهد مع أن الباحث دائما يرحب بمبدأ التحاور والمناقشة وسعة الصدر ورحابة الأفق ، يحترم من ينتقده ولا يبحث عن منصف لمنهجه سوى أدوات بحثه ،بتواضع وأدب جم ، لكن ما تبدى لى أننى رأيت باحثا ينتصر لذاته، قبل أى شئ ،ويتعصب لمذهبه وفكره فقط ، يبرأ ساحته من أى خطأ محتمل، ويتهم كل من خالفه بالجهل والقصور، وكنت أتمنى من ( الباحث) – لو كان جادا -أن يخرج علينا ببحث علمى موثق له منهجية وأدوات ،يقدم حجة بحجة ،ودليلا بدليل ،محسنا الظن بالآخر ومقدرا جهده ،ومترفعا عن التقليل ،أو السخرية منه ، ويقدمه للبشرية بأى طريقة كانت ولسان الحال يقول :اللهم تجاوز عن جهلنا وتقصيرنا وهفواتنا فهكذا علمنا الأساتذة ،وهى( أصول) البحث العلمى وبخاصة فيما يتعلق بالشريعة والدين ، لكن أن يخرج فلان وفلان ليقدم نظرياته الجديدة فى الطب مثلا فى برنامج لأنه قد قرأ كثيرا أو قليلا حتى لو كان غير متخصص فهو قد أعمل العقل والتفكير ويكتمل نور البدر حينما لا يجد ردا ولا دفعا إلا بعد سبات عميق بعد أن بلغت القلوب الحناجر وبلغ السيل الزبى! (3) 4- سنفترض جدلا أن جميع علماء الأمة عبر هذه القرون الطويلة ،عميت بصيرتهم، وصمت آذانهم ، وضلوا الطريق ،حتى جاء (البحيرى) (مخلصا )التراث من الغبار الذى لحق به ،ولم يره سواه ، سنفترض ذلك ،وأن العقول قد أظلمت هذا القرون حتى جاء البحيرى عبر القاهرة والناس منقذا للدين من هذه الأباطيل إذا افترضنا كل هذا ،فلماذا وقف البحيرى عند وريقات من التراث فحسب ، تاركا كل ما عداه ؟لماذا لم يشر البحيرى إلى نقطة ضوء واحدة وسط الظلام ؟ إذا افترضنا أنه ظلام لماذا لم يقدم البحيرى قطرة ندى فى هذه الصحراء ؟هل أصاب العمى والشطط (البخارى ومسلم وأبو حنيفة ومالك وابن حنبل والشافعى وغيرهم ) ألم يفلح هؤلاء فى زرع( نبتة خير ) واحدة ؟ما رأى البحيرى سوى الظلام والسواد ؟ فعلى فتوى من يسير إسلام البحيرى إذن ؟ إذا حار قلبه فى أمر ما؟ أتخيله أمامى الآن يرد بحديث (استفت قلبك )الذى يردده بعضهم بقصور فى الفهم والبصيرة ظنا منهم أن معناه (استفتت القلب حتى لو أفتاك قلبك بما يخالف الشرع ويتفق مع الهوى ) 5- الراية التى يرفعها أنصار البحيرى أنه أتى بما يأت به الأوائل ، وأنه الجرئ الذى تصدى للفكر الهدام ، وأنه التنويرى الذى استخدم عقله المستنير فى التفكير رافضا الانسياق وراء السطور المخلدة ، لدى بعضهم، وأنه الوحيد الذى أثبت أنه لا قدسية لنص ما لم يكن قرآنا أو سنة ، والحقيقة أن البحيرى أبدا ما أتى بما يأت به الأوائل ،لأن هؤلاء (الأوائل ) من أضاءؤا الطريق للجميع لتبيان الشريعة وأمور الدين المتفق والمختلف فيها ،مستخدمين آليات البحث الحديثة من تدقيق ومراجعة وفحص وتوثيق وتحرى الدقة والابتعاد عن الشبهات، ثم بعد هذا الجهد التخلى عن أى تعصب لآرائهم، فلعل خطأ لم ينتبهوا إليه هنا أو تقصير أو سهو هناك ، هؤلاءالذين هاجمهم البحيرى وسخر منهم واستهزأ بهم وهم بين يدى الله تعالى وحده يحاسبهم على ما قدموا ،هؤلاء هم الذين أسسوا نظرية التنوير والبحث الحقيقى ( رأى غير صواب يحتمل الخطأ ،ورأيى خطأ يحتمل الصواب) ولم يفعلوا كما فعل البحيرى مؤسس نظرية (رأى غيرى خطأ لا يحتمل الصواب إطلاقا ،ورأيى صواب لا يحتمل الخطأ أو التفكير فيه ) فما الذى جاء به إسلام من جديد ؟ - قال إنه ينقى التراث ، مغلفا هذا بشئ من الذكاء والدهاء، عندما يخاطب كل معارضيه بسؤال : وهل هناك نص مقدس سوى القرآن والسنة؟ وهل التراث معناه تقديس كلام البشر ؟ ومن يختلف معك يا بحيرى فيما ذكرت ، ومن قال إن أيا من العلماءالثقات قدسوا النص ؟اختلف كما تشاء فهو حق للجميع ولكن لماذا لا ترى فى المجلدات الضخمة التى تجتزأ أحرفا منها الآراءالأخرى التى ناقشت ما جئت به أنت؟ وكأن السابقين لم يسطروا سوى جملة ( نسلم بهذا الرأى فحسب ) وهم من اختلفوا فى معظم المسائل الفقهية ،وأوردوا الرد عليها ودعموا ما رأوه صحيحا حسب اجتهادهم ،وهم من أسسوا علم الاجتهاد ، وبمنطق التساؤل أيضا ماذا تقول فيمن قالوا( لا اجتهاد مع النص) ( وكل يؤخذ منه ويرد إلا القرآن والسنة،) ( ولا أحد معصوم سوى صاحب هذا المقام ) أى المصطفى صلى الله عليه وسلم هؤلاء الذين اختلفوا فيما بينهم حول فهم آية ، أو حديث أو كلمة بل حرف فى القرآن ، ومن هنا كان اختلافهم رحمة ،هؤلاء من كان تواضعهم يدفعهم للتبرأ من كل قول ليس منهم أو قول ليس فيه حجة ويتنافى مع مقاصد الشريعة ، ، هؤلاء من حذروا من اتباع الهوى ،هؤلاء من طرحوا المسائل بحجج وأدلة ،فى نقاش محترم ،ليقدموا مثلا على( حق الاختلاف )،وفن الاختلاف ،وأدوات الاختلاف ،وطرق الاختلاف ،هؤلاء لم يطلقوا سيف السخرية والاستهزاء من الآخر، لأنه اختلف معهم ،لأنهم يعرفون جيدا أن الشريعة التى يدافعون عنها هى التى جاءت بقوله تعالى ( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) و( فاسألوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون )و (يأيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم)..........وهى التى جاءت بقوله تعالى :( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) هؤلاء مانطقوا لفظا يصفون فيه الذات العلية بقولهم ( ربنا مخطرش على باله أن دا هيحصل). ---------- [email protected]