اختلفت أو اتفقت مع وجود السوريين فى مصر فقد أثبتوا أنهم كعمال وبائعين أفضل من المصريين بمراحل. البائع السورى ليس فقط حلو الشكل فى أغلب الأوقات ( وهو القضاء والقدر. فوجود الأوروبيين فى منطقة بلاد الشام قروناً طويلة أيام الحروب الصليبية غيرت فى جينات المنطقة للأبد) وإنما أيضاً حلو اللسان وطويل البال، لايمل ولا يكل من عرض بضاعته، يصبر على التقليب فى المعروضات وإذا لم تشترى شيئاً فى نهاية الأمر فلن يقلب وجهه مثل الشراب العفِن بل سيظل يرحب لك ويعيد ترتيب أشياءه ببساطة حقيقية. لن تسمع من البائع المصرى كلمات مثل "تِكرم عينك" "وكلامك وسام على صدرى" ولا "تحت امرك إستاذ او عيونى إلك مدام"، ولن تسمع من البائع السورى ما يضايقك حتى لو استفززته. وليس البائعين فقط وإنما ربما كل المهن التى عَملت فى أعمال مصرية تتمتع بنفس المهارة والحذاقة. فالسائق السورى نظيف وقليل الكلام، يعتنى بسيارته ويلتزم بمواعيده، والتقنى السورى هكذا وكذلك الطبيب والصيدلى وهكذا. حتى الصبية الذين ينتشرون فى كل المنتجعات يبيعون الحلوى السورى المغلفة الجميلة أمام المقاهى يفعلون ذلك بأدب ودون الحاح. لايخلو الأمر من خطا هنا وهناك وفروقا فردية بين كل الناس لكن حين يجمع الجميع على أن السورى أفضل فلابد من أن الفكرة موجودة بالفعل على أرض الواقع. لا أدرى إن كانت جينات فينيقية أصيلة تتحكم فى هذا الشعب حتى الآن، أم أنهم قد درسوا طبيعة المصريين وتجنبوا اخطاءهم وأسباب تراجعهم وشكوى الناس منهم، وربما السببان وربما فوقهم مرارة الغربة والأبواب الموصدة فى بلادهم التى تحرك كل الهمم والطاقات. و لا أدرى لماذا تتوافر لهم فرص العمل بينما يشكو الجميع من البطالة؟ ليس الأمر أن السورى ساحر مشعوذ يسحر لأصحاب العمل، لا. فقط هو يرضى بالراتب أياً كان ويقوم بعمله بألطف طريقة ممكنة ويرضى زبائنه. فليكن ما يكون فى حياته الخاصة، فليكن ما يكون فى جوهره الداخلى، على مستوى الظاهر وعلى مستوى العمل هو ناجح. على ناحية أخرى، لماذا لم يتعلم المصريون شيئاً من السوريين؟ لماذا لم يراقبوا نجاح السوريين فى أعمالهم ويحاكون حلاوة ألسنتهم واجتهادهم ويتوقفون عن الكسل واللزوجة والكذب والغش فى بضاعتهم أو صنعتهم؟ ليس بيد المصرى أن يحسن من شكله وبشرته وشعره، فهذا قضاء الله وقدره لكن بامكانه تغيير طريقه تفكيره وملابسه ويتعلم حلاوة اللسان بصدق، يمكنه حتى أن يصطنعها حتى يجيدها. لا أعلم متى يقرر المصرى أن يغير من نفسه ويوقن أن صلاح حال مجتمعه ومن ثم بلده ومستقبله ومستقبل أولاده مرهون برغبته الشخصية فى التغيير للأحسن وعدم انتظار الحلول الربانية ومن بعدها الحلول الحكومية؟ هل يحاول المصرى شيئاً من هذا فى 2016؟ المشهد .. درة الحرية المشهد .. درة الحرية