بعد أن أصبحت أراضي أجدادهم عرضة للخطر، هب أهالي منطقة "أوروميا"، أكبر جماعة عرقية في إثيوبيا، للدفاع عنها، حيث قضت مضاجعهم الخطط التوسعية لحكومة أديس أبابا التي تلهث وراء دولارات المستثمرين الأجانب. ولكن في الأيام القليلة الماضية زادت الاحتجاجات حجما، وتظلما، وأصبحت حملة القمع التي شنتها الحكومة أكثر عنفا، وأصبحت أيديها ملطخة بدماء الأبرياء من بني شعبها الذين تجرأوا ورفعوا أصواتهم بالشكوى. وقالت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية، ومقرها نيويورك، إن ما قد يصل إلى 75 شخصا قتلوا على أيدي قوات الأمن الإثيوبية خلال المواجهات، في حين تعترف الحكومة بخمس وفيات فقط. ما حقيقة ما يحدث في إثيوبيا؟ في الوقت الذي تتزايد أعداد سكان العالم، ثمة ضغوط كبيرة لتوفير الأغذية والأراضي الصالحة للزراعة التي يتوفر 60% منها في أفريقيا، ولهذا لجأت حكومة إثيوبيا، إلى تأجير مساحات واسعة من الأراضي للمستثمرين الأجانب من الصين والهند والشرق الأوسط. وبينما يخول القانون، للحكومة القيام بذلك، بصفتها تمتلك كل أراضي البلاد، يقول المنتقدون إن هذا "نهب للأرض"، لأن الناس يجري طردهم بعنف من أراضي أجدادهم، فضلا عن أن ثمة عنصر عرقي كبير أيضا يرتبط بهؤلاء المتضررين. شرارة الاحتجاجات اندلعت الشهر الماضي، عندما كان يجري تطهير إحدى الغابات من أجل التنمية، فالتحمت الاحتجاجات لمعارضة ما يسمى "الخطة الرئيسية" للحكومة لتوسيع تطوير أديس أبابا إلى الأراضي الزراعية المحيطة
ورغم مزاعم الحكومة بأن هذا "المخطط" متوقف مؤقتا، انتشرت الاحتجاجات منذ ذلك الحين إلى مدن أخرى في منطقة أوروميا، ولكنها ليست بدافع من هذا "المخطط"، ولكنها ترتبط أيضا بمجموعة من القضايا التي تخص هذه الجماعة. ماذا يجعل هذه الاحتجاجات مختلفة؟ يظهر من اللقطات التي نشرت على وسائل الإعلام الاجتماعي، أن هذه الاحتجاجات تبدو أكبر بكثير وأكثر تنوعا من الاحتجاجات السابقة، ولم تخل من العنف، حيث تم إشعال النار في مراكز الشرطة، ونهب بعض المزارع المملوكة للأجانب. لكن الاختلاف الأكبر حتى الآن هو رد الحكومة، فبدلا من ترك الشرطة الإقليمية تتعامل مع هذه الاحتجاجات، أرسلت قوة مكافحة الإرهاب المخيفة. وثمة مزاعم بأن الجيش أيضا أطلقت الذخيرة الحية على مجموعات من المتظاهرين، ما أدى لزيادة عدد القتلى، وهو ما تنفيه الحكومة. ردود فعل أمريكية غاضبة انتقدت الولاياتالمتحدة الطبيعة غير المتكافئة لاستجابة الحكومة، وأصدر نائب المتحدث باسم وزارة الخارجية بيانا أعرب فيه عن قلق بلاده بشأن الاشتباكات الأخيرة، وقال إن الولاياتالمتحدة تحث حكومة إثيوبيا على السماح باحتجاجات سلمية، والالتزام بحوار بناء لمعالجة المظالم المشروعة، كما حث المتظاهرين على الامتناع عن العنف، والانفتاح على الحوار. لماذا لم تسمح الحكومة بالاحتجاجات السلمية؟ سمحت إثيوبيا، لا سيما في العقد الأخير، بقدر قليل للغاية من حرية التعبير أو التجمع، لدرجة أن انتقاد الحكومة قد تصل عقوبته إلى الزج في السجن بتهمة "الإرهاب"، على غرار ما حدث مع صحفيين إثيوبيين يقضون حاليا عقوبتهم في السجن. غير أنه مع فوز حزب "الجبهة الديمقراطية الثورية الشعبية الإثيوبية" والاحزاب المتحالفة معه في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في شهر مايو الماضي، ب100% من مقاعد البرلمان، ليس هناك أي مساحة في إثيوبيا الآن للنقاش السياسي مع الحزب الذي يهيمن على البلاد منذ نحو 25 عاما. ويبدو أن الحكومة تتعامل مع هذه الاحتجاجات باعتبارها تهديدا وجوديا للبلاد، حيث أصدرت فرقة مكافحة الإرهاب بيانا يوم 15 ديسمبر، وصف الاحتجاجات بأنها عمل عدد قليل من وصفهم ب"الانفصاليين المتشددين": وقالت إن "عددا محدودا جدا من الطلاب من جماعة أورومو العرقية... بدأ اتصالا مباشرا مع قوى تتلقى مهاما من جماعات إرهابية أجنبية". وفي اليوم التالي، قال رئيس الوزراء هايلي مريم ديسالين إن الحكومة "ستتخذ إجراءات شرعية لا ترحم ضد أي قوة عازمة على زعزعة استقرار المنطقة". انتقادات شديدة للحكومة وفي الوقت الراهن لا يبدو أنه ستتاح للمتظاهرين الفرصة للجلوس لمناقشة مطالبهم مع الحكومة، التي تواجه بعض أشد الانتقادات -وبخاصة في صفوف مواطني الشتات الإثيوبي في الولاياتالمتحدة - حيث وصفوا هذه الاحتجاجات بأنها انتفاضة طال انتظارها من قبل شعب "أورومو" ضد الحكومة، لكنهم يختلفون بشدة مع توصيف الحكومة لهذه الأحداث باعتبارها "صراعا عرقيا"، ويصفون ما حدث بأنه ثورة سياسية من قبل مجموعة عرقية كبيرة ومهمشة، ويقولون إن المتظاهرين حرصوا على عدم استهداف الناس من عرقيات أخرى.